بدأت صناعة البتروكيماويات في المملكة عام 1976 مع تأسيس شركة سابك، أول شركة وطنية في مجال البتروكيماويات، واليوم تقف المملكة إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في المركز الأول في إنتاج المونو إثيلين جليكول بنسبة 15% من الإنتاج العالمي. وتأتي دول مجلس التعاون الخليجي في المركز الثالث عالميا من حيث إنتاج الميثانول بنسبة 12%، والرابع على مستوى العالم في إنتاج الإثيلين بنسبة 15% والبولي بروبيلين بنسبة 12%. وأخيرا تحتل المركز الخامس عالميا من حيث إنتاج كل من البولي إثيلين بنسبة 12%، والبروبيلين بنسبة 7%.
ويعتمد إنتاج البتروكيماويات على نوعين من اللقيم وهما النافثا والمشتقات الأخرى التي يتم إنتاجها من النفط، والنوع الثاني هو الغاز الطبيعي المسال الذي يضم الميثان والبروبان والبوتان، ويعد الغاز هو المصدر الرئيسي لإنتاج فرع واحد من البتروكيماويات وهو الأوليفينات، وجل إنتاج المملكة يعتمد على الغاز وبالتالي معظم الإنتاج هو الأوليفينات. أما مشتقات النفط الأخرى كالنافثا والمشتقات الأخرى فيمكن إنتاج الفرع الثاني للبتروكيماويات منها وهي الأروماتيات. وبالتالي فإن من مصلحة المملكة الاستراتيجية التوسع في أساس صناعة البتروكيماويات واستخدام وبيع النافثا والمشتقات البترولية الأخرى لخلق صناعة بتروكيماوية ضخمة من الأروماتيات. ويصبح ذلك مجديا فقط إذا تم بيع مشتقات النفط بسعر محلي لتشجيع استثمارات ضخمة في هذا المجال.
وأود أن أعرض هنا عن الأثر الكبير للصناعات البتروكيماوية السعودية على الاقتصاد الوطني، ويمكن القول في هذا الصدد إن صناعة البتروكيماويات تعد عاملا هاما في تعزيز الاقتصاد السعودي من عدة نواحٍ، ففي عام 2014 وحده، وصلت توزيعات أرباح قطاع البتروكيماويات في المملكة إلى 21.7 بليون ريال سعودي، حصلت الجهات الحكومية على 12.7 بليون ريال منها، بينما حصل قطاع الزكاة على 3.7 بليون ريال، وحصلت الشركات اللوجستية على 4.7 بليون ريال، ووصلت المدفوعات لشركات التأمين 533 مليون ريال، بينما حصلت البنوك السعودية على 1.4 بليون ريال من تمويلها لقطاع البتروكيماويات، وغير ذلك من استفادة قطاع التأمينات الاجتماعية والضرائب على الشركاء والأجانب... إلخ.
من ناحية أخرى، تم خلق العديد من فرص العمل داخل المملكة، حيث وصل إجمالي الوظائف المباشرة التي تم خلقها إلى 35 ألف وظيفة، في حين وصل عدد الوظائف غير المباشرة التي تم خلقها إلى 145 ألف وظيفة تقريبا. وقد وصلت قيمة مرتبات الموظفين السعوديين العاملين في تلك الوظائف إلى 11.3 بليون ريال.
على الرغم من تلك المزايا العديدة التي تتمتع بها صناعة البتروكيماويات في المملكة، إلا أنها باتت تواجه العديد من التحديات الكبرى التي ستؤثر بلا شك على تنافسية البتروكيماويات السعودية، وأهم هذه التحديات إنتاج الولايات المتحدة للبتروكيماويات بالاعتماد على مصادر الغاز الصخري الذي أصبح ينتج بكميات هائلة في أمريكا. وتقوم أمريكا حاليا بالتفاوض لعقد اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي وكثير من الدول الآسيوية مما سيؤثر بطريقة خطيرة على حصة البتروكيماويات السعودية في تلك الأسواق وبالتالي انخفاض الربحية ووقف الاستثمارات. وقد بدأت بوادر تأثير الغاز الصخري في سعر مادة البروبان الأساسية لكثير من الصناعات البتروكيماوية التي أصبح سعر بيعها في أمريكا أقل بحوالى 30% من سعر نفس المادة في المملكة بالسعر المحلي!!!
وغني عن القول إن سعر الغاز الصخري في الولايات المتحدة سيؤدي إلى عدم تنافسية البتروكيماويات السعودية في السوق الأمريكي نفسه وكذلك في الأسواق الأخرى، وذلك لأن تكلفة الإنتاج في المملكة هي أعلى من تكلفة الإنتاج الأمريكي، لأن المصانع السعودية تعتمد في الإنتاج على مادة الإيثان وكذلك مادة البروبان وعند مزج السعرين في السوق المحلي يصبح الإنتاج السعودي غير منافس على الإطلاق مع الغاز الأمريكي.
وهناك تحدٍ آخر وهو خطير جدا حيث تقوم دولة الصين باستثمارات ضخمة في قطاع البتروكيماويات سواء بإنشاء مصانع بتروكيماوية تقليدية أو الاعتماد على التقنية الجديدة لتحويل الفحم إلى بتروكيماويات، وحيث إن الصين غنية بالفحم فسيشكل ذلك ضربة قاسية لتنافسية البتروكيماويات السعودية.
إن ما يدفعني لطرح هذا الموضوع هو خوفي على مستقبل الصناعات البتروكيماوية إذا لم تقف المملكة بدعمها عن طريق تخفيض أو على الأقل المحافظة على سعر اللقيم من الغاز، وكذلك البدء ببيع مشتقات النفط، لخلق صناعة بتروكيماوية كاملة وبسعر محلي، والعمل على حماية صادرات البتروكيماويات السعودية التي تواجه الآن وستواجه في المستقبل منافسة شرسة جدا.