-A +A
محمد داوود (جدة)

يبدو أن الصيدليات في المملكة بدأت بالاستحواذ على المحال التجارية في طرقات المدن الكبرى في السعودية، رغم انعدامها في بعض المدن، ما فسره مسؤول في وزارة الصحة أن المسألة ترجع إلى العرض والطلب، وأصبحت هذه الصيدليات تنافس المحال التموينية من حيث الانتشار، حتى بات بين كل صيدلة وصيدلة، صيدلية أخرى.

ورغم وجود إحصاءات غير رسمية تشير إلى تجاوز الصيدليات في المملكة حاجز الـ 7 آلاف، كشفت إحصاءات رسمية لوزارة الصحة (حصلت «عكاظ» على نسخة منها) عن أعداد الصيدليات في المملكة والتي بلغت 6947 صيدلية خاصة في مختلف مناطق المملكة، بينما المعدل العالمي يبلغ صيدلية لكل 8 آلاف إنسان، بحسب الأستاذ المساعد في علم الأدوية الإكلينيكي في كلية الطب بجامعة جدة الدكتور منصور الطبيقي.

وبالاعتماد على المعدل العالمي، فإن المملكة التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون تحتاج إلى 3750 صيدلية فقط وليس 6947، وتشير معلومات من الوزارة أنها في صدد إصدار تراخيص جديدة في الأيام المقبلة لصيدليات.

وأسهم قرار إلغاء شرط المسافة بين الصيدليات عند منح الترخيص والمقدرة بـ 250 مترا في انتشار الصيدليات بشكل لافت للنظر وتكدسها في شوارع المدن الكبرى.

ويقول مسؤولون في وزارة الصحة إن هذا الانفجار الضخم في أعداد الصيدليات جاء بعد اعتماد وزير الصحة المكلف آنذاك المهندس عادل فقيه قرار إلغاء شرط المسافة، ووجه حينها جميع مديري الشؤون الصحية بالمناطق والمحافظات للعمل بالشرط الجديد اعتبارا من الثاني من يوليو 2014، ليكون متسقا مع مقترحات ملاك الصيدليات و«تحقيقا للمصلحة العامة التي تسهم في خدمة المواطن وتوفر له أوجه الرعاية الصحية كافة»، -بحسب مسؤول في الوزارة-.



30 صيدلية للمستثمر الواحد

وأكد مختصون أن الصيدليات تتمركز بشكل كبير في الرياض وجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث الكثافة السكانية عالية، فيما تشترط اللائحة التنفيذية لنظام المنشآت والمستحضرات الصيدلانية أن يكون المالك أو أحد الشركاء يحمل شهادة صيدلة، وألا يزيد عدد الصيدليات للمالك الواحد على 30 صيدلية.

وكيل وزارة الصحة المساعد لشؤون القطاع الخاص الدكتور علي الزواوي يقول لـ «عكاظ»: إن شروط النظام الصحي تسمح للمالك بفتح الصيدليات في أي موقع يراه مناسبا طالما أن إجراءاته سليمة وصحيحة، وأن النظام يسمح بـ 30 صيدلية للمالك الواحد وغير ذلك فيكون بأسماء آخرين تنطبق عليهم شروط النظام والإجراءات الرسمية للترخيص. وعن تعدد انتشار الصيدليات تحت لوحة واحدة يوضح الزواوي أن اللوحات لا تعبر عن الأشخاص، مؤكدا على التزام الوزارة بالعدد المحدد للشخص في الاستثمار في قطاع الصيدليات، وأن ما عدا ذلك قد يكون بأسماء أخرى، إذ أن النظام لا يسمح بتجاوز تلك الأعداد وفق اللائحة والنظام.

ويرى المسؤول الكبير في الوزارة أن غياب الصيدليات في القرى تدخل ضمن إطار العرض والطلب «لا يمكن فرض نشاط الصيدليات على المستثمرين في أماكن خارجة عن المدن الكبرى، فكل مستثمر يبحث عن مصلحته الاستثمارية، ولكننا لم نغفل جانب الرعاية العلاجية والدوائية في القرى والهجر، حيث وفرت الدولة العلاج والدواء لأهالي القرى والهجر». وعن الإغلاقات والمخالفات على المؤسسات الصحية الخاصة والصيدليات ومراكز الخدمات المساندة يؤكد الزواوي حرص الوزارة عن مستوى الأداء في القطاع الصحي الخاص، مشيرا إلى أن الوزارة أولت جانب المراقبة والتفتيش أهمية بالغة للتأكد من تطبيق أحكام الأنظمة واللوائح للمحافظة على سلامة ومأمونية الخدمة المقدمة للمريض، ذلك من خلال المتابعة الدورية عن طريق لجان التفتيش في مديريات الشؤون الصحية أو عن طريق الجولات المفاجئة، أو بناء على شكاوى بعض المواطنين، ويتم اتخاذ العقوبات اللازمة على جميع المخالفات سواء كانت على الكوادر العاملة أو الإجراءات المتخذة من المؤسسة الصحية الخاصة أو المنشأة الصيدلانية. ويلفت إلى أن العقوبات تتلخص في الإيقاف عن مزاولة النشاط أو سحب الترخيص أو إغلاق مؤقت أو نهائي، وأن منها ما يخص المؤسسات الصحية الخاصة والصيدليات، ومنها ما يتعلق بمزاولي المهن الصحية، وقد تصل إلى إبعاد الممارس الصحي المخالف عن البلاد ومنعه من العودة لتعطي مؤشرا حقيقيا حول جدية الوزارة ومديريات الشؤون الصحية في ضبط ومعالجة أي قصور في الخدمة الصحية المقدمة.





«باجبير»:تكرار الأسماء التجارية ترجع لتحالفات



ويرجع مدير إدارة القطاع الخاص بصحة جدة الدكتور محمد حسن باجبير في تصريحه لـ «عكاظ» سبب انتشار سلسلة من الصيدليات تحت مسمى تجاري واحد، إلى تحالفات وشراكات تجارية متفقة مع النظام.

واستشهد الدكتور باجبير بالسماح للمالك الواحد بـ 30 صيدلية، فيما لو اشترك في تحالف من 10 أشخاص، هنا سيشكلون 300 صيدلية، تحت مسمى التحالف المشروع، موضحا أن عدد الصيدليات المرخصة في جدة بشكل نهائي 1421 والمرخصة مبدئيا 543 صيدلية.



ويؤكد الدكتور باجبير سجلت إدارته ممثلة في اللجان التفتيشية خلال العام الماضي 106 مخالفات على المنشآت الصحية الخاصة بجدة، مبينا أنه تم إغلاق 7 منشآت صحية إضافة إلى إغلاق مستشفى خاص وصيدليتين، وذلك عبر 3489 جولة ميدانية على المؤسسات الخاصة بالمحافظة.

وشملت الجولات الميدانية المستشفيات والمجمعات الطبية، المراكز العلاجية، عيادات الأسنان، المراكز العلاجية، عيادات الأسنان، والصيدليات الأهلية، بحسب الدكتور باجبير والذي أشار إلى أن أغلب المخالفات التي تم ضبطها في المنشآت الصحية والمراكز الأهلية كانت «فنية وإدارية». وأضاف الدكتور باجبير أن التجاوزات اشتملت أيضا على مخالفات صريحة لنظام المنشآت الصحية ونظام مزاولة المهن الصحية منها (العمل بالترخيص المبدئي، وعدم الحصول على ترخيص نهائي للمنشأة، وعدم وجود تراخيص مزاولة مهنة للعاملين من أطباء وفنيين، وعدم توافر التجهيزات والكوادر الطبية اللازمة في المنشأة). وبالنسبة للصيدليات فإن أبرز المخالفات التي سجلتها الجولات الميدانية لوزارة الصحة ممثلة بالمديرية العامة بجدة كانت عبارة عن أدوية غير مسجلة وغير مسعرة، وترك العامل بعض الوقت بمفرده في الصيدلية، إضافة إلى التأخر في تجديد ترخيص الصيدلية والمزاولين.



مختص: الطابع التجاري يتغول في المهنة!



الأستاذ المساعد في علم الأدوية الإكلينيكي الدكتور منصور الطبيقي يرى أن انتشار الصيدليات في المدن له جوانب إيجابية وسلبية، مشيرا إلى أن الطابع التجاري على الصيدليات من أهم الجوانب السلبية التي يشكلها انتشار الصيدليات بهذا الكم.

ويضيف الدكتور الطبيقي لـ «عكاظ» أن من الجوانب السلبية هي الطابع التجاري الصرف للصيدليات من بيع مستحضرات التجميل والمكملات الغذائية وبيع الأدوية (الوصفية) التي ينبغي أن توصف من قبل الطبيب المختص في وصفة نظامية مكتملة الأركان والتي تحتوي التشخيص والجرعة الدوائية وتكرار الدواء و فترة الاستخدام بدون وصفة طبية، مستدركا أن سهولة الوصول للصيدليات وإتاحة الدواء على مدار الساعة داخل الأحياء والتجمعات السكنية من أهم إيجابيات انتشار الصيدليات.

ويقول الأستاذ المساعد في علم الأدوية الإكلينيكي في كلية الطب بجامعة جدة: «للأسف دخل في مهنة الصيدلة بعض التجار ورجال الأعمال الذين ليس لديهم خلفية كافية عن ماهية مهنة الصيدلة وأخلاقيات المهنة التي تقدم الرعاية الصيدلية من تركيب وتحضير الأدوية وتقديم المشورة الدوائية للمرضى باقتدار و كفاءة». ويؤكد أن التجار ورجال الأعمال بات همهم الأكبر هو الربح دون النظر لهذه الاعتبارات، «ولو تم سؤالهم عن ماذا يقدمون كخدمات للمجتمع نظير الأرباح التي يجنونها من بيع الأدوية والمستحضرات فلا نجد ما يسر»، إضافة إلى عدم وجود خلفية علمية ومهنية لدى الغالبية مما أدى إلى عدم قدرتهم على متابعة أنشطة الصيدلية اليومية من صرف وتدقيق للوصفة الطبية والمشورة الدوائية، كما أن ازدياد عدد الصيدليات وانتشارها الكبير أدى إلى صعوبة في التفتيش الصيدلي عليها ومراقبة أدائها من قبل هيئة الغذاء والدواء وإدارات التفتيش الصيدلي بمديريات الشؤون الصحية، على حد قول الدكتور الطبيقي.