-A +A
خالد محمد البيتي
يكاد لا يغادر المدرسة منذ أن التحقنا بها طلاباً في المرحلة المتوسطة وكأنه قد اتخذ سقيفة كان قد رفعها في الركن الشمالي الشرقي من مدرسة ابن تيمية المتوسطة للحركة الكشفية في المدرسة سكناً له، تراه في طلائع الصباح وبعد الظهر وفي المساء عندما يلتقي طلاب النشاط المدرسي كل مع رائد النشاط الذي ينتمي إليه ويبدع فيه.. لقد وهب عمره وماله للحركة الكشفية وطلابها في المدرسة، فقد كان قائداً من قادة الحركة الكشفية في المملكة بل ومن أعظم قوادها، تدعوك مبادؤه وقيمه الكشفية إلى أن تطلق عليه (بادن باول) السعودية تيمناً بالإنجليزي اللورد بادن باول مؤسس حركة الكشافة..

كانت القيم العليا التي قامت عليها الحركة هي قيمه المثلى التي لا يحيد عنها ويبذل في سبيلها الغالي والنفيس.


كانت الحركة الكشفية التي تعمل على تنمية الشباب بدنياً وثقافياً ذات جانب أخلاقي عظيم يتلخص في نجدة الآخرين والتفاني في سبيلها مهما كانت العوائق والظروف، ولقد قدمت الحركة للوطن نماذج مضيئة تابعناها في مواسم الحج على أوسع نطاق وهي تأخذ بيد الحجيج..

هذا الأستاذ الكبير والمربي العظيم الذي كان شغوفاً بالكشافة كان عاشقاً للتاريخ، لم تقتصر علاقته بالتاريخ على ما درسه بين أروقة الجامعة ولا على مقرر مادة التاريخ التي كان يدرسها في مدرسة ابن تيمية فقد كان بحاثة عن كل جديد يضيف به للطالب معلومة جديدة خارج الكتاب..

كانت مادة التاريخ عنده أكبر من أوراق يجمعها غلاف ومكان يحده مدرسة أو فصل فلا يخلو درس دون معلومة جديدة خارج المنهج تزيد من معارف الطلاب بتاريخ الأقدمين..

لقد كانت له في مطلع كل حصة لازمة لا تتغير فيستهلها قائلاً: (درسنا في الحصة الماضية) ويبدأ بملخص يسير لما درسناه في الحصة الماضية يتبعه بسؤال أو سؤالين هما في مجموع الحصص مما يقوم عليها الامتحان..

لم تنقطع علاقة الأستاذ بكري بأبنائه رجال الكشافة فقد كانوا جميعهم على اتصال به وتواصل معه وكان يجمعهم في رمضان فطور جماعي في إحدى صالات الأفراح يجلب كل واحد منهم ما تيسر معه من قوت البيت وكان الأستاذ بكري هو نجم اللقاء، ومما يحز في نفسي أنني لم أشهد هذا الفطور إلا مرة واحدة قبل سنوات من وفاته..

عندما زرناه قبل وفاته بأشهر قليلة أنا وبعض زملاء الدراسة أخرج لنا من خزانته آلاف الصور لذكرياته في التربية والتعليم ولم يكن من اليسير أن نتعرف على وجوهنا بين تلك الصور التي تهالكت بالقِدم..

كان المربي العظيم يشع نوراً وسعادة بزيارتنا له، كان حديثه مفعماً بالذكريات الجميلة والنصائح الجليلة، كان كمن يقرأ علينا وصايا (بادن باول) التي قضى عمره كله مخلصاً لها وكأن الصحيفة أمام عينيه:

((انظر دائما إلى الجانب المشرق من الأشياء وأترك الجانب المعتم منها، وتذكر أن الطريق الحقيقى للحصول على السعادة هو بإعطائها للآخرين، وحاول أن تترك في هذا العالم أثرا طيباً يُحسِّن ما وجدت عليه الحال عندما جئت إليه، وعندما يأتي وقت رحيلك فسوف تموت سعيدا لأنك سوف تشعر أنك لم تضع حياتك هباء ولكنك بذلت كل ما في وسعك. «كن مستعد» دائما في طريق حياتك أن تعيش سعيداً وأن تموت أيضا سعيداً والتصق بوعدك الكشفي الذي قطعته على نفسك بينما كنت صبياً وليوفقك الله وليضعك على الطريق الصحيح))..

لقد أعطى القائد الكشفي الكبير والمربي العظيم بكري قاروت السعادة لمن حوله، وكان مثلاً أعلى للوفاء تاركاً أثراً لن ينساه كل من رافقه وتعلم على يديه..

رحمه الله رحمة الأبرار وأنزله في منازل الأخيار..