-A +A
خالد بن هزاع الشريف khalid98alshrif@
•• بداية التسعينات الميلادية تخرجت وزاولت الوظيفة.. لم أفطن حينها لماذا طرق ذهني بيتان من الشِعر دون مناسبة.. سمعتهما صغيراً من جدي الذي رباني عقب رحيل والدي، رحمهما الله.. البيت الأول لأبي العلاء المعرِّي: الصبرُ يُوجَد إن باءٌ له كُسِرَت ** لكنه بسكونِ الباءِ مفقودُ.. والثاني لأبي فراس الحمداني: أنفق من الصبرِ الجميل فإِنه ** لم يخشَ فقراً منفقٌ من صبرِه.

•• كلما تذكرت هذين البيتين البديعين أعاقر أقراص «الصبر»، وهي أهم مزيَّة التقطتها عن جدي كان لها تأثيرها على دنياي.. لم تمض أعوام حتى كشفتْ لي الحياة الواقع الباهر للصبر، فأُرِيح ذاتي الراضية المرضية بابتهاجاته.. وحين أعود لشعاع زمن قديم ارتدي قميص الحنين لجدي، اشتياقاً لمن علمني «الجَلَد».. فأحاول كتابة الرونق المنبعث من أضواء صبره كي أسبح في آلاء حنكته وحصافته.


•• «الصبر» قيمة ناعمة يعقد اتفاقية صفاء بين أرواح الصابرين ووجدانهم في صورة ثياب خلاَّبة رقيقة الخيوط.. و«الصابرون» يعومون في بحر الصبر وبأيدهم طوق نجاة يحميهم من اكفهرار ثراثرة الكلام.. أما «المتفيقهون» فأولئك يجعلون الدماء تتصاعد إلى أدمغتنا.. هؤلاء لا يؤمنون بحيازة بوليصة تأمين لاضطرابهم.. فنعالج كَؤُودهم بوصفة «لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة».. ولن يذهب صبرنا بلا ثمرة.

•• تُجافِيكم الحروف يا من أردتم كتابة السطر الأخير لنترجَّل عن صهوة «الصُبُور» بسلواه وسلوانه.. ولو كان بوسعنا أن نمنحكم شيئاً في حضرة «الصبر» سوف نختار أن نَتَبَتّل في محراب «التحمُّل» نُسُكاً.. أمنياتنا أن نجعل منكم صورة حيَّة لسيرة إنسان، بكلمات صبرٍ تُشْفِي اضطرابكم، وتُعَزِز جانباً آخر لمكانتكم في قلوبنا.. سوف نصطبر وسيبشرنا الله بالفرح بعد أن كدنا نيأس من جَزَعكم.