-A +A
محمد الساعد
تبدو السياسة في الإقليم الشرق أوسطي في تبدل وتغير سريع جداً، والعلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية المكون الأكبر ليست على ما يرام، والتحالفات والصداقات التي استمرت لعقود في الطريق لتحول نهائي.

هذا توصيف لا تُعنى به الرياض فقط، بل حتى القاهرة وأبوظبي وأنقرة وتل أبيب، وجدت أن حليفها أو صديقها الأمريكي يتذاكى عليها، ويأخذ مواقف خشنة مدعياً بقاء تحالفه وصداقته معها، والأدهى أنه يعاتبها «نهاراً» عند بحثها عن مسارات جديدة، أو تنوع من سلة علاقاتها الدولية، بينما في واقع الأمر منذ عشر سنوات اتخذ قراره بالاختفاء من المنطقة متنازلاً عن مواقعه للإيرانيين.


يعتقد السياسي الأمريكي - الرسمي وغير الرسمي - أن دول المنطقة ليست واعية بمخططاته، أو أنها ستنهار بمجرد رحيله، إنها عقلية الرجل الأمريكي - التي تصورها هوليود - الذي يهرب دائماً من مسؤولياته.

هكذا يقرأ «عواجيز» واشنطن المشهد في الشرق الأوسط، لقد اعتادوا على صدام حسين ومعمر القذافي وبن علي وياسر عرفات، ومن قبلهم الشاه رضا بهلوي، لكنهم اليوم يخطئون التقدير تماماً، لقد فقدوا أهم عنصر في معادلة تفجير الإقليم التي لطالما استخدموها، ألا وهي الشعوب التي كشفت لعبتهم وفهمت مخططاتهم، فالحاضن الشعبي ملتف على قياداته، وحتى الدول الأكثر معاناة وتمر برحلة تعثر اقتصادي بسبب الظروف الأمنية والصحية التي يمر بها العالم، تعي شعوبها أن الفوضى الأمريكية أشد مرارة من جوع ليلة أو ليلتين أو التهجير والتشرد عبر البحار بحثاً عن ملاجئ بائسة في أوروبا.

متوسط عمر الإدارة الأمريكية لا يتناسب مع متوسط عمر معظم القادة الشباب في البلدان الخليجية والعربية، السعودية الإمارات قطر، الأردن المغرب، وحتى عُمان ومصر هي في آخر الأمر دول ذات صبغة شبابية أكثر، ولذلك يبدو أن كل الضفتين العربية والأمريكية تتحدثان لغة مختلفة، وينظران للأمور بطرق وأفكار وقيم وطموحات مغايرة.

لقد تعود الأمريكان على علاقة بطيئة متمهلة سياسياً، لا ترغب في الانقلاب على مشروعها التنموي الأبوي، وتنتمي لنظرية «السكون أسلم من الحركة»، لقد بقيت بعض الدول تراوح مكانها دون أن يقلقها ذلك لعقود طويلة، بل إن بعض القرارات أخذت سنوات خوفاً من تأثيراتها، لكنها عندما أُقرت لم يحدث أي ردات فعل، كانت تحسبات مبالغاً فيها، بل ثبت شعبيتها وتفاعلت معها المجتمعات بحيوية وقبول كبيرين.

يبدو أن الأمريكي غير قادر على استيعاب التبدلات العميقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولا ملاحقة الإنجازات والمشاريع الطموحة، من سواحل عُمان جنوباً وحتى العلمين في مصر مروراً بالقدية ونيوم وذا لاين وغيرها الكثير.

خلال السنوات العجاف التي مرت بها المنطقة بين الخمسينات إلى نهاية التسعينات، كان هناك ما يسمى بدول الطوق ذات الحس الثوري، وهي تعني الدول المحيطة بدولة إسرائيل، وكان لديها الرغبة في تدميرها - كما كانت تدعي -، وما حصل أنها سخرت مقدراتها واستنفدت طموحات شعوبها في قضايا فاشلة، ودمرت نفسها بسبب حمقها وتخلفها وتقييمها المبالغ فيه لقدراتها.

اليوم تنشأ دول طوق جديدة ممثلة في بلدان الخليج العربية والأردن ومصر، لكنها ليست طوقاً للحروب والتدمير، بل طوق للنجاة والتنمية والاقتصاد الجديد، فالمعادلة تقول: إن التنمية الاقتصادية وزيادة التعليم والإنتاج وغنى الدول وتحضر الشعوب هو الانتصار في معركة الحياة وليس إطلاق الرصاصات وصواريخ «الفشنك» في الهواء، ليتحول الشعار القديم، من «لا صوت يعلو فوق صوت البندقية» إلى شعار «لا صوت يعلو فوق صوت التنمية».

هذه الدول تشكل دائرة اقتصادية كاملة من القوة والإمكانات والثروات المختلفة، والفرص المتاحة أمامها مهولة جداً، وستكون الأقدر على بناء إقليم ذهبي، أو كما سماها الأمير محمد بن سلمان أوروبا الجديدة، بعيداً عن الأمريكي المهموم فقط بتمكين الرجال من التحول لنساء.