-A +A
عبداللطيف الضويحي
لم تنجح جامعة الدول العربية خلال مسيرتها في بلورة وتجسيد الهوية العربية والرؤية العربية والأمن العربي والتنمية العربية، مثلما نجحت به قمة الرياض العربية الصينية.

فلأول مرة يتم طرح قضايانا العربية «الحقيقية» من زعماء الدول العربية مباشرة أمام الرئيس شي جين بينغ، زعيم الصين، التي هي إحدى أهم قوتين في عالم اليوم وإحدى خمس دول صاحبة فيتو في مجلس الأمن الدولي، وصاحبة أسرع نمو اقتصادي، وحاضنة شركات التقنية العملاقة، الدولة الأكثر تبادلاً تجارياً مع أغلب الدول العربية، وهي صاحبة مشروع طريق الحرير التجاري السلمي والعابر للقارات.


من حق العرب أن يتقاربوا مع الصين ويتشاركوا معها كل أنواع الشراكات، ويتحالفوا معها، لأن المشتركات العربية الصينية كثيرة ووفيرة للعالم أجمع ولأن عناصر التكامل بين العرب والصينيين واضحة وعوامل الثقة العربية بالشريك الصيني مرتفعة نسبياً. والأهم من كل ذلك هو أن إقامة العلاقات العربية الصينية تستند إلى الحضارتين الصينية والعربية ولا تستند فقط إلى الاقتصاد أو السياسة والأمن والتسليح.

فالصين ليس لها سجل استعماري لبلداننا والعالم وليست عضواً في حلف الناتو ذي الخلفيات التاريخية الاستعمارية، وليس للصين سجل في التدخلات في دولنا العربية ودول العالم، وليس للصين طموحات توسعية، والوجود التنموي الصيني في أفريقيا خير دليل، والمساعدات الصينية غير المشروطة للأفارقة يعكسها بوضوح مبنى الاتحاد الأفريقي الشامخ والراسخ في أديس أبابا.

الحضارة الصينية ليست طارئة أو لقيطة أو مهجنة، هي حضارة ضاربة الجذور، حضارة تقوم على منظومة من القيم والأخلاق الإنسانية المشتركة مع الكثير من الحضارات العالمية، ولذلك لا يمكن تخيل دولة بهذا الرصيد والعمق الحضاري التاريخي والثقافي والقيمي أن تلقي قنابل نووية على هيروشيما وناكازاكي، إنها حضارة لا تقبل أن تبني اقتصاداتها من خلال تدمير حضارة وتاريخ مثل حضارة العراق وتشريد أهله وتمكين جاره الإيراني من مفاصله ومقدراته. الصين حضارة لا تسمح بتشريد شعب أعزل مثل الشعب الأفغاني وتركهم يواجهون المجاعات والتشرد والأمراض دون تحمل أدنى مسؤولية قانونية أو أخلاقية. لا يمكن للحضارة وتاريخها أن تحيل الصومال وعديد من الدول العربية والأفريقية إلى دول فاشلة من خلال سلبها سيادتها ومقدراتها وقوتها كي يسهل نهب خيراتها.

يحق للعرب أن يتقاربوا ويتشاركوا ويتحالفوا مع الصين، فالصين لم تصنع الإرهاب وداعش وبوكو حرام والقاعدة، ولم تقم حاضنات له في سورية والعراق وأفغانستان ودول الساحل ولم توظف الصين هذا الإرهاب في سبيل الإبقاء على تواجدها في البلاد العربية والأفريقية والاستمرار في نهب المعادن الثمينة والموارد الطبيعية من تشاد ومالي وغيرها.

لم تكن قمم الرياض السعودية والخليجية والعربية موجهة ضد دولة أو محور أو معسكر، لكنها قمم وضعت النقاط على الحروف، حيث جسّدت الحقوق العربية بوضوح وشفافية من خلال السيادة والتنمية والأمن والتحديث والاستثمار الأمثل لمواردها البشرية والطبيعية.

من حق العرب التحالف مع دولة ذات حضارة وقيم وأخلاق لا تفرض قيمها وأيديولوجياتها، كما يتم ترويج الشذوذ من قبل ثقافة المستعمرين القدامى.

لقد حضر الحق الفلسطيني بقوة في قمم الرياض وحضرت معه كل القضايا العربية الحقيقية ولذلك تلقت إيران وإسرائيل وتركيا الرسالة بوضوح من البيانات التي صدرت عن قمم الرياض لأن ما صدر عن تلك القمم يستند دون مواربة لمواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي.

من هنا يمكن القول بأن ما قبل قمم الرياض ليس كما بعدها، لأن الرياض تدرك جيداً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها سعودياً وخليجياً وعربياً، وتدرك القيادة السعودية حجم النجاح الذي حققته من خلال قمم الرياض والتي ساهمت من خلالها بوضع اللبنات الأساسية للنظام العالمي الجديد القائم على التعددية القطبية ونهاية عصر القطب الواحد.

إن النجاح الأبرز لقمم الرياض يتجاوز النجاح الاقتصادي والتنموي والأمني إلى تأسيس علاقة قائمة على الحاضنة الحضارية العربية الصينية. وهذا ما كانت تفتقده دولنا العربية في علاقاتها سابقاً.