-A +A
عبده خال
سقى الله أيام الشباب حين كنا نبحث عن أماكن ترفيهية فلا نجد من سلوى سوى أرصفة كورنيش الحمراء (هذا إذا قبلوا فينا)..

وكانت الحسرة تلوك الأفئدة، حتى أن صديقاً كانت له لزمة شهيرة يتندر بها كلما قيل له: الحياة حلوة يا صاحبي.


فيكون رده بعد تقليب كفيه، ورفع حاجبيه:

- حياة إيه! لا سينما ولا مسرح ولا قطار ولا نهر.. وتقول لي الحياة حلوة؟!

- في ذلك الزمن دأبت الصحف والمجلات المصرية على تثبيت زاوية بعنوان (أين تسهر هذا المساء)؟

- وهي زاوية تذكر الناس بالأماكن الصالحة لاستقبال السهرانين لقضاء ليلة ونيسة بريئة.

- عبرنا ليالي طويلة و(نسينا) أوراق الكوتشينة بدءاً من (الباصرة) ومروراً بالشدة، والكنكان وأخيراً لعبة (البلوت) وهي المرتبة المتقدمة لدى (الحريفة) من السهرانين.

- وهناك (سهّيرة) وقفوا عند لعبة الكنكان، حيث يمضي الفرد منهم ليله (يفتّ الورق)، وكم كانت ليالي (الفتّ) طويلة.

- ووصول المرء إلى مرحلة الشباب -في زمننا- تعني وصوله إلى مرحلة (المسبة) الاجتماعية، إذ تلصق به كل التهم إن أراد ممارسة أي نوع من أنواع اللهو، فالشاب وباء يجب عزله عن بقية أفراد المجتمع، حتى لو أراد الواحد منا التجمع مع الأصحاب على رصيف الكورنيش وإحياء الليل بسماع أحد الأصدقاء عازفاً ومغنياً، فقبل أن يمتد صوت (مطربنا) في مسامعنا تكون سيارة (الجمس) محيطة بنا، ويترجّل منها رجل أو رجلان لتكسير العود على رؤوسنا أو حثنا على مغادرة الرصيف.

قضينا ليالي صعبة، ولو أردت فرط الكلمات ستنثال حكايات وحكايات عن مرحلة شبابنا والعنت الذي وجدناه.

وبعد انقضاء أربعين عاماً، تنفست الحياة!

حقيقة أنا ممن يغبط شباب هذه الأيام في حياتهم الاجتماعية المفتوحة واندماجهم في مجالات ترفيهية عديدة.

أكتب هذه المقالة وأنا في مدينة الرياض، وصلت إليها لحضور حفل الفنان الكبير محمد عبده، وقبل ذلك الاستمتاع بموسم الرياض.. الرياض غدت مهوى الأفئدة.

وفي ليلة البارحة، كان ليل الرياض موشى بكل أنواع الترفيه، فلا يجد الباحث عن متعة بهجة معضلة أينما توجه.

فمع ظهور هيئة الترفيه وما أحدثته من تنوع مجالات السلوى جعلت الليالي أكثر أنساً وصخباً بحياة فتية، وأصبح عنوان (أين تسهر هذا المساء) لها طعم، ولها بريق.

أتذكر أنني كتبت مقالة أطالب فيها معالي المستشار تركي آل الشيخ بتعويضنا عما سُرق من أعمارنا بحيث نمنح نحن جيل (شباب الثمانينات الميلادية) فرصاً ترفيهية نعيشها لتجديد شبابنا المسروق.. ولأن معالي المستشار تركي آل الشيخ (زارع فرح) أجدني أجدد الطلب في تعويض جيلنا بما سرق منه من أفراح، فهناك صيغ كثيرة لتعويضنا (ترفهياً) عما خسرناه في زمن شبابنا، ولو راق لمعاليه فكرة التعويض الترفيهي سنجتمع كجيل ونضع أفكاراً ترفيهية لإسعادنا بأثر رجعي.