-A +A
نجيب يماني
لم يخالجني أدنى شك في أن الإستراتيجية الوطنية للصناعة، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - منتصف الأسبوع الفائت، ستبلغ غايتها المرجوة ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، فهذه الرؤية ما صيغت لتغدو أحلاماً بلا جذور، أو أمنيات بلا سيقان؛ بل إنها حررت بمداد الواقع، وصيغت بطموح يعرف إمكانياته جيداً، ويفهم كيف يفجّر الطاقات ويحركها لتنجز ما كان يبدو للنّاس بعيد المنال، صعب التحقيق، فجاءت «الرؤية» لتضع الجميع أمام تحديات كبيرة، وتخرج منهم أفضل ما فيهم، فتحوّل الحلم إلى واقع معيش، والأمنيات إلى منجز ملموس، تكفي الإشارة فقط إلى ما جاء في تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الأخير، والذي توقعت فيه أن تحقق المملكة نمواً اقتصادياً يصل لـ9.9% خلال العام 2022، كأعلى نسبة نمو بين دول مجموعة العشرين، واقتصاد الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وهي ذات التقديرات التي أعلنها ولي العهد محمد الخير من قبل في شهر مارس الماضي، وأشاد بها صندوق النقد الدولي، مؤكداً قوة اقتصاد المملكة وقوة وضعها الحالى، بما يؤكد أن المملكة تمضي في سياستها الاقتصادية وفق رؤية واضحة تستشرف آفاقاً رحبة، وتطلق مشاريعها وإستراتيجياتها وفق تقديرات منسجمة مع واقعها وإمكاناتها.. وعلى هذا فإن الإستراتيجية الوطنية للصناعة، بالغة مقصدها، ومحققة أهدافها الثلاثة المنظورة في:

• زيادة المرونة الصناعية لضمان استمرارية الوصول للسلع المهمة، من أجل رفاهية المواطن، واستمرارية النشاط الاقتصادي.


• قيادة التكامل الإقليمي الصناعي لسلاسل القيمة، والاستفادة من مواطن القوة في الاقتصاد السعودي.

• تحقيق الريادة العالمية في مجموعة من السلع المختارة، والاستثمار في التقنيات الجديدة الواعدة.

إن هذه الأهداف الثلاثة ترفع من سقف الرهان، وتصنع تحديات جديدة، ولست هنا بصدد تحليل هذه الإستراتيجية أو الدخول في تفاصيلها، فهذا أمر سيوفيه المختصون حقه من النقاش والمدارسة؛ ولكني بالمقابل، أحاول جاهداً أن أستشرف الواقع الذي ستنتجه هذه الإستراتيجية المباركة، والتحديات التي ينبغي علينا جميعاً أن نعيها جيداً، ونعلم أننا مقبلون على واقع جديد، ستتغير فيه كثير من المفاهيم الاجتماعية، وستتبدل فيه العديد من القناعات الراسخة؛ ولا بد لها أن تتبدل، وهذا أمر منوط بكل قطاعات المجتمع دون استثناء، وأول هذه القطاعات الشباب، بوصفهم مشعل الغد، وحداة الركب مستقبلاً، فمن المهم جداً أن تتغير مفاهيمهم الاجتماعية حيال العمل، والخروج من نمطية الوظيفة، إلى المشاركة في الإنتاج من نافذة الصناعة، وهذا يقتضي أيضاً أن تواكب المناهج الدراسية هذه النقلة الجديدة، وتركز على العلوم التطبيقية والهندسية، لتخرّج جيلاً قادراً على المساهمة في تحقيق مستهدفات الإستراتيجية بأيدٍ سعودية..

كذلك أرى من المهم أن يجد المنتج الصناعي السعودي المنتظر الدعم والتشجيع سواء من قبل جمهور المستهلكين أو في سوق العرض والطلب، بتقديمه وفق ميزات تفضيلية تجعله الأكثر حضوراً، والأوفر حظاً في التنافسية، وهذا يقتضي بالضرورة أن يتم تصنيعه بأعلى المواصفات والمعايير، بما يجعل من الإقبال عليه أمراً حتمياً دون الحاجة إلى كثير عناء في الترويج والإعلان، حيث تكفي جودته حينها باعثاً على اقتنائه وتفضيله حتى على المنتجات الواردة من دول راسخة في عالم الصناعة، فمتى ما دعمنا منتجنا المحلي، كان ذلك داعماً لحركة التصنيع، ومحفزاً لمزيد من الإنتاج، وهذا يعني بالضرورة التقليل من التعامل مع المنتجات الصناعية المستوردة، وجعلها خياراً ثانياً بدل أن تكون الخيار الأول أو الأوحد.

كذلك أرى من المهم أن يدخل رأس المال الوطني بقوة في هذا المجال، ويقتحم المجال الصناعي بما يحمله من روح المغامرة والتحدي، ويغادر مربع الاستثمارات الباردة والنمطية، التي لا تضيف جديداً، ولا تحرّك ساكن الاقتصاد بتنويع مصادره، والاستفادة المرجوة من إمكانات المملكة المعطلة، وما تزخر به من خيرات لم تستغل بعد، وظلت هامدة في طور المواد الخام دون أن تحرّك بماكينة التصنيع لتغدو منتجاً يضيف إلى وطننا جديداً، وإلى حياتنا قيمة مضافة.

إن المملكة العربية السعودية في ظل هذه القيادة الرشيدة، ورؤيتها المستنيرة تمضي بنا إلى واقع جديد، وبشارات كنا نراها أحلاماً، وإذا هي واقع، يتطلّب منا أن نواكبه، ونتعاطى معه بكل إيجابية، ونسهم في نجاحه قدر ما نستطيع، وندرك أننا لسنا أقل شأناً من أي دولة توصف بالعالم المتقدم، فهذا التقدم نملك اليوم مفاتيحه، ونستشرف آفاقه، ونتطلّع إليه مع هذه القيادة التي حررتنا من الصور النمطية، وفكت عن المجتمع مكبلاته، ولم يعد ثمة عذر لمتبطل أو متأخر عن الركب، فمسيرة المملكة تمضي إلى براحات ستدهش العالم، وتجعله يقف مبهوراً حيال أمة رسمت رؤيتها بوعي، ونفذتها بعزم، وصوتها ينادي في سمع الزمان: «همة نحو القمة».

وإنا إن شاء الله لفاعلون.