-A +A
عبدالله بن بخيت
ثار الشعب السوري على الأسد وثار الشعب الليبي على القذافي وثار الشعب اليمني على علي عبدالله صالح وثار الشعب السوداني على البشير وانتهت جميع هذه الثورات بكارثة.

عندما نقارن بعد مئة سنة بين نظام الحكم في سوريا ونظام الحكم في بريطانيا سنلاحظ أن النظامين متشابهان حد التطابق. رئيس وزراء بريطانيا وصل بالانتخاب ورئيس سوريا وصل بالانتخاب، تتمتع بريطانيا ببرلمان منتخب وتنافسها سوريا ببرلمان منتخب أيضاً. تتمتع بريطانيا بنقابات وتتمتع سوريا بنقابات، بل إن سوريا تتفوق على بريطانيا بدستور مكتوب الأمر الذي تفتقر له بريطانيا. رغم هذا التشابه العظيم امتلأت سوريا بأسوأ أنواع السجون السياسية ورجال مخابرات قساة واقتصاد متهالك، وأخيراً انهارت الدولة وتبعثرت.


بطبيعة الحال سنقول إن هذه البنية السياسية السورية ليس سوى نظم زائفة صحيح ولكن السؤال من أين جاء هذا الزيف؟ لكي لا ننظر إلى الأمر من خلال التبسيط كأخذنا بنظرية المؤامرة أو أن نقول إن هذه نظم ديكتاتوريه تفتقر للشرعية أو الاستعمار إلخ، سنبحث عن الجواب في جيبي وجيبك وجيب كل من يقرأ هذا المقال. في جهاز الجوال. جهاز الجوال يتكون من ثلاثة أجزاء أساسية لا يمكن الاستغناء عن أي منها: (الجهاز) و(برنامج التشغيل الأساسي (operating system) و(التطبيقات) APPS. ولكن قبل أن نتفحص الجوال ونرى إلى ماذا سيقودنا سأطل على تاريخ السودان السياسي في العصر الحديث كمثال فقط.

وصل إلى حكم السودان بعد قلاقل الاستقلال الضابط عبود، ثم الضباط النميري، ثم حكم السودان الضابط البشير، وأخيراً وصلنا للضابط البرهان. يمكن القول إن كل انتقال للسلطة كان يحدث من خلال ثورة شعبية فيطل اسم الديموقراطية ثم يختفي بسرعة ليعود النيل إلى مجراه الطبيعي.

في السودان ثورة شعبية وفي ليبيا ثورة شعبية وفي سوريا ثورة شعبية وفي اليمن ثورة شعبية وغيرها، لماذا لم تفلح على الأقل ثورة واحدة من هذه الثورات ويفوز الشعب بحقه في الديموقراطية

إذا عدنا الآن إلى نظرية الجوال يمكن القول إن كل شعب من الشعوب على وجه الأرض تحركه أيديولوجيا أساسية هي بمثابة برنامج التشغيل الأساسي كما هي في الجوال والكمبيوتر (operating system). الجهاز ميت بدون هذا البرنامج والتطبيقات ميتة بدون هذا البرنامج ولا يمكن أن ننقل تطبيق من (أندرويد) إلى (آي او اس). لا يمكن أن تأخذ الواتس أب من متجر أي فون وتضعه في متجر قوقول دون أن نعمل على تكييفه ذلك البرنامج ليتفق مع البرنامج الأساسي الجديد.

تنظيم داعش لم يكن جريمة نبتت فجأة ولا شقيقه الحشد الشعبي. داعش والحشد الشعبي والشباب في الصومال والحوثي تعبير صارخ عن رفض البرنامج الأساسي للتطبيقات الغريبة (ديموقراطية نقابات دستور إلى إلخ). هذه التطبيقات لا يمكن أن تقبلها البنية الفكرية المسيطرة على الشعوب الإسلامية. الشعوب العربية والإسلامية تشتغل على برنامج أساسي تم تصميمه في العصر العباسي، لا يقبل إلا التطبيقات التي تتفق معه بغض النظر عن الاسم الذي نطلق عليه. عندما استورد الثوريون هذه النظم أجروا عليها التعديلات الجوهرية الأساسية لجعلها متفقة من هذا البرنامج الأصيل فحصل الشعب السوري على انتخابات زائفة ودستور زائف، وللإنصاف من الخطأ أن نقول عن هذه التطبيقات زائفة وإنما هي تطبيقات أجنبية تم تعديلها لتتفق مع البرنامج الأساسي. عندما ثار الشعب السوري على هذا الزيف ليس لأن الشعب السوري يريد ديموقراطية بل استدعى البرنامج الأساسي ليقدم له الحلول فهب لتلبية النداء داعش والنصرة والإخوان المسلمين وطموحات أردوغان الإسلامية وإيران وحزب الله.

من الذي يتصارع في سوريا، في العراق، في لبنان في الصومال؟ ببساطة منتجات النظام الأساسي (operating system) الذي صمم في العصر العباسي. جوهر المشكلة أن تلك الشعوب لا تميز بين التطبيق وبين النظام الأساسي. تظن دائماً أن مشكلتها مع السياسي وأن الثورة على السياسي هي الحل لبؤسهم. لا تدرك أن النظم السياسية ليست سوى (تطبيقات APPS). مهما ثارت على التطبيق وأسقطته فالنظام الأساسي متحكم وسيعود إلى إنتاج تطبيق جديد لا يختلف عن السابق إلا بالاسم.