-A +A
حسين شبكشي
جمعتني مؤخرا في أحد أيام الصيفية الحالية مناسبة اجتماعية التقيت فيها بعض زملاء المرحلة الدراسية والذين لم أكن قد التقيت بهم منذ فترة غير بسيطة. تغيرت ملامح البعض واختلفت هيئات البعض الآخر. وتنهد أحدهم وقال متألما لقد تغيرنا وكبرنا، فقاطعه آخر قائلا ولكنها سنة الحياة، فأضاف متسائلا هل تعرف كيف أنك كبرت؟ بعيدا عن انقطاع التنفس وأنت تصعد درجات السلالم، وبعيدا عن حالة الإحراج الشديد التي أصابتك لثوان طويلة جدا وأنت تحاول جاهدا أن تتذكر اسم الشخص الذي يصافحك بحفاوة هائلة وحرارة شديدة في وسط مركز التسوق الكبير وأعين الناس تراقبكما، بعيدا عن الزيارات المتكررة والتي لا تكاد أن تنتهي للطبيب وأنت تحمل ملفا يزداد حجما مع كل زيارة، يحتوي على سلسلة التحليلات والأشعات والأدوية الخاصة بك، وبعيدا عن الشعيرات البيضاء المتزايدة بشكل كبير في كل منابت الشعر على الوجه وانحسار عشوائي متزايد لمساحة منبت الشعر الأصلي فوق الجبهة وإقناع نفسك بأن لديك مساحة أكبر من الوجه لغسيلها كل صباح، بعيدا عن لقاء الأصدقاء بعد طول غياب والذي يضيع منه وقت غير قليل في الترحم على من فارق الدنيا والبكاء على أطلال ذكراه واجترار مواقفه وصفاته التي فقدت للأبد ويتم قضاء بقية الليلة في محاولة تذكر متى آخر مرة التقيتم فيها، بعيدا عن كون أن لاعبك المفضل أصبح ضيفا ثقيلا على استديو التحليل الرياضي على شاشة التلفزيون وكرشه يتدلى أمامه وهو يرتدي الزي الرسمي، بعيدا عن كون الحديث مع الأصدقاء تحول من السفر والعمل والموسيقى والأفلام والكتب والمغامرات الشبابية إلى الحديث عن الضغط والقلب والسكر وأعراض تضخم البروستاتا، بعيدا عن كونك لا تستطيع سماع أي أغنية من أغاني جيل ابنك ولا جيل أحفادك ولا تعرف اسم أي من المطربين المؤدين لها تماما كما كان يحصل بينك وبين والدك من قبل بعيدا عن كل ذلك وأكثر ما يؤلم أكثر من أي شيء آخر هو الإحساس بأنك مقطوع عن دائرة التأثير، وأصبحت خبرتك وتجربتك لا قيمة لها، فقال أحد الحاضرين، سنّة الحياة مستمرة ولكن يبقى التحدي في كيفية استغلال واستثمار الفرص بالشكل الأمثل، باستغلال الوقت لتعلم مهارات جديدة مهمة ومفيدة وتوظيفها في السوق كما فعلت أنا مع مشروع ابني ورفاقه والذي أعمل معهم في مجال العلاقات العامة، وبذلك أضيفت حياة لحياتي وأفيد بتجربتي وأتعلم بتواصل مع الجيل الجديد والذي لا بد من احترامه والتعلم منه وإفادته المجتمعات التي تستطيع بناء الجسور بدلا من الأسوار بين أجيالها، واعتبار ما يحصل بين الأجيال هو تكامل وليس تنافسا ومحاولة إلغاء للآخر ولكنه أشبه بسباق تتابع يسلم الواحد للآخر عصا الاستمرارية لأجل الوصول لذات الهدف هي المجتمعات السوية القادرة على النجاح الجمعي في مواجهة التحديات.