-A +A
محمد الساعد
لطالما كانت السعودية هبة الجغرافيا والتاريخ والدين، ولطالما أسهمت تلك العوامل في تحولها من دولة داخل بلدة الدرعية 1727، إلى واحدة من الدول العشرين على مستوى العالم، لم تركن السعودية إلى تلك الهبة فقط، بل قامت بتوظيفها لصالح الدولة السعودية ولصالح فضائها العربي والإسلامي، ومارست دورها التاريخي دفاعاً عنهما بكل تفانٍ واقتدار.

لعلنا نتذكر كيف أن وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف قال في تصريح شهير عن علاقات طهران بالرياض: إن السعوديين كانوا ولا يزالون رافضين للتدخل الإيراني في العالم العربي، ولعل ظريف نسي أن هذا الرفض ليس موجهاً لإيران فقط، بل حتى أهم الحلفاء والأصدقاء ومنهم الأمريكان، سقطت مشاريعهم وأجنداتهم على أسوار العالم العربي بجهود الرياض والقاهرة منذ مشروع كوندليزا رايس «الفوضى الخلاقة»، ومشروع أوباما وهيلاري كيلنتون «الخريف العربي»، وليس انتهاءً بمشروع بايدن الأخير.


ولعل من المهم أن يتذكر ظريف وغيره في طهران أن الاتحاد السوفيتي القوة العظمى ذات يوم سقط بسبب محاولته الاقتراب من المياه الدافئة للسعودية.

وزير الخارجية السعودي فيصل الفرحان، قال الأسبوع الماضي في رد على سؤال صحفي: «إن يد المملكة ممدودة لإيران ونحرص على الوصول إلى علاقات طبيعية معها وهذا مرتبط بإيجاد حلول لمصادر قلقنا»، وأوضح أن «المحادثات مع إيران إيجابية لكن لم تصل لنتائج حتى الآن».

إنها الواقعية السياسية السعودية التي تفهم تماماً أن بناء علاقات مع «الجيران الأعداء» أفضل ألف مرة من المواجهة والحروب التي بلا طائل، وهنا نؤكد أن هذا هو موقف الرياض منذ اتفاق «نايف روحاني» منتصف التسعينات، كما هي سياسة سعودية ثابتة مع الجميع منذ التأسيس حتى الآن.

لا شك أن التاريخ العربي الإيراني مبتلى بسنوات عجاف نتج عنها أكثر من مليون قتيل وملايين من المشردين واللاجئين في أربع دول عربية ولم تسلم إيران نفسها من هذه العذابات، وحان الوقت لنعيش كجيران بلا قتال ولا دماء كما هي أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التي وجدت أنها اكتفت من دفع فواتير ثمينة من أرواح شبابها وثروات بلدانها، وهاهي اليوم تعيش متجاورة رغم التباين الكبير بينها.

منذ الثورة الإيرانية 1979 وحتى اليوم لم تستقر العلاقة العربية الإيرانية على حال، فالعراق ودول الخليج دخلت في مواجهات عسكرية مريرة مع طهران استغرقت 8 سنوات «1982 وحتى عام 1989»، كما كانت الأردن ومصر الظهير العربي القوي لبغداد.

اليوم يبدو من الملائم إعادة صياغة العلاقة العربية الإيرانية، على النموذج «التركي الإيراني»، لا مواجهة ولا تحالف، فأنقرة تعيش مع إيران على حدود واسعة لكنها حدود هادئة وغير ملتهبة، أو على النموذج الأوروبي الذي يقدم المصالح على الخلافات.

هذا لا يعني تطبيع الخطر النووي الإيراني، ولا قبول تغولها في العالم العربي، ولا محاولاتها فرض ما يسمى بالثورة والأجندة الفارسية المختلطة بالعقائد والمذاهب العابرة على الشعوب العربية، بل أن تبقى إيران بكل إرثها داخل حدودها ويبقى العالم العربي داخل حدوده.

إيران ليست فزاعة للعالم العربي، بل دمية في يد الغرب، ومن يرى غير ذلك حتى من الإيرانيين فقد وقع في المصيدة الغربية التي حولت إيران من شرطي المنطقة إلى بلطجي المنطقة، حصل ذلك بكل وضوح منذ سقوط الشاه وعودة الخميني إلى طهران.

لقد استُخدمت إيران للتنكيل بالعالم العربي بدلاً من إسرائيل التي قدمت نفسها بوجه مختلف أكثر رقة منذ اتفاق السلام مع مصر.

السؤال الكبير: هل سيتخلى المتطرفون في طهران عن حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وبقية الميليشيات التي استنزفت المنطقة ومن قبلها إيران؟

إذا أرادت إيران حقاً «سلام الجغرافيا» كما يقال، فعليها أن تعيش كدولة جارة فقط، وليس كجار بلطجي.