-A +A
حمود أبوطالب
وأنا في مطار واشنطن عائداً إلى المملكة لمحتْ سيدةٌ بجانبي في أحد المطاعم بطاقة صعود الطائرة فبادرت بالتحية وسألتني: أنت مسافر إلى جدة، أليس كذلك. قلت نعم، كيف عرفتِ ذلك. قالت لأني قادمة من جدة وعرفت اختصارها المكتوب على البطاقة، والآن في طريقي إلى الولاية التي أعيش فيها، وكان ذلك مفتاح حديث امتد لحين إعلان وقت صعود طائرتي، كان حديثاً مثيراً مع سيدة ناضجة علمياً وثقافياً، تتحدث بموضوعية وحياد عن انطباعاتها تجاه المملكة في ثاني زيارة لها بعد حوالي أربع سنوات من الزيارة الأولى.

تعمل تلك السيدة الأمريكية باحثة في علم الجينات والأمراض الوراثية بأحد المراكز الطبية في أمريكا، وزوجها أستاذ في جامعة كاوست، حدثتني عندما أرادت زيارة زوجها للمرة الأولى وكيف قررت الاطلاع على أكبر قدر من المعلومات الممكنة عن المملكة قبل سفرها رغم المعلومات المشجعة التي تصلها من زوجها عن المجتمع السعودي والحياة فيه، تقول إن المعلومات التي قرأتها كان أغلبها باللغة الإنجليزية من مصادر غير سعودية لعدم توفرها بالنوعية التي تبحث عنها، ولم تكن معبرةً تماماً عما وجدته ولمسته وعاشته بعد وصولها إلى المملكة لأنها وجدت إيجابيات كثيرة ودهشات كبيرة لم تذكرها تلك المعلومات، لقد أكدت أن زيارتها كانت رائعة في كل جوانبها من حيث الطبيعة المتنوعة والثراء الثقافي والفنون والأطعمة والتعامل الودود وكرم الضيافة، كانت تتحدث بإعجاب شديد عن تلك الزيارة، لكنها تحدثت بإعجاب أكثر بعد زيارتها الأخيرة لأنه كان بإمكانها مقارنة الأوضاع في المملكة خلال الفترة الفاصلة بين الزيارتين. تقول إنها قرأت كثيراً عن المملكة بعد زيارتها الأولى لكن ما شاهدته ولمسته وعايشته في الزيارة الأخيرة شيء لا يصدق، بحسب تعبيرها. تحدثت عن النقلات الحضارية المتسارعة في كل المجالات التي يصعب حصرها؛ عن المرأة السعودية، عن النشاطات الترفيهية والثقافية والفعاليات المتنوعة التي حضرتها، عن الاقتصاد المتنامي بقوة، عن التعليم، عن شغف الإنسان السعودي بالتحدي والانطلاق نحو المستقبل بتنافسية عالية وإصرار كبير، كانت تتحدث بصدق واضح وقبل صعودي الطائرة أكدت على تقديم تحيتها وتهنئتها للمجتمع السعودي بما يحدث فيه بعد معرفتها أنني كاتب صحفي.


خلاصة القول:

بكل تأكيد نحن استطعنا بتفوق إعادة اكتشاف مكامن الجمال في المكان والإنسان السعودي منذ بداية الرؤية الوطنية، وبدأنا في استقطاب الآخر من كل مكان لمشاركتنا هذا الاكتشاف الجميل، لكننا ما زلنا متأخرين أو مقصرين في تعريف وتسويق أنفسنا بأنفسنا بشكل واسع وذكي يستهدف مجتمعات العالم كلٌ بحسب ثقافته وميوله وتطلعاته. ما زال الآخرون يبحثون عنا في مصادر أجنبية شحيحة بالمعلومات وبعضها يشوبه الخطأ أو الدس. لا توجد لدينا إستراتيجية وطنية متكاملة ذكية وفعّالة تستهدف شعوب العالم للتعريف بالمملكة. ما نقوم به الآن لا يزيد على اجتهادات متفرقة محدودة وغير متناسقة. لقد عانينا من سمعة سلبية طوال عقود ماضية بسبب الانكفاء على الداخل، والآن لدينا وطن ومجتمع حقيق بأن يعرف العالم كل ما يحتويه من جمال ودهشة، وما يحدث فيه من تحديث هائل. ولذلك لا بد من تعريف العالم به كما يجب.