-A +A
عبده خال
نحن في زمن له هدير معلوماتي ضخم، وليس هناك من موانع ثقافية تنتصر للمعلومة الصائبة في أغلب الأحيان، ولأن طوفان المعلومة طغى كثيرا على المعرفة، فقد تم هدم المعرفة لدى بعض الشباب الذين رضخوا لفكرة التلخيص التي دشنها التعليم، وسرت مسرى نار متأججة في غابة لها أشجار يابسة.

ولأن القراءة والتنقيب في الكتب غدا نادرا، أصبح كل ما يقال يتم انتشاره من خلال أدوات التواصل.


الذي يعنيني من هذه المقالة الحديث عن المؤسسات والجامعات المعنية بمراجعة الأحاديث، والسيرة النبوية ، فهذه المراكز بالضرورة أنها تعي دورها الإسلامي في تنقيح كل ما جاء عن الرسول في حياته وفِي أحاديثه.

فهناك المئات من الأكاذيب ظلت على ماهي عليه من غير رفع الحرج عن المسلم عندما يواجهه شخص آخر يحمل نقدا للإسلام، ويتسلح بالأحداث المتواجدة في كتب التراث على أنها صحيحة بينما تكون تلك الأحاديث - مع صحتها في كتب التراث- أحاديث يبطلها القرآن والعقل معا، إلا أن المسلم غير المطلع لا يستطيع سوى الاستماع لكل الانتقادات والتشويهات من غير المقدرة على إبطال قول القائل كونه لم يتفقه فيما حفظ وترسخ في وجدانه على أن ما حفظ - ولا يزال يحفظ- غير قابل للمراجعة أو التمحيص.

نعم هناك بعض العلماء يرفضون تلك الأحاديث والسير الضعيفة إلا أن أصواتهم ترسب في طوفان الأقاويل التي تم تثبيتها كحقيقة، هؤلاء العلماء الراغبون في التصويب لا يقدرون على السباحة عكس التيار، فيواصلون السكوت عما كان عليهم تصويبه حتى ولو أوذوا إزاء تصويباتهم لما تم السكوت عنه، والسؤال:

- لماذا يتم السكوت على ماهو غير صائب؟ فمنذ مئات السنوات وعلى رأي علماء (قدماء ومعاصرين) كتبوا عن بطلان بعض تلك الأحاديث، والسير، فلماذا لم يتم تعليقها أو تضعيفها أو حذفها لأن بقاءها على ما هي عليه تذهب بعقول بعض الشباب نحو التشدد أو الإلحاد وهما خطان متوازيان، ولكون ذلك الشاب يتخذ من تلك الأحاديث والسير سندا شرعيا على ما يقدم عليه من إرهاب أو تشدد أو نفي وتكذيب ثم تشكيك يوجهه نحو الإلحاد.

أعرف أن في العالم الإسلامي جامعات ومراكز معنية بدراسة السيرة النبوية إلا أنها لم تحرك ساكنا على مستوى المجتمعات في التصويب لما يعتبر ضعيفا أو ما يعتبر غير منطقي.

والله ثم والله أن تنقية السيرة (قولا وفعلا وإقرارا) يعتبر من أهم الأمور الدينية إن لم يكن الأهم في حماية الإسلام ونبينا عليه أفضل الصلوات والسلام مما حملته كتب التراث، تلك الأحداث والأقاويل التي يحملها المعارضون للرسالة المحمدية، هؤلاء الذين يلجأون إلى الأحاديث والسير الضعيفة في تقديم برامج دينية لا يستطيع المستمع البسيط من نقضها أو تفسيرها، خاصة إذا تم تثبيت تلك الأحاديث على أنها صحيحة من خلال كتب التراث.

وأنا ممن يؤمن بأدوار المؤسسات الدينية كونها ذات ثقل علمي وتعدد علماء، وهذه المؤسسات هي الأقدر على تبيين ضعف وأكاذيب ما وصل إلينا، ومع الأسف فواقع بعض الدراسات المتعمقة لم تغادر حبرها والجهر بأن بعض الأحاديث أو السير ضعيفة ولا يمكن الارتهان إليها سواء للمؤمن أو المعارض للديانة الإسلامية، ومع جملة البرامج المشككة، لم يحدث أي مشروع إسلامي يفرز الصحيح عن المكذوب كدراسة حديثة يتم تشكيل لجان من علماء للتصويب والنهوض بمشروع إسلامي ضخم تكون مهمته الجليلة إخراج كتاب أو موسوعة صحيحة تفوق صحة ما وصلنا -عبر التاريخ - من أحاديث وسير على أنها صحيحة، وتعمد الموسوعة الحديثة على مرجعية القرآن، وأحدث ما وصل إليه العقل من تنقيب وأبحاث وتفلية ما وصل إلينا من أحاديث خاصة، أما تضعيف السير فهي قابلة للسقوط من غير عناء كونها غير ملزمة شرعا تصديقا أو تكذيبا، فالسير تخضع لتأريخية التاريخ قبولا أو رفضا.

وأهمية نهوض مشروع كهذا في الوقت الراهن كون العالم انفجر معلوماتيا، انفجار يتقبله العالم من غير عناية بما هو صائب أو خطأ، ومشكلة هذا الانفجار المعلوماتي أنه لا يمنح المرء المعرفة للبحث والتنقيب وإنما يجعلك أسيرا لما يتم تداوله سواء كان صائبا أو به خطأ جوهري في نص ما يقال.

قناعة هذا المقال كنت أسير بها خلال الأعوام الماضية إلا أن لقاء ولي العهد أشار على ظهور مشروع ضخم قائم على تنقية الأحاديث والسير بما هو أصح الصحيح، وهذا المشروع للأسف الشديد لم يستثمره الإعلام المحلي والإسلامي بما يليق بأهمية هذا المشروع ولا زال الوقت سانحا لإعلامنا في الابتهاج به.