-A +A
محمد بن مهيوب
في فترةٍ قياسيةٍ نقلت رؤيةُ 2030 السعوديةَ إلى مراكزَ متقدمةٍ في مصافِ دولِ العالمِ الأولِ التي ربما احتاجت إلى قرون من الزمان للوصول إلى ما وصلت إليه في التخطيط الإستراتيجي والاقتصاد المعرفي والإصلاح الاجتماعي والخبرات التراكمية في الفكر الإداري الحديث.

شكَّلت 2030 طفرةً نوعيةً بكلِ المقاييسِ، إنها تعيدُ للمتابعِ أمجادَ وملاحمَ تأسيسِ المملكةِ على يدي المغفورِ له بإذنِ الله الملكِ عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وقبل ذلك قيامِ الدولةِ السعوديةِ الأولى قبلَ نحو ثلاثةِ قرونٍ عندما قاتلتِ الأرضُ والجبالُ والصخورُ إلى جانب الأسرةِ السعوديةِ لتوحيدِ هذا الكيانِ الوطنيِ الشامخ وحمايةِ أمنه واستقلاله واستعادة ألقه الحضاري العريق.


كما أنها تذّكرُ القارئَ الفاحصَ للتاريخِ بالتحولاتِ المفصليةِ العملاقةِ في تاريخِ الحضاراتِ والأممِ فإذا كانتِ الصحافةُ الغربيةُ قد أطلقتْ على الملك ِعبدِ العزيزِ -رحمه الله- «جورج واشنطن العرب» في النصفِ الأولِ من القرنِ العشرينَ تخليدًا لملاحمِ التوحيدِ، فإنّ «رؤيةَ 2030» هي فلسفة الأنوارِ العربيةِ السعوديةِ المُؤذنةِ بميلادِ عصرٍ جديدٍ من التقدمِ والازدهارِ العلمي والصناعي والمعرفي والفلسفي.

أزالتْ «رؤيةُ 2030» الصورةَ النمطيةَ المسيئةَ التي رسمها الإعلامُ الموجهُ والمعادي للسعوديةِ والسعوديين ليخرجَ السعوديونَ للعالمِ شعبًا ديناميكيًا منتجًا خلاقًا رجالًا ونساءً بإبداعاتهم وأبحاثِهم العلميةِ وبرمجياتِهم التقنيةِ وأعمالِهم الأدبيةِ والفنيةِ والفلسفيةِ وكأنّها كانت تختمرُ في بوتقةَ التاريخ حتى أثارها من كوامنها صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأميرُ محمدُ بنُ سلمان، -حفظه الله-، فتتجلى السعوديةُ عن كنوزٍ من العلومٍ والمعارفِ والآدابِ والكشوفاتِ الأثريةِ والحضاريةِ.

ما ميز هذه الرؤية الثاقبة ليس البعد الاقتصادي المبني على التخطيط الإستراتيجي طويل المدى فحسب وإنما الأهداف الموضوعية المتناغمة في تسلسل منطقي بديع للمستهدفات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بحيث يؤسس بعضها لبعض وينمّي بعضُها بعضًا.

وأيضًا سلاسة الآليات التطبيقية الانسيابية والداعمة للتنفيذ العملي، فهي ليست مجرد أفكار وتنظيرات طوباوية أو مخططات ذهنية، بل حلول عملية تفاعلية مرنة يستجيب لها المجتمع بمختلف فئاته ومستوياته وكأنه يعيد من خلالها اكتشاف نفسه من جديد، وذلك لأن بدهياتها العلمية تنبثق من صميم القيم والتقاليد الثقافية العربية السعودية والاحتياجات الاجتماعية العصرية التي تنطلق من ذلك الموروث الحضاري التليد كما قال سمو ولي العهد في المقابلة التاريخية مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية.