-A +A
حسين شبكشي
أتابع بكل شغف ما يتم بحثه من تاريخ مثبت على أرض الواقع، يدعمه كشف أثري أو تحليل مختبري علمي أو تدقيق أكاديمي موثق للاكتشافات الأثرية المختلفة للجزيرة العربية ومناطق مختلفة في العالم العربي، تثبت بها أو تكفي الكثير من الروايات التاريخية التي دون إثبات لها تتحول مع الوقت إلى أسطورة أو حتى إلى خرافة.

ومع هذه القدرات العلمية المتجددة والمبهرة في بعض الأحيان التي تمكن من قراءة تاريخ دقيق وعمر محقق للكثير من هذه الآثار الصخرية والخشبية والنحاسية والبرونزية وغيرها من مخلفات الأمم التي بين أيدينا اليوم، لتثبت لنا وبشكل علمي دقيق العمر الزمني الافتراضي لها، بحيث يمكننا أن نتحقق من الحقبة الزمنية التي كانت تعيش فيها.


ومع كثرة اكتشافات هذه الآثار والتحقق فيها من قبل متخصصين أكاديميين لهم جدارة علمية ولهم مكانة مرموقة مثبتة بعيداً عن السرديات الشعبية والروايات المتناقلة، ليس مستغرباً ولن يكون بعيداً من أننا مقدمون على مرحلة فيها إعادة كتابة للتاريخ ومراجعة عميقة لما كان يتداول باسم التاريخ بيننا.

الجزيرة العربية اليوم هي كانت بمثابة صندوق أسود للعالم، فيها الكثير من الألغاز وفيها الكثير من الروايات التي تفيد بوجود حضارات مختلفة متعاقبة ومنقطعة في مساحاتها الجغرافية المترامية. وهذا التاريخ يخص الحضارات المختلفة، بالإضافة إلى الأديان السماوية الثلاثة وما قبلها. إذا كان الانفتاح العلمي الأكاديمي الموضوعي والمستقل متاحاً فعلى التاريخ البشري أن يكون مستعداً لقبول كافة الخلاصات التي تأتينا بعد هذا التوثيق الدقيق.

مطابقة الآثار العلمية على السردية التاريخية والعكس كذلك هو تثبيت للرواية التاريخية إذا كانت أصلية، أو إسقاطها من الطرح وتحويلها إلى أسطورة أو حتى التعامل معها على أنها سردية روائية ليست أكثر.

لكننا يجب أن نحرر التاريخ من الأساطير التي التصقت به بسبب عدم وجود أدلة على الأرض تؤكد هذه السرديات التي ظللنا لسنوات طويلة أسرى لها.

مع الانفتاح الذي يحصل الآن لاستكشاف السعودية والجزيرة العربية، والإقبال على دراسة تاريخها بشغف والتمعن في آثارها بشغف أكبر سنكون أيضاً مقبلين على مرحلة فيها نوع من نقد أكاديمي موضوعي للتاريخ، ومراجعة عميقة للسردية التي اعتمدت في تثبيتها.

الأمم تبني على نقد مستقل ومجرد وموضوعي لتاريخها وتعيد كتابته كلما توفرت أدلة جديدة تساعد على تبيان الحقيقة وتفنيد السرديات التي بنيت عليها، وهذا في حد ذاته يساعد الأمم على النهوض والافتخار بماضيها وكذلك حاضرها ومستقبلها.

هناك العديد من المراجعات التاريخية التي تمت عبر الأزمة والعصور في أكثر من موقع حول العالم، كان من نتاجها إعادة قراءة الكثير من المسلمات التاريخية، التي اعتمدت من قبل كحقيقة مثبتة ومطلقة. وأثبتت القدرات العلمية المستجدة أن الإنسان من الممكن أن يحقق منهجية علمية توثيقية لعالمه الذي يعيشه اليوم عبر مرآة ألفية يتحقق منها من سيرته التي عاشها فيها طوال هذه السنوات التي من الممكن قياسها في مختبر علمي دقيق، أدواته علمية وليست مبنية على الخرافات والأساطير التي يتم ترديدها بلا أدلة وبلا شواهد وبلا تدقيق. هناك فرق كبير بين التاريخ الموثق والأسطورة المتداولة.