-A +A
عبداللطيف الضويحي
وراء كل لاجئ بلد منكوب، وأمامه قارب للهروب، فللاجئ «ديموقراطيتان»، «ديموقراطية» الموت في اليابسة ببلده وبين أهله، و«ديموقراطية» الموت في البحر وبين الكائنات البحرية المفترسة ومن خلال القوارب المكتظة بالبشر!

أما «الديموقراطية» الثالثة للاجئين والمهاجرين، فتنقسم إلى «ديموقراطيتين» متجاورتين:


1- «ديموقراطية» صناعة المرتزقة

2- «ديموقراطية» صناعة الإرهاب. والحظ العاثر لمنطقة الشرق الأوسط وشعوبها ودولها تتركز فيه إمبراطوريتان شرق أوسطيتين تقوم قوة إحداهما «الضاربة» على صناعة وتجارة الارتزاق والمرتزقة في سبيل استعادة وبسط نفوذها على إمبراطوريتها التاريخية في المنطقة، وتبني الأخرى قوتها «الضاربة» وبسط نفوذها على إمبراطوريتها التاريخية في المنطقة من خلال صناعة وتجارة الإرهاب والإرهابيين.

في أحداث أفغانستان الأخيرة، على ما يبدو، نحن أمام منهجية مبتكرة جديدة من بين ابتكارات التعامل مع اللاجئين، سواء أحسنا الظن أو أسأناه بمن يقفون وراء هذا الابتكار والمنهجية الجديدين في التعامل مع اللاجئين الأفغان. فلأول مرة تقتصر موجات اللجوء على عاصمة البلد المنكوب كابل، وكأن أفغانستان فقط كابل. كما أنها المرة الأولى -حسب فهمي- التي لم تقم منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية باللاجئين مخيمات لإيواء النازحين الأفغان داخل البلد المنكوب «أفغانستان» أو مخيمات للاجئين الأفغان في الدول المجاورة لأفغانستان وهي كثيرة ومتعددة!

بل هي المرة الأولى التي يتم بها الاعتماد الكلي أو شبه الكلي على الأساطيل الجوية في نقل وتوزيع أو تفريق أو إعادة تشتيت اللاجئين والمهاجرين على دول وقارات العالم، بشكل يطرح تساؤلا عن الدوافع والأهداف وراء هذا التوزيع، رغم حجم أعداد اللاجئين والمهاجرين.

إن كمية اللاجئين الأفغان الراغبين بالخروج من أفغانستان منذ بداية الأزمة وإلى الآن، وتعدد وجهات توزيع اللاجئين حول قارات العالم، وعدم إقامة مخيمات للنازحين داخل أفغانستان أو مخيمات للاجئين الأفغان في دول الجوار، يجعلنا نتساءل عما إذا كانت هذه الجموع البشرية المتدفقة على مطار كابل دون قتال، مدفوعة بالهجرة أم بالتهجير؟

إنما يفر اللاجئون من الموت إلى ما يشبه الموت في كل مرة، ويستنجدون بجحيم الأمكنة من لعنة الأزمنة. إنما اللاجئون ضحايا لأحداث سياسية ومذهبية وطائفية محلية تحركها مصالح دولية وإقليمية في كثير من الأحيان وتشعلها الأزمات الاقتصادية في كثير من الأحيان. هم بشر لهم كرامة يجب أن تصان ولهم حقوق يجب أن يحترمها الجميع، وعلى الجميع الحفاظ على تلك الحقوق مثلما هو الحفاظ على أرواح وحياة هؤلاء المنكوبين.

كما أن على المنظمات الأممية والدولية أن تتوقف قليلا لتجري مراجعة حقيقية لكل تجاربها المتراكمة مع مآسي اللاجئين والنازحين والمهجرين. وتبحث عن أساليب أكثر إنسانية. فهل يعقل مع تكرار التجارب ومع القفزة بالابتكارات التقنية ومع تنوع أسباب اللجوء وخلفيات اللاجئين، هل يعقل ألا تتغير أساليب المنظمات الأممية والدولية المعنية باللاجئين ونحن في عام 2021، بعدما يناهز القرن على تجارب تلك المنظمات مع اللاجئين؟

إنني ما زلت مؤمنا كل الإيمان بما طرحتُه شخصيا عدة مرات عبر جريدة «عكاظ» من خلال عدة مقالات، بضرورة أن تعمل الأمم المتحدة ممثلة بمنظماتها المعنية باللاجئين والمنظمات الدولية على تخصيص «دولة اللاجئين» تتم تهيئتها وتجهيزها لإيواء واستقطاب اللاجئين الذين ضاقت بهم دولهم ودول العالم بشكل مؤقت أو دائم، وللحيلولة دون استغلال اللاجئين من قبل دول أصبحت تبني قوتها ونفوذها على أكتاف اللاجئين وباستغلالها للاجئين كضحايا لصناعة المزيد من ضحايا حروب جديدة بإذكاء المزيد من الحروب من خلال صناعة الارتزاق والمرتزقة أو من خلال حروب الإرهاب والإرهابيين، وهذا ما قوض أسس الدولة في عدد من الدول العربية، عن طريق دولة صناعة المرتزقة أو طريق دولة صناعة الإرهاب واستغلالهما لضحايا اللجوء في خلق المزيد من الضحايا.