-A +A
حمود أبو طالب
مشهد واحد يختصر كل شيء، ويغني عن كل الكلام المتدفق من أفواه المحللين والمعلقين منذ ظهر الأحد ١٥ أغسطس عندما دخلت عناصر حركة طالبان العاصمة كابل بسلام آمنين في واحد من أعجب مشاهد السيطرة، ذلك المشهد هو التدفق الكبير للمواطنين الأفغان على مطار كابل وهرولتهم في ساحاته لركوب أي طائرة إلى أي مكان في العالم تاركين خلفهم كل شيء، يريدون النجاة بأنفسهم لا أكثر.

هذا المشهد المؤلم يختزل الرعب الذي يعيشه قرابة ٤٠ مليون أفغاني مما يمكن أن يحدث غداً، الرئيس هرب مع أركان حكومته، والقادرون رتبوا رحيلهم مبكراً، وبارونات طالبان لا خوف عليهم فهم يسيرون في مواكب تحت الحراسة المشددة ويفاوضون من أماكن آمنة، ويصورون مقاطع الفيديو من القصر الرئاسي، وحده المواطن الأفغاني البسيط يهرول في الشوارع، عيناه زائغتان وقلبه يرجف، باحثاً عن طريق يوصله إلى أمان ممكن.


هذا المشهد الذي سيبقى في ذاكرة البشرية يقول إنه لا فائدة من وطن بلا شعور بالأمن، ما فائدة الوطن إذا أصبح مصدراً للخوف وسبباً ممكناً جداً لنهاية الحياة في أي لحظة، ما جدواه عندما يجبر الإنسان على تفضيل التشرد على البقاء. ذلك المواطن قليل الحيلة لا يعرف ماذا تم على طاولات التفاهمات والتسويات والمقايضات بين ساكني القصور وبارونات الكهوف برعاية الكاوبوي الذي امتطى صهوة حصانه فجأة وأدار ظهره عائداً إلى بلاده، تاركاً له انتظار أسوأ ما يمكن أن يحدث له.

مأساة أفغانستان هي اختزال للتناقضات الصارخة التي يعيشها العالم في هذه الحقبة الرديئة من تأريخه، مصانع لأكثر الأدوية والتقنيات النافعة تقدماً، وبجوارها مصانع لأشد الأسلحة فتكاً. نداءات وشعارات بترسيخ حقوق الإنسان في كل مكان والحفاظ على كرامة حياته بتكريس العدالة والحريات والمساواة، ثم بانتقائية قبيحة اختيار شعوب لتدميرها بالفوضى والاحتراب والخراب والتشرد في لعبة التنافس على النفوذ وصراع القوى.

ذلك المواطن الذي كان يحث الخطى هرباً في مطار كابل لم يكن ليغادر وطنه لو كان متيقناً أنه سيكون آمناً، لكنه بحدسه الفطري وتجاربه السابقة تأكد أن وطنه لم يعد له، فآثر البحث عن السلامة بالرحيل، إنها لعنة الأوطان التي يتزاحم عليها المتاجرون بها.