-A +A
صدقة يحيى فاضل
قلنا إن أهم عشرة «مراكز قوى» بأمريكا، يمكن، بشيء من الدقة والتبسيط، حصرها، كما يلي: الكونجرس بمجلسيه، السلطة التنفيذية الكلية (الرئيس ونائبه ومجلس الوزراء، والهيئات الفيدرالية)، السلطة التنفيذية المصغرة (الحكومة المصغرة، التي تتكون من: الرئيس وكبار مستشاريه، وكل من رؤساء: الاستخبارات (CIA)، والمباحث الفيدرالية (FBI)، ووزراء الأمن القومي، الدفاع (البنتاجون) الخارجية)، السلطة القضائية: ممثلة في «المحكمة الفيدرالية العليا»، الأحزاب السياسية بأنواعها، وفي مقدمتها الحزبان الأكبر، جماعات الضغط المرتبطة مصالحها بسياسات البيت الأبيض، جماعات الضغط والمصالح المتحررة، الصحافة والإعلام، المثقفون والمفكرون، والمجتمع الأكاديمي، الشعب (الرأي العام بعامته).

****


وفي الوقت الحاضر، يمكننا، اجتهادا واستنادا على ما هو معلن من مواقف هذه المراكز، أن نحدد – بصفة تقريبية جدا – موقف وسياسة كل من مراكز القوى الأمريكية العشرة الأهم هذه، تجاه عالمنا العربي وقضاياه، بصفة عامة، كليا وجزئيا. إذ يمكننا أن نوجز هذه المواقف كالتالي:

1 - هناك خطة أمريكية (غربية) عامة يبدو أن الحكومة الأمريكية المصغرة تتبناها، منذ عقود، تجاه العرب والمسلمين، بصفة عامة. وهي سياسة شبه ثابتة، وبصرف النظر عمن يأتي إلى السلطة، ومن يكون الرئيس. ويغلب الطابع السلبي على هذه الخطة.. إذ تتميز أهدافها بالمناوأة. فمن عناصرها وبنودها: تكريس الضعف العربي، والمبالغة في دعم إسرائيل، والاستهانة بالحقوق العربية الأساسية والمشروعة... إلخ. وهذه الحكومة الأمريكية المصغرة تخفي مناوأتها، ولكنها (بالفعل) تبارك الواقع العربي الضعيف، وتعمل على تكريسه، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. إذ ترى، كما يبدو، أن «مصلحة أمريكا» تقتضي هذه السياسات، التي، في أغلب مضامينها، تتناقض وما تدعي أمريكا الالتزام به من قيم، ومبادئ...؟! وكم نتمنى أن يكون هذا الاعتقاد غير صحيح، وأن تصبح السياسة الأمريكية تجاه العرب والعالم، بصفة عامة، أكثر إنصافا.

****

أما بالنسبة لبقية مراكز القوى الأمريكية التسعة الأخرى، فإن موقفها نحو العرب وقضاياهم يميل أيضا للسلبية (المعلنة وغير المعلنة)، بالنسبة للمصلحة العليا العربية. ونختتم هذا المقال المختصر بإيجاز الموقف العام الملاحظ الآن لكل من هذه المراكز، تجاه العرب والمسلمين، بصفة جد عامة. وذلك على النحو التالي:

2 – السلطة التنفيذية الكلية: الغالبية فيها تجاري الحكومة المصغرة في مواقفها. وقلة قليلة بها لها مواقف معلنة معادية للعروبة والإسلام.

3 – السلطة التشريعية: قلة تجاري الحكومة المصغرة في مواقفها. أما غالبية أعضاء هذه السلطة، فلها موقف سلبي وغير ودي.

4 – السلطة القضائية: ليس لها موقف سياسي واضح. بعض أعضائها يحملون انطباعا سلبيا تجاه العرب، وغيرهم.

5 – الأحزاب السياسية: معظمها له مواقف معادية، أو سلبية.

6 – جماعات الضغط والمصالح المرتبطة مصالحها بسياسات البيت الأبيض: تتبنى موقف الحكومة الأمريكية المصغرة تماما. بل إنها هي الطرف الأهم الذي يدفع الأخيرة للتمسك بسياساتها التقليدية المعروفة، خدمة لمصالحها، التي تدعي أنها «مصالح أمريكا». قال رئيس شركة «جنرال موتورز» ذات مرة، للتدليل على الأهمية القصوى لمصالح قطاع خاص (قطاع إنتاج السيارات):

«... What is good for GMC is good for America»

ورغم ما في هذه العبارة من مبالغة، إلا أنها تؤكد أن هناك سياسات أمريكية (داخلية وخارجية) عديدة، توضع وتنفذ على «مقاس» وطلب بعض جماعات الضغط الأمريكية المتنفذة، ومنها: جماعة المركب الصناعي - العسكري، واللوبي الصهيوني... إلخ.

7 – جماعات الضغط والمصالح الحرة: معظمها معاد، أو غير مكترث، في مواقفه نحو العرب.

8 – الإعلام: معظمه معاد للعرب.. عدا بعضه الذي يدور في فلك الحكومة الأمريكية المصغرة.

9 – المثقفون والمفكرون والأكاديميون: موقفهم سلبي في معظمه.

10 – الشعب (الرأي العام): موقفه إما سلبي، أو مغـلوط، أو غير مكترث.

****

وختاما، نقول: إن الطابع الليبرالي هو التوجه الفكري السائد في أمريكا، رغم أن أمريكا أقل «ليبرالية» من حليفتها أوروبا الغربية. والمؤسف، أن معظم الليبراليين الأمريكيين لهم موقف سلبي تجاه العرب والمسلمين. أما المحافظون الأمريكيون، فإن موقفهم نحو العرب والمسلمين – بصفة جد عامة – يتراوح بين المجاملة المصطنعة، والمداهنة المكشوفة، وكذلك العداء الخفي والسافر في كثير من الحالات.

ولقد ذكرنا كل ذلك بناء على الملاحظة العامة، ومتابعة بعض ما تنشره هذه المراكز عن العرب وقضاياهم. ولهذا، لا يمكن الادعاء هنا بأن ما ذكر دقيق. فلا بد من إجراء مسوح بحثية علمية للرأي، على عينات عشوائية من كل مركز قوى، لمعرفة موقفه تجاه العرب، بدقة ويقينية. وليت العرب يهتمون أكثر بإنشاء مراكز الدراسات والبحث العلمي التي تتخصص في دراسة أهم دول العالم، ومواقف مراكز القوى فيها تجاههم، وسياساتها نحوهم. فهذه مواضيع حيوية بالغة الأهمية، وتستحق التوسع في إقامة ودعم المزيد من مراكز البحث العلمي المتخصصة في دراسة كل دولة، أو كل منطقة، دراسة علمية.. تفيد في التعامل مع القوى المختلفة بما يخدم المصلحة العربية العليا، كما يجب أن تصان وتخدم.