-A +A
رامي الخليفة العلي
لا توجد إرادة دولية لإسقاط النظام السوري، هذه هي الحقيقة التي يتفق عليها الجميع بغض النظر عن المواقف المختلفة وخلفيات تلك المواقف مما يحدث في سوريا. وهذا الأمر ليس حادثا بل حقيقة يدركها كافة المراقبين والمحللين على امتداد السنوات الست الماضية، أي منذ دخول القوات الروسية على خط الأزمة السورية وتعهدها بحماية النظام السوري، منذ ذلك الحين تم تدويل القضية السورية وبدل أن تكون ثورة شعب يريد الحرية والديمقراطية والعدالة تحولت الأزمة السورية إلى حرب بالوكالة تخوضها أطراف إقليمية ودولية، لا بل تحولت في كثير من الأحيان إلى حرب عبثية، وربما ما يحدث في درعا خلال الأيام الماضية هو التعبير الأحدث عن هذه العبثية الدامية. يمكن للمعارضة أن تجادل طويلا في أحقيتها ومشروعية مطالبها، ولكن ما تأثير هذا الجدل على الوضع في سوريا، الإجابة باختصار لا شيء، لأن حالة تقاسم النفوذ بين تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية أوجدت حالة جمود بغض النظر عن حالة الصراع التي تندلع هنا وهناك. وإذا ما حاولنا تلمس الرابح والخاسر من هذه المعادلة الجهنمية التي يعيشها الوطن السوري نكتشف سريعا أن تركيا تكرس احتلالها لشمال غرب سوريا ومناطق من الجزيرة السورية وإيران ماضية في الهندسة السكانية التي تعمد إلى تغييرات، حتى أشد المدافعين عن النظام السوري لن يوافق عليها وسوف تهمشه في نهاية المطاف، وكذلك روسيا التي وجدت لها في نهاية المطاف إطلالة على المياه الدافئة بموافقة إقليمية ودولية. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي المتحكم في المشهد ولو عن بعد وتحقق مصالحها بوضع خطوط التماس وقواعد الاشتباك مع الأطراف الأخرى، وللأسف هناك من السوريين ولمصالح شخصية وآنية يرغبون باستمرار الوضع على ما هو عليه، لأن ذلك كفيل بأن يجعلهم على الخارطة الإعلامية التي تترجم رواتب ونفوذا سياسيا واهتماما دوليا ولو على حساب الوطن السوري. أما الخاسر الأكبر فهو الشعب السوري الذي عانى الآلام والمرارات والانكسارات وفقد خيرة أبنائه في جحيم الحرب المندلعة منذ أكثر من عشر سنوات، لقد خسر الوطن السوري بأن أصبح نهبا لكل طامع، بحيث بدا أن الانحدار لا نهاية له. العالم العربي برمته خسارته فادحة في سوريا، فكل الأطراف المتداخلة في سوريا تمثل خطرا على أمن واستقرار الدول العربية وتكفي الإشارة إلى المليشيات الإيرانية والجماعات الإرهابية والقوات الأجنبية المحتلة وكيف عاثت كل هذه الأطراف فسادا في سوريا والمنطقة برمتها.

كل ما سبق يجعلنا نطالب بمقاربة مختلفة للملف السوري تضع نصب عينيها إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتصارح الشعب السوري بحقيقة الموقف الدولي وتتخذ قرارات نعلم جيدا مدى صعوبتها ولكنها شر لا بد منه. سنة الحياة التغيير، فما بالك بالمواقف السياسية، بل يجب أن تتغير هذه المواقف عندما يكون المعيار هو مصلحة الشعب السوري والشعوب العربية. وأسوأ ما يمكن أن يعانيه الشعب السوري هو بقاء المقاربة على ما هي عليه، خصوصا أن الوطن السوري يضيع منا يوما بعد يوم.