-A +A
منى المالكي
في لعبة الكلمات تتقافز أمامك بعضها لتحدث بداخلك متعة تتجاوز بها حدود المعقول، فعندما تظهر كلمة الربيع مثلاً تأتي محملة بالفرح والسرور والألوان الزاهية، ذلك الربيع الذي يختال ضاحكاً دائما، ليصدمك فجأة تحول مدلولها في العشرية الأخيرة إلى ربيع أحمر ملطخٍ بدماء الأبرياء في ظاهرة هدفها الفوضى والفوضى فقط!

لتعود تلك الكلمة مجدداً إلى مدلولها الحقيقي ومعناها الإنساني الربيعي في مشروع ضخم هو مشروع الرياض الخضراء؛ الذي يعد من أهم المشاريع البيئية المتميزة، فهو واحد من أكبر مشاريع التشجير طموحاً في العالم، وأحد مشاريع الرياض الأربعة الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله، بمبادرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، وكأن قدرنا دائماً إعادة الأمور إلى نصابها وهذا قدر العظماء!


يهدف مشروع الرياض الخضراء إلى رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة من 1.7 متر مربع حاليا، إلى 28 مترا مربعا، بما يعادل 16 ضعفاً عمّا هي عليه الآن، وزيادة نسبة المساحات الخضراء الإجمالية في المدينة من 1.5% حالياً إلى 9% بما يعادل 541 كيلومتراً مربعاً، وذلك من خلال زراعة أكثر من 7.5 مليون شجرة في كافة أنحاء الرياض، الرياض تلك المدينة التي أصبح ربيعها دائماً، فهي الرياض قلب نجد النابض حباً وعروبة، نجد تلك الفاتنة التي تغنى بها الشعراء منذ القدم.

لم تأتِ رؤية المملكة 2030 لبناء المكان فقط، ففلسفة الرؤية هي الإنسان، ولذلك اعتنت بمشروع من أهم مشاريعها بالحياة، فأطلقت مشروع «جودة الحياة» الذي يعنى بكيف تصبح الحياة جديرة بالعيش ليس فقط ذلك وإنما جيدة أي متحققة شروط الجودة، وهي شروط ومعايير ليست سهلة أو بسيطة، ويظهر مشروع الرياض الخضراء أحدها. ومشروع جودة الحياة جدير بالحديث عنه والكتابة أكثر حول مشاريعه، فلا يمكن تقديم الرؤية اقتصاديا فقط وإن كان العماد الأساس للرؤية الاقتصاد ولكن للرؤية أذرعا ثقافية واجتماعية متعددة لابد من تسليط الضوء عليها.

فقد بقيت مشكلة التصحر مؤرقة للجميع بل وذهبت إلى الضغط على الجانب الصحي مثل الأمراض التنفسية كالربو؛ نتيجة موجات الغبار العنيفة التي تضرب الرياض، بالإضافة إلى الآثار البيئية للتحضر بسبب التوسع السريع للمدن، وتغير المناخ في زيادة التلوث، والضغط البشري المنتج لآثار حتمية على البيئة في إحداث إشكالات مناخية عدة، فظهر مشروع الرياض الخضراء الذي يعد واحدا من أكثر مشاريع التشجير طموحاً في العالم التي يمكن أن تساعد الأشجار الحضرية في التخفيف من بعض الآثار البيئية السلبية.

فكرة الالتفات لتجويد الحياة داخل المدن والعناية بالبيئة والاهتمام بالتشجير أعمال إنسانية تحقق التوافق مع بيئتنا، هنا لابد من العناية بالتوعية حولها وتكثيف العمل للعناية بها ولفت الأنظار إلى هذه المشاريع الكبرى داخل رؤية بلادنا التي تسير بنا نحو وجهة لم نعتد عليها، وبالتالي فالواجب يحتم علينا تكثيف الجهود للتعريف بها وتسليط الضوء عليها واستقطاب الشباب للعمل التطوعي في هذه المشاريع.