-A +A
نجيب يماني
على الرغم من تأكيد ساكن البيت الأبيض الجديد؛ الرئيس جو بايدن، في أكثر من مناسبة، على أن فترة رئاسته المقبلة لن تكون، بأيّ حالٍ من الأحوال، امتداداً لما انقطع من فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلا أنّ واقع الحال المنظور في التعيينات التي أعلنها لفريق إدارته، واستعانته برموز بارزة في إدارة أوباما؛ فضلاً عن بعض القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، تضع موضوع انفصاله عن سياسة أوباما، أمام اختبار صعب، لن ينجو معه من حالات التربص، والقلق، والمقارنة والمقاربة المستمرة، طالما أعلن صراحة عن عزمه العودة إلى القضية الأساسية والمركزية؛ ألا وهي قضية الملف النووي الإيراني، بوصفها القضية التي أمدتها إدارة أوباما بوقود من الحيوية عبر الاتفاق النووي الشهير (5+ 1) الموقع في 14 يوليو/‏ تموز 2015م، وكان ذلك على حساب الأمن الإقليمي، المتمثل في العمق الخليجي، الأمر الذي ظلت دول مجلس التعاون الخليجي العربية تنبّه إدارة أوباما لتداعياته وخطورته، قياساً لما تواجهه من أخطار المشروع الصفوي، وجيوبه في المنطقة، ومحاولته المتكررة لزعزعة أمن واستقرار الخليج، مستفيداً من الثقوب الكثيرة في ذلك الاتفاق.. وكان من الطبيعي أن تشهد العلاقة بين دول الخليج العربية وإدارة أوباما حالة من عدم الرضا عن سياسته، تمظهرت في صور من الفتور، على الرغم ممّا تمثله دول الخليج للأمن الأمريكي، ووثيق الصلة بينهما على قاعدة المصالح المشتركة.. ولم تنتهِ هذه الحالة من الفتور إلا بحضور الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي أنصف دول الخليج العربي برفع يد الولايات المتحدة الأمريكية عن ذلك الاتفاق المجحف والمتغاضي عن مصالح دول المجلس، والمتجاهل لأمنها، فقزّم ترمب؛ بل حجّم الطموح والنزق الإيراني بسلسلة العقوبات المتوالية، بما يضع أي محاولة لبثّ الروح، وإعادة ذلك الاتفاق بصورته القديمة إلى الواجهة مرة أخرى، مغامرة من «بايدن» ستكون لها عواقب وخيمة على المنطقة، والأمن الإقليمي والعالمي..

لقد خطت دول مجلس التعاون الخليجي العربية خطوة إيجابية بعدم معارضتها أو ممانعتها في فتح ملف الاتفاق النووي، شريطة أن تكون صاحبة مقعد أصيل في المباحثات، بما يتيح لها طرح كافة مخاوفها المتمثلة في التهديدات الأمنية المستمرة من قبل النظام الإيراني عبر منظومة صواريخه البالستية، ودعمه للجماعات والأحزاب المطيعة لأمره؛ سواء في اليمن أو لبنان أو سوريا، أو غيرها، والتي تشكل خطراً يتعدّى أثره المحيط الإقليمي إلى العالمي، باستهداف البنيات التحتية للطاقة والملاحة العالمية، وتأثير ذلك على منظومة الاقتصاد العالمي.. ولهذا فمن المتوقع أن تضع إدارة «بايدن» هذا الشرط قيد التنفيذ إن أرادت أن تضمن اتفاقاً قابلاً للحياة، يأخذ بعين الاعتبار تحقيق التوازن المطلوب، ويضمن صيانة الحقوق للجميع على قاعدة حفظ المصالح، وضمان الأمن، وتحجيم الطموحات المنفلتة، والتصرفات الرعناء لنظام إيران.


إن المملكة العربية السعودية تدرك أزلية العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وتراعي المصالح الأمريكية، بقدر ما تحرص واشنطن على المصالح السعودية أيضاً، وفق عمل مؤسسي، يتجاوز التشكيلات الإدارية المتعاقبة في البيت الأبيض محصلة لعملية الانتخابات بين الحزبين الكبيرين؛ الجمهوري، والديمقراطي، ولهذا فإن هامش المخاوف يضيق بشكل يتناسب مع هذه العلاقة، ولعل هذا ما نلحظه جلياً في تعقيب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تصريحات لقناة «العربية» عن «تفاؤل بلاده بعلاقة ممتازة» مع الولايات المتحدة تحت إدارة بايدن، وذهابه إلى التأكيد على أن «التعيينات في إدارة بايدن تدل على تفهمه للملفات».. بهذه الروح المتفائلة تترقب المملكة العربية السعودية خطوات إدارة «بايدن» والأمل أن تتجاوز محطات أوباما السابقة، بخاصة فيما يتصل بملف «النووي الإيراني» لتؤسس لمرحلة متناغمة وفق المصالح المشتركة وتقديراتها، بخاصة وأن متغيرات كثيرة شهدتها المنطقة، ولم تعد هي ذات المنطقة التي هيأت الظروف للاتفاق السابق، فلم تعد التحالفات هي ذات التحالفات بشروطها القديمة، بما يتطلب ديناميكية جديدة تستوعب حجم المتغيرات، وتضع له الاستراتيجيات السليمة الضامنة لتحقيق الأهداف، وفي المقابل فإن دول مجلس التعاون الخليجي العربية مطلوب منها أن تسرّع من وتيرة مقررات «قمّة العلا»، التي -وبحكمة قيادتنا الرشيدة- قد ضمدت الجراح، وفتحت صفحة جديدة لعلاقة خليجية قائمة على الاحترام المتبادل، وتغليب مصلحة المواطن الخليجي. فالموقف الخليجي الموحّد هو الضامن الأساسي لصوت دول مجلس التعاون الفاعل والمؤثر في مباحثات النووي الإيراني المنتظرة.

كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com