-A +A
عبداللطيف الضويحي
لا أحد بوسعه أن يتنبأ بما يدور في أذهان مسؤولي وزارة الإعلام ومسؤولي التلفزيون أو يقرأ ما سيتخذونه من قرارات في ضمنية الدائرة التي تطبخ بها القرارات في التلفزيون ووزارة الإعلام بشكل عام، لكن تكرار تغيير هوية الإعلام أو التلفزيون بهذه الوتيرة، مع بداية كل عهد جديد أصبحت ثقافة تخص وزارة الإعلام ومؤسساتها وماركة مسجلة باسمها. فهل التغيير الذي يبدأ بالهوية الإعلامية، هو تصفير لما سبق؟ وهل يعني تغيير الهوية الإعلامية للمؤسسة الإعلامية اختزالاً واختصاراً لمفهوم التغيير؟ ثم إن تغيير الهوية هل هو بداية أم نهاية التغيير في المحتوى الإعلامي للمؤسسات الإعلامية؟

لا أشك بالقدرات الفردية لدى عدد من العاملين في مؤسساتنا الإعلامية الرسمية، وقد تكون لدى الإدارة الجديدة للتلفزيون والإذاعة السعودية الرغبة الأكيدة بالتغيير الحقيقي، لكن الذاكرة زاخرة بالإخفاقات المتكررة التي حملتها التغييرات المتكررة التي تبدأ وتنتهي بتغيير الهوية للتلفزيون وبعض قنواته. فالذاكرة تزخر بمحطات إدارية سابقة للتلفزيون تعاقب عليها البعض حيث تبدأ وتنتهي في الغالب بتغيير الهوية لا أكثر، دون أي تغيير حقيقي ينعكس على تنضيج المحتوى الإعلامي وبلورة برامج تلفزيونية ناجحة أو صناعة موارد بشرية إعلامية مهنية في التلفزيون أو الإذاعة.


تغيير الهوية يأتي في آخر الإجراءات الجوهرية عادة. لا بد من معرفة حقيقية وعميقة بالتغيير المراد، وما القيم التي يستند إليها التغيير. فهل يعكس تغيير الهوية للتلفزيون وقنواته تغييرا حقيقيا للمحتوى الإعلامي لهذه القنوات؟ وكيف نطمئن إلى منهجية كل تغيير في التلفزيون يبدأ بتغيير الهوية مع كل عهد جديد؟ وماذا عن الأسئلة الكبيرة التي تسبق التغييرات الجزئية الشكلية؟ لماذا تشطب قنوات مثل القناة الثقافية؟ ولماذا تشطب القناة الإنجليزية؟ وهل يجوز أن تتم هذه القرارات في دائرة ضيقة من صناعة القرار؟ وبغياب الرأي المتخصص؟

ندرك حجم وتأثير البيروقراطية للنهوض بالمؤسسات الإعلامية الرسمية، وهي مشكلة تعاني منها أجهزة إعلامية سعودية وغير سعودية، لكن الاحتمال الآخر هو أن ما يعيق تطوير المحتوى الإعلامي الرسمي والبرامج التلفزيونية السعودية هو ندرة التجارب الإعلامية السعودية المؤثرة في الوقت الراهن والتي يمكن اتخاذها نموذجاً يحتذى، ويتم تبنيه ومحاكاته والحذو حذوه باستثناء العمل الإعلامي الاستثنائي الذي تفردت به وزارة الصحة ولا تزال كجزء من خطتها المدروسة للتعامل مع جائحة كورونا. فلماذا لا تنقل وزارة الإعلام تجربة وزارة الصحة الإعلامية وتستفيد منها أو تبدأ منها وبها؟

تعد تجربة وزارة الصحة الإعلامية تجربة محلية نموذجية أشاد بها الإعلاميون والصحيون، فضلا عن إشادة الرأي العام المحلي والإعلام العالمي بالإعلام الصحي السعودي.

في دراسة (ممارسة الاتصال الفعال في إدارة أزمة جائحة كورونا وبناء الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع السعودي) وأعدها الدكتور عبدالملك الشلهوب، أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود، أكثر من 70% استفادوا من المعلومات التي وفرتها وزارة الصحة، و74% من المبحوثين راضون عن الممارسة الاتصالية والإعلامية لوزارة الصحة. كما أن الدراسة توصلت لإجابات أظن أنها جوهرية لأي انطلاقة إعلامية جديدة، سواء من حيث نوع المحتوى الإعلامي أو من حيث نوعية الجمهور ومصادر هذا الجمهور في تلقي معلوماته كما أن هذه الدراسة تكشف الأهمية القصوى للإحاطة الإعلامية اليومية التي تقدمها وزارة الصحة بالشراكة مع عدد من الجهات ذات الصلة بالجائحة، مع إيماني بأن ظروف الجائحة استثنائية إعلامياً.