-A +A
أسامة يماني
لقد شب أكثر من جيل على مفهوم حُرمة التصوير، وهذا المفهوم لا يقوى على الصمود في عالمنا الافتراضي اليوم ولا عالمنا الملموس؛ فقد أصبحت الكاميرا جزءًا من حياتنا اليومية، كما أصبحت الصورة جزءًا من تخليد اللحظة.

التصوير الذي ارتبط بحياتنا يُثبت بطلان مفاهيم التحريم التي خلقها الفقه السياسي أو الانغلاق الفكري الذي يعيش في عالم غير عالمنا.


وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية الفتوى رقم (4539) بأن «التصوير والرسم من الفنون الجميلة التي لها أثرٌ طيبٌ في راحة النفوس والترويح عنها».

تخيل مقدار الضرر النفسي والتربوي على طفل يتعلم في مدرسته بأن التصوير حرام، والصور في الصحافة والرخصة والبطاقة جزء أصيل في حياتنا. هذا هو الانفصام عن الواقع الذي يُشكل خللًا وتناقضًا ويؤدي إلى ضرر عميق في البنية الفكرية للإنسان والمجتمع.

صديقي الدكتور عبدالله الخطيب بجامعة المؤسس، يُجيب عن سؤال متى أحس الإنسان بحاجته إلى الصورة؟ مستشهداً بقول الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه «إن الصورة ولدت مع لحظة اكتشاف حتمية الموت والفناء. ويعتبر أن لجوء الإنسان إلى التصوير (عبر النقش والنحت) هو نتاج رغبته العارمة في الالتفاف على فكرة الموت. لهذا ابتدع الإنسان الصورة ليرتبط بالمستقبل، ويحقق الأبدية التي لا تقبلها حقيقة الموت».

ويقول الدكتور الخطيب، إن دوبريه يرى أيضا أن «في البدء كانت الصورة» وليس «في البدء كانت الكلمة»، والسبب في قلب المعادلة (الحقيقة) يعود إلى «القيمة الزائدة التي منحها الإنسان للكلام». وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون هناك «تمركز» لأن «اللغة تُمجد اللغة».

وينتهي الدكتور الخطيب إلى أننا بحاجة كبيرة في مجتمعاتنا العربية وفي مجتمعنا على وجه الخصوص «إلى تفعيل نظرية تلقي الصورة؛ لأن هناك أميّة في فهم وقراءة الصورة تشبه أميّة القراءة والكتابة. من الواجب علينا تشييد حصانة متينة عند الأجيال ضد مخاتلات وتضليل الصورة باعتبارها سلطة، وتفعيل التلقي الواعي الذي يأخذنا إلى القراءة الصحيحة والإيجابية».

رحم الله الدكتور عيسى عنقاوي الذي عاش عمره مخلصًا لثقافة الصورة لنحت هوية فلسفية فوتوغرافية عربية خاصة بنا، ولاستحداث تَيار فوتوغرافي أو تيارات فوتوغرافية تتكئ على أسس أصيلة تَحْمل مَلامحنا.

نحن بصدق نكاد نعيش أمية في فهم وقراءة الصورة نتيجة للخلل الفكري الذي لحق بأجيال عديدة عاشت مفهوم التحريم والانفصال عن الواقع.

الصورة جزء أصيل في حياة الشعوب لا يمكن طمسها، فالصورة تحكي إرهاصات حركة التاريخ وتحولاته الفكرية والثقافية والسياسية.

كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com