-A +A
أسامة يماني
فكرة هذا المقال نشأت عبر حوار مع أخي الصديق الدكتور خالد الفرم أستاذ الإعلام بجامعة الإمام، الذي أشار إلى أهمية أن يعيش الإنسان مراحل عمره متصالحاً مع نفسه، فعقبت على كلامه قائلاً:

لنا أن نتصور كيف يُدفن الإنسان حياً، أنه يُدفن حياً عندما يوضع في خانة الكهولة أو عندما يُطلق عليه «متقاعد». وكثيرون يُدفنون أحياء عندما يتركون مقاعد الإنتاج ويُستغنى عن خدماتهم. الدفن حياً يعني أن تنطوي الحياة وتنضوي قبل أوانها.


ليس بالضرورة أن يكون حكم الدفن حياً صادراً من المجتمع الذي تسود فيه قناعة ومفهوم الشيخوخة المبكرة، بل قد يكون قرار الدفن داخلياً يفرضه الإنسان ذاته وذلك هو أخطر أنواع الدفن حياً.

فالمرأة تدفن حية في سن مبكرة في مجتمعاتنا، والرجل يلحق بها في سن أكبر منها بعشر سنوات أو أزيد قليلاً.

المقصود أن قرار الدفن حياً جاهز ومسيطر على المشهد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

الخطورة تكمن في الاستعداد النفسي لدى المحكوم عليه بالدفن حياً؛ لأن هذا الاستعداد يُسارع في تفعيل أحكام الدفن حياً.

لهذا أقول لا تستسلموا لمفاهيم الكهولة وتبعاتها التي يفرضها المجتمع الشرقي، فكل عمر له بهجته ومرحه ونتاجه.

وقد أكدت الدراسات الحديثة أن عمليتي التعلم والتعليم عمليتان مستمرتان، لا تتوقفان في سن محددة ومعينة؛ فباستطاعة كبار السن أن يتعلموا تعليماً منتجاً، وخاصة أن سنوات العمر المتأخرة من أطول مراحل الحياة، وفي هذه المرحلة يصل المرء للحكمة والخبرة المتنوعة والواسعة ويصبح أكثر واقعية وعملياً.

وحتى لا يختلط الأمر لدى البعض يجدر أن ننوه بأن العملية الفيزيولوجية وهي الهرم الذي يصيب الكائنات الحية ليس موضوع المقال، علماً أن الطب الحديث تقدم وأصبح يعالج الكثير من الخلل والتلف في عمليات النظام الحيوي التي تحدث مع مرور الزمن.

الشيخوخة أصبحت علماً يُدرس يتناول النواحي الثقافية والديمغرافية والاقتصادية ودراسات الوعي والتغيرات الاجتماعية.

وعرفت الدراسات الحديثة أن الشيخوخة ليست مجرد عملية بدنية، بل هي أيضاً تغيرات جذرية في الأنشطة الاجتماعية والعلاقات والأدوار، وقد تصبح مرحلة يتم فيها انزواء الفرد عن المجتمع عندما يشعر بأنه أصبح أداة عاطلة غير فعالة.

هذا الشعور في حقيقته الدفن الحي الذي يجب أن لا يقع فيه الإنسان، لأن الحياة تتطلب ممارستها والتمتع بها وبزينتها وبهجتها، والحكمة والخبرة اللتان يكتسبهما المرء عبر السنين تستحق أن يتم توظيفها للعطاء ولمزيد من الإنتاج والتألق.

كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com