-A +A
بشرى فيصل السباعي
في بداية انتشار وباء كورونا لاحظ الأطباء والعلماء نمطا غريبا في المرضى يتسبب في نقل المريض الواحد العدوى لأكبر عدد ممكن من الناس، وتمثل في قيام المريض بالتصرف كأنه غير مصاب بكورونا وإن كانت فيه كل الأعراض، وقد يرفض حتى القيام بالكشف، وحتى إن كشف وظهرت النتيجة أنه مصاب بكورونا لا يكتفي بمتابعة روتينه اليومي بدون مراعاة إجراءات الحجر الصحي الذاتي، وحتى بدون وضع كمامة، إنما يقوم بنشاطات لا يقوم بها عادة مثل الذهاب للأماكن العامة التي فيها تجمعات وازدحام ويحضر مناسبات اجتماعية، حتى أن الأطباء طرحوا إمكانية أن يكون لكورونا النمط الذي يوجد في المخلوقات الطفيلية التي تتسبب بحالة يسميها العلماء حالة الزومبي -أي الجثمان الميت الذي تحركه قوى خارجية- ففي الكائن الذي يعيش فيه مخلوق طفيلي سواء أكان إنسانا أو حيوانا أو حشرة يقوم الطفيلي حرفيا بالتحكم بدماغه لدفعه لسلوكيات قاتلة بالنسبة له ولبقية نوعه لكنها مفيدة للطفيلي لمتابعة دورة تكاثره وحياته، لكن لا يبدو أن هذه الخاصية موجودة بفيروس كورونا، فما الذي إذن يسبب سلوك المرضى هذا؟ وطبعا مستثنى من ذلك من لديهم نزعة معادية للمجتمع ويتعمدون نشر العدوى، ثم أصحاب نظريات المؤامرة الذين يزعمون أن كورونا تمثيلية مفبركة من قوى شريرة خفية عالمية ولذا يرفضون التقيد بأي إجراءات وقاية وحجر صحي. سبب إنكار حقيقة كورونا بكل تلك الأوجه يوجد في علم النفس الذي رصد الحيل التي يتحايل بها «غرور الأنا» الغرائزي اللاواعي على صاحبه للتهرب من الإقرار بأنه أمام تهديد وجودي مادي أو معنوي لا يمكنه القضاء عليه ولا تأمين نفسه منه بشكل يزيل عنه المخاوف والتوتر تجاهه، و«غرور الأنا» نزعة غرائزية حمائية دفاعية لاواعية تحمي صاحبها من الأخطار المادية والمعنوية، ومن تلك الحيل؛ «الإنكار، النكران-Denial»، حيث يلجأ الشخص للتفكير وللتصرف بشكل ينكر فيه الحقائق الدامغة ويتصرف كأن ما يهدده ماديا ومعنويا بالنبذ ليس له وجوده ويحاول إثبات ذلك لنفسه وللآخرين بمتابعة نمطه المعتاد بل والمبالغة فيه، ولذا يجب توعية الناس بخطورة الانسياق وراء هذه النزعة النفسية اللاواعية وضرورة مقاومتها والتصرف بوعي، وتوعيتهم بالوزر الأخروي للتسبب بالعدوى للآخرين وما ينتج عنها من أضرار دائمة ووفاة، مع العلم أن حتى بعض المصابين بأمراض مهددة للحياة كالسرطان والإيدز أو العمى يصرون على نكران مرضهم والتصرف كأنهم أصحاء فيقوم الطبيب بتحويل المريض إلى العلاج النفسي حتى يقر بحقيقة مرضه.

كاتبة سعودية


bushra.sbe@gmail.com