-A +A
عبدالله الرشيد
انتفض فرج فودة غاضباً ذات مساء حين علم بقرار معرض القاهرة الدولي بمصادرة جميع كتب المستشار محمد سعيد العشماوي، اتصل على زميله حسين أمين، وقال محتداً: سمعت الخبر يا حسين.. معقولة! رد عليه حسين: نعم وقد آلمني وأحزنني أشد الحزن.

كان ذلك في يناير من عام 1992، حين افتتح الرئيس الراحل حسني مبارك الدورة الثالثة والعشرين من معرض القاهرة الدولي للكتاب، مرت أيام المعرض بشكل هادئ وطبيعي، لكن حدث أمر ساهم في رفع كتب العشماوي واسمه إلى صدارة المشهد الثقافي في مصر، حين قامت لجنة تابعة لمجمع البحوث الإسلامية (إحدى هيئات الأزهر) بمداهمة دار سيناء للنشر وصادرت خمسة من كتب العشماوي، وهي: «أصول الشريعة، الإسلام السياسي، الربا والفائدة في الإسلام، معالم الإسلام، الخلافة الإسلامية».


أثار هذا الخبر ضجة واسعة، ورغم أن كتب العشماوي كانت متوفرة في المكتبات قبل المعرض، إلا أن نبأ كهذا ساهم في تعريف الناس بها وازداد الإقبال عليها بشكل كبير بعد قرار المنع، وزاد ذلك من شهرة العشماوي، وذاع كتابه «الإسلام السياسي» على مستوى واسع بعد هذه الحادثة.

لكن فرج فودة حين غضب من قرار الأزهر وتدخله العجيب في مصادرة الكتب، لم يكن ذلك من أجل رفيقه في الكتابة والنهج، وإنما غضب لسبب غريب: «لماذا لم تقم لجنة الأزهر بمصادرة كتبه هو أيضاً؟». يتساءل مستهجناً: «لماذا لم يأمر مجمع الأزهر بحجب كتبي أيضاً رغم أنها تحوي من الأفكار ما هو أخطر ألف مرة مما ورد في كتب العشماوي، أم أن الأزهر يرى أن كتبي لا غبار عليها من الناحية الدينية، دي تبقى مصيبة».

ربما تكشف هذه الحالة عن جانب من الهوس الذي يطغى على بعض الكتاب حين ينغمسون في الصراع مع خصومهم، فتصبح الإثارة والفرقعة، وتأجيج غضب الخصم مطمعاً بحد ذاته، وربما تتسبب الأضواء الإعلامية، ومانشيتات الصحف في إثارة رغبة الكاتب نحو مزيد من المناكفة والمشاكسة ولو على حساب البحث العلمي الجاد، والطرح الرصين. لكن رغم ذلك كان فرج فودة يحاول أن يثقف نفسه في مجال الدراسات الإسلامية، واستطاع أن يحرج الإسلاميين بشكل كبير، وازداد حنقهم عليه حين نقض تفسيرهم المثالي للتاريخ الإسلامي في كتابه «الحقيقة الغائبة»، وأحرجهم في مناظراته الشهيرة، واستخدم نفس أسلوبهم في تأليف الكتب والكتيبات بأسلوب سهل مبسط ينتشر بين العامة.

يقول فودة في مكالمته مع حسين أمين حول مصادرة كتب العشماوي: «تخيل منذ أن أذيع الخبر وفي بحر ثلاثة أيام يا صديقي بيعت سبعة آلاف نسخة من كتاب (معالم الإسلام) وخمسة آلاف من كتاب (أصول الشريعة) وستة عشر ألف نسخة من كتاب (الخلافة الإسلامية) وهلم جرا.. والآن حين نفدت جميع كتبه، استعانت دار سيناء بثلاث مطابع في آن واحد لإعادة طبع الكتب، والمطابع تعمل ليل نهار كي توفرها في السوق في ظرف أسبوع واحد لتلبية الطلب المتزايد عليها».

وصل الأمر بفرج فودة أن يتهم العشماوي بأنه هو من دبر حادثة مصادرة الكتب هذه، «لا يوجد تفسير غير هذا، أكيد يا حسين أن العشماوي دفع مبلغاً ضخماً لجهة ما كي توصي مجمع البحوث الإسلامية بمصادرة كتبه، من المحال أن نجد تفسيراً غير هذا، والعشماوي يعرف أن الخبر سيحدث ضجة، وترتفع مبيعات كتبه، وتتهافت عليه الصحف والمجلات وقنوات التلفاز والإذاعات.. وإلا لماذا يصدر القرار بمصادرة كتب العشماوي فقط، ألم يسمعوا عن كتب حسين أمين، وفرج فودة، جتنا نيلة في حظنا الهباب.. الحقيقة أنني بدأت أغضب من العشماوي، كان من واجبه ونحن الثلاثة نجاهد في سبيل قضية واحدة أن يستشيرنا قبل إقدامه على الاتصال بمجمع البحوث، وأن يلفت نظر المجمع إلى كتبنا نحن أيضاً باعتبارها جديرة مثل كتبه بالمصادرة، والا الناس هاليومين كل واحد يالله نفسي وبس!».

رد عليه حسين: ممكن المجمع قرأ كتب العشماوي فقط، فأمر بمصادرتها، أو أنهم قرأوا كتبنا ووجدوها سليمة لا خطر منها.

لا يتمالك فودة نفسه: «كيف تكون سليمة لا خطر منها! احنا لازم نقابل شيوخ الأزهر ونوضح لهم وننبهم إلى أن كتبنا تحمل خطراً على المجتمع الإسلامي، ولا يمكن السكوت عليها.. سليمة لا خطر منها، يادي الفضيحة، دي إهانة، كيف أوري وجهي للناس والأزهر يعتبر كتبي سليمة لا خطر منها، ما جدواها، وما جدوى تعبي في كتابتها جتنا نيلة على هالحظ».

يعلق حسين أمين (الذي نشر محادثته مع فرج فودة في صحيفة الأهالي، ثم ضمنها في كتابه «شخصيات عرفتها») أن علاقته مع فودة قد فترت بعد أن نشر تفاصيل ما دار بينهما، ولم يحدث بينهما بعد ذلك سوى لقاء عابر مقتضب، «وذات يوم، صباح الثلاثاء 9 يونيو 1992، كنت في سيارتي متجهاً للغردقة، توقفت قليلاً لشراء صحيفة الأهرام، وإذا بالخبر المفجع يملأ الصفحة الأولى: «اغتيال المفكر الكبير فرج فودة مساء أمس، وفرار الجناة».