-A +A
مي خالد
يقول بلزاك: (هناك روايتان للتاريخ. الرواية الأولى للتاريخ هي الأكاذيب الرسمية والمليئة بالتلفيق التي يدرسها الطلاب في المدارس، والأخرى هي التاريخ السري الذي يضم الأسباب والحوادث الحقيقية).

لطالما آمنت بهذه الفكرة وحاولت الوصول للرواية التاريخية غير المدرسية خلال قراءاتي. وأؤمن أيضاً بأن التاريخ يكتبه القوي المنتصر ويسجل فيه سير الأبطال والعظماء والأذكياء وأصحاب السلطة والأثرياء وليس سير المهمشين والفقراء والضعفاء والنساء والطبقات الكادحة من المجتمعات.


وبغض النظر عن احتمالية التزييف والتمجيد للأقوياء عبر سرد سيرتهم الذاتية وذكر مثالبهم ومكارمهم وبطولاتهم يعتبر من الخلل والنقص عدم اكتمال صور المجتمعات وعرض هشاشتها ونقصها الذي يصبغها بطابعها البشري.

مرة أراد الأستاذ بجامعة السوربون: آلن كوربين، وهو أحد أهم المؤرخين الفرنسيين المعاصرين أن يكتب سيرة «لا أحد» أو نستطيع أن نقول إنها سيرة «أحد الأشخاص العاديين» فأعاد حياة رجل مجهول تاريخياً ومن قاع عصره. رجل لا يتمتع بذكاء خارق ولا قوة بدنية وليس صاحب مال أو جاه فهو مجرد إسكافي صانع أحذية وجد اسمه في السجلات المدنية الفرنسية للقرن التاسع عشر واسمه لويس فرانسوا بيناجوت.

والنتيجة كانت كتاب (حياة مجهول) وفيه صورة رائعة عن الطريقة التي عاش بها الناس على طول حافة الغابة خلال هذا العصر المضطرب والأحداث التاريخية الحاسمة في فرنسا والعالم.

وصف عبر تتبع سيرة الإسكافي المجهول كيفية حياة سكان هذا المجتمع الفريد وكيف كانوا يعملون معاً، وكيف تختلف الحياة في القرية والمدينة عن الحياة في الغابة التي يسكن على أطرافها الإسكافي المجهول. بل وكيف أثرت الكنيسة وتتابع الحكومات المختلفة في فرنسا على الحياة اليومية لهؤلاء الناس، وعلى حياة الإسكافي المجهول بشكل خاص.

هذا الكتاب هو محاولة فريدة لتصحيح سرديات التاريخ وهو محاولة جريئة وناجحة لمعالجة خلل تدوين التاريخ الذي يلقي بحياة الناس العاديين لمهاوي النسيان تحت عجلات الوقت فيختفون بالكامل وكأنه لا وجود لهم.

ختاماً أتمنى أن أقرأ عملاً مماثلاً لمؤرخ أو باحث عربي يتناول حياة رجل عادي أو امرأة وسيرتهما الذاتية.