-A +A
أسامة يماني
في بدايات القرن التاسع عشر شُغل عالمنا العربي بمفهوم «القومية العربية» الذي بدأ متواضعاً بمطالب محدودة وإصلاحات بعيدة عن المستعمر العثماني، تهدف لاستخدام أوسع للغة العربية في التعليم والإدارات المحلية، وإبقاء المجندين العرب في وقت السلم في خدمات محلية.

وفي بداية الخمسينات من القرن الماضي استغل الثوار العرب هذا المفهوم للانقلاب على الحكومات الشرعية بمباركة من القوى العظمى. وقد دمرت هذه الثورات النسيج الوطني في البلدان التي قامت فيها، وذلك من خلال الشعارات التي رفعتها بمرجعيات بعثية أو اشتراكية وخلافه.


كما استخدمت بريطانيا مفهوم الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) للولوج في النسيج الوطني لكل دول المنطقة وتقسيم الوطن وبث الفرقة بين الطوائف التي كانت تعيش في بيت واحد، ويجمعها الحرص على الوطن والحياة والمصير المشترك.

لقد وُظفت واُستعملت هذه المفاهيم لكي لا نواكب العصر الذي نعيشه. ونجح الغرب بأن يجعلنا نضرب العقل العربي بواسطة الإسلام السياسي وتوظيف المشاعر الدينية. وكذلك ضرب الفن والأدب والطب والمال، وانتشار طغيان التسلط والاستبداد. وكان العالم المتقدم هو المستفيد من هذا التخلف.

الطغيان آفة أخطر من الوباء والجائحة، ولهذا فإن الرأسمالية اليوم تقوم باستخدام هذا الوباء للسيطرة على مقدرات دول وشعوب العالم بمفاهيم جديدة، مثل شعر مستعار أو مكياج يُخفي العيوب ولا يظهر الحقيقة.

الفيلسوف الفرنسي «ميشيل أونفري» هو واحد من الساخرين والناقدين لسياسة التعامل مع أزمة كورونا، وهو يُطلق عليها «استعارة كورونا». ويقول: «إذا أردت أن أعبر عن نفسي الآن كصحافي، وبالتالي كسياسي، والعكس بالعكس، سأقول: البقية تأتي».

الحذر من أن نعيش مفاهيم ومفردات صنعها الوباء، بدون إعمال عقولنا. ومن المهم أن تكون لدينا رؤية تعتمد على التفكير والتمحيص والبحث والدراسة. وأن تكون لدينا مؤسسات علمية تُمكننا من اللحاق بعلوم العصر.

كورونا ليست مجرد وباء؛ فقد وجدت بهدف إعادة تشكيل العالم وتطوير أدوات تمكن الرأسمالية من فرض سيطرتها وإعادة ترتيب أوراقها.

هناك صراع بين قوى تُريد الهيمنة على الإنسان، وتسخير التكنولوجيا للسيطرة حتى على الحكومات وجعلها ترساً من تروس هذه المكينة التي لاترحم.

أرجو أن لا نُكرر الأخطاء وننساق خلف مفاهيم خاطئة أو توظيف أو تطبيق غير سليم لها. نحتاج أن ندرس التجربة بواقعية تُمكنا من فهم المسببات والعواقب السياسية والاقتصادية الناتجة عن هذه التجربة.

كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com