-A +A
سعود رويبح السلمي
«الموضوعية».. عماد المجتمعات الحديثة وضمان بقائها، ويتجلى ذلك في صحة البيانات والمعلومات ودقتها في مجال الأعمال والعلوم، وعلى المستوى المجتمعي أيضاً، إذ يعتاد أفراد المجتمع على حالة من الموضوعية في التناول تبتعد عن التهويل لجذب الاهتمام أو المغالطة لمجرد كسب الحوار.

أما «الغوغائية».. صفة المجتمع الذي يتملك أفراده الرغبة الدائمة في الظهور بمظهر من يعرفون كل شيء والعالمون ببواطن الأمور دون علم أو دراية، وإذا قلنا إنها «صفة» فهي أيضاً عقاب، لذا فإن محاربتها في أنفسنا وعقولنا واجبة.


ومن يدعي أنه يعرف كل شيء سوف يتوقف فوراً عن طلب أي معرفة جديدة أو مستحدثة، وذلك هو الباب الكبير للتخلف، وكذلك تهمل المعرفة الحقيقية، وبالتبعية طرق البحث عنها، وحين تعم «الغوغائية» يستشري الفساد ويصبح المجتمع فريسة لمن يفتي بلا علم، ومن يدلو بدلوه بلا ثقافة.

ومن المستحيل أن يكون الجميع خبراء في كل مجال وتخصص، ويعرفون ما لا تعرفه مراكز البحوث، مثلا البعض يظن أنه يعرف عن فايروس كورونا (كوفيد-19) ولقاحاته ما لا يعرفه الباحثون في المختبرات العالمية، وفي كرة القدم يعرفون ما لا يعرفه «يورجن كلوب» و«جوارديولا»، وفي صفحات التواصل الاجتماعي يظن البعض في نفسه أن الخبير في العلاقات الدولية المعقدة ومستقبل التنمية وفلسفة الاقتصاد ما تعجز عنه مراكز البحث والدراسات.

هذا «التوهم المعرفي» مرض، أو قل: ردة فعل مرضية خوفاً من مواجهة الذات الجاهلة، وعدم القدرة على مواجهة متطلبات المعرفة، وذلك هو الخلل في بناء الشخصية، ودليل أن المجتمع في حاجة إلى تعليم متطور لا يرتكز على الحفظ والتلقين، رغم أننا في زمن أصبحت وسائل المعرفة والبحث للجميع مجانية مقارنة بالعصور الماضية التي كان السفر لآلاف الكيلومترات من للحصول على معلومة.

ولذا؛ فإن شيوع «الموضوعية» وتبني الفكر النقدي الصحيح ضمان لوجود إطار للنقاشات المجدية، وضمان لإبعاد غير المتخصص عن أمور العامة، وضمان لوجود آلية صحيحة لفرز الحقيقة عن الوهم، وضمان إيجاد بيئة معلوماتية صحية لمتخذي القرار.

أخيراً.. فإن «الموضوعية» في التعامل مع المعلومات والأخبار هي رأس الحكمة في الحياة، ولا بد من زرعها في العقول لتحصين الأفراد من صراعات سوء الفهم، وتكشف عظم المسؤولية على كاهل المسؤول وتكبده في الوصول إلى القرار السليم، خصوصاً أن ديننا الحنيف نهى عن التحدث في أمور العامة بلا علم أو خبرة.