-A +A
عبداللطيف الضويحي
مع كل أزمة هناك خاسرون ورابحون، يتغير الرابحون ويختلفون من أزمة لأخرى، أما صغار المزارعين فهم الخاسرون دائماً في الأزمات وحتى في غير الأزمات، رغم أن الأزمات التي عصفت بالبشرية مؤخراً في مختلف دول العالم برهنت على حجم الدور المحلي المحوري الذي لعبه ويلعبه صغار المزارعين في مناطقهم، حيث أثبتوا أنهم صمام الأمان الغذائي وهم حراس فرص العمل وتماسك الاقتصاد بحدوده الدنيا، في ظل تأثر وتعطل سلاسل الإمداد. فمع جائحة كورونا ومع أزمة أوكرانيا، برهن صغار المزارعين ويبرهنون دورهم ويؤكدون على تأثير عملهم.

لا بد من الإشادة بالجهود التي تحاول من خلالها وزارة البيئة والمياه والزراعة مراعاة مثل برنامج ريف والذي صمم على ما يبدو للتعامل مع صغار المزارعين، لكن التأثير على ما يبدو لا يزال محدوداً، لأسباب إما مفاهيمية تتعلق إما بتصنيف صغار المزارعين اقتصادياً أو زراعياً ولكن بالتأكيد ليس اقتصادياً، أو أن المشكلة بعدم التفريق بين مفهوم صغار المزارعين والمزارع الصغيرة، وهذا لا يحقق الغرض ولا يحمي صغار المزارعين.


هناك حاجة ملحة لحماية صغار المزارعين ليس من الشركات والمشاريع الزراعية الكبيرة فحسب، وليس لضمان استمرار إمدادات الأسواق المحلية بالإنتاج الزراعي والحيواني وضمان تحقيق الأمن الغذائي وهذا مهم وطبيعي، لكن صغار المزارعين هم في الحقيقة وبصرف النظر وبعيداً عن الأزمات الطارئة، هم من أقل فئات المجتمع دخولاً ولا يتحصلون على مقابل عادل نظير عملهم ومجهوداتهم ومصروفاتهم التي يتكبدونها في مزارعهم، بل إن بعضهم ينفق على مزرعته أكثر مما يتحصل عليه منها، لولاً الارتباط العاطفي بالزراعة والشغف بهذه المهنة لهجروها تماماً.

إن أقل ما يمكن تقديمه وتوفيره وحماية صغار المزارعين به، هو تمليكهم حيازات زراعية بمساحات مناسبة وتمكينهم من الأدوات الزراعية الكافية وتمكينهم من البذور السليمة والشتلات الصالحة ومن وسائل المواصلات، والأهم تمكين كل منهم من مبسط في أسواق الخضار المحلية.

هناك حاجة لإعادة النظر بالرسوم التي يدفعها صغار المزارعين، فليس عدلاً مساواتهم بغيرهم من فئات المجتمع أو تلك التي تدفعها بقية شرائح المزارعين المقتدرين. كما أن هناك حاجة لحفظ حقوق صغار المزارعين وتبني ابتكاراتهم من خلال برامج حمائية خاصة يتم تنسيقها مع هيئة الملكية الفكرية، لأن الكثير من أفكار وابتكارات هؤلاء تذهب للنافذين والمقتدرين فلا يستفيد منها أصحابها الحقيقيون من صغار المزارعين. ومن هنا أدعو وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للمساعدة بجانب وزارة البيئة والمياه والزراعة لتمكين صغار المزارعين، بل وتشجيع بعض من يعيشون على الضمان الاجتماعي، كما أدعو لمساعدة بعض فئات المتقاعدين وفئات المجتمع الضعيفة وتمكينهم زراعياً ليكونوا من بين صغار المزارعين الممكنين اجتماعياً واقتصادياً ورقمياً ومالياً.

أخيراً، إن صغار المزارعين هم ضمير المجتمع، لأنهم يقفون على مسافة واحدة بين المنتجين والمستهلكين، إنهم حراس الغذاء ورغيف الخبز ضد المجاعات. كما أن صغار المزارعين هم صمام الأمان الاجتماعي والاقتصادي وقت الأزمات، ولهذا يجب أن نكافئهم كما يجب أو كما يستحقون، حتى لا تنقرض هذه الفئة ويفقد المجتمع المناعة ضد الأمراض الرأسمالية.