-A +A
حسين شبكشي
كلما قرأت عن خبر وفاة أحد القامات الكبرى في بلادنا، أتذكر دوما أن هذه النوعية من الرجال لا تعوض وسيرتها ستبقى خالدة معنا. هذا تماما ما ورد في خاطري وأنا أقرأ بحزن شديد عن وفاة السيد أحمد عبدالوهاب رحمه الله منذ أيام قليلة. كان السيد أحمد عبد الوهاب أحد قامات هذا الوطن المعطاء الذين ساهموا وبنجاح شديد وسمعة رائعة في أداء واجبهم تجاه وطنهم بتميز غير مسبوق، فأسّس لمنظومة المراسم الملكية، وكوّن نواة عمل بقيت معنا حتى اليوم.

ولد أحمد عبدالوهاب نائب الحرم وهذا اسمه الكامل في مكة المكرمة، وهو من أسرة مكية عريقة نسبا ومقاما وقدرا، تلقى تعليمه بين السعودية ومصر في مراحل التعليم المختلفة، وعمل في الدولة وأسّس فيها إدارة المراسم الملكية في عهد الملك الراحل فيصل، ثم استمر في منصبه مع الملك خالد وبدايات الملك فهد. كان الرجل معروفا بلباقة لسانه وحسن هندامه وأناقة تصرفاته. حظي بالثقة الهائلة من القيادة عبر مراحلها المختلفة، وكان ولاؤه أسطوريا ووفاؤه غير عادي، بالإضافة إلى ذلك كان مخزنا للذكريات والأسرار عن فترات عمله التي رفض أن يدوّنها في كتاب أو يسجّلها في حلقات تلفزيونية حرصا منه على مبدأ أن تلك الأمور كلها تقع من ضمن الأسرار التي أقسم على الحفاظ عليها في الدولة.


تأثر وبشدة من فترة عمله ووجوده القريب مرافقا الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، فاكتسب منه العديد من الصفات والخبرات والمهارات التي بقيت معه حتى رحيله، وبقيت هذه الشخصية الراحلة العظيمة الملك فيصل أكثر الشخصيات تأثيرا في حياة السيد أحمد عبدالوهاب. بعد خروجه من العمل الرسمي في الدولة اختار التقاعد التام وبقيت داره عامرة بالزوّار وأصبح له الدوري المعتاد الذي يستضيف فيه وجهاء وأعيان ومفكري البلد، وكنت محظيا بأن أكون ضمن زوّار هذا المجلس، الذي كان يحظى بحضور راقٍ وتنوع جميل كان يزيّن المجلس بقصصه ونوادره ودعاباته وطرائفه التي أصبحت أرشفة جميلة لذاكرة الوطن في خلال فترة عمله.

كان للسيد أحمد عبدالوهاب حضور اجتماعي لافت ومميز، وكان يتصدّر المجلس بقامته الممشوقة العالية وهندامه المميز بثيابه القفطان والصديري الملون ومنديل الجيب البارز فيه الذي أصبح من سمات أناقته وبصمته التي اعتاد عليها أحباؤه ومعارفه. بالإضافة إلى نوادره وقصصه المليئة بالمواقف الجميلة واللمحات التاريخية الفريدة من نوعها باعتباره عاصر أحداثا صنعت التاريخ في السعودية وفي المنطقة. كان محبا لبلاده ووطنه وأفنى عمره في خدمته، وترك سيرة عطرة لمحبيه ومعارفه ستبقى خالدة تتناقلها الأجيال تلو الأجيال.

رحيل السيد أحمد عبدالوهاب هو شهادة في حق رجال قاموا بالمساهمة في بناء مؤسسات هذا البلد المعطاء، وتركوا لمحات وآثارا وبصمات لا يمكن أن تنسى، والسيد أحمد عبدالوهاب كان أحد هؤلاء الأفذاذ الذين سجلوا اسمهم بحروف من نور في صفحات التاريخ. رحم الله السيد أحمد عبدالوهاب رحمة واسعة وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.