-A +A
صدقة يحيى فاضل
عند محاولة فهم ما يجري، وسيجري، في المنطقة العربية بالذات، لا بد من التذكير بأن: فهم – وتوقع – ما سيجري بهذه المنطقة يسهل إن فهمت حقائق وأطر نظرية معينة، أهمها: نظريات: الاستعمار الجديد، النظام العالمي الراهن، الحركة الصهيونية، الحكومات المختلفة، سياسة القوى الكبرى نحو المنطقة... فمن العبث محاولة فهم قضايا هذه المنطقة وما ماثلها (فهما صحيحا) دون فهم هذه النظريات (والحقائق) العامة التي تقع الأحداث في إطارها. وتطبيق هذه الأطر، والنظر من خلالها، لا ينبئ بخير، من وجهة نظر المصلحة العربية.

ونحتاج ذلك في سعينا الآن للتكهن بأهم ما يحمله العام الجديد 2022م من تطورات سياسية. ويعتبر العالم العربي – بصفة عامة – وباستثناء بعض أجزائه، أقل مناطق العالم احتمالا للنهوض، إن استمر فكره وتكوينه السياسي، كما هو. هذا ما يردده معظم الخبراء المعنيين، ويقدمون براهين عليه. لذا، يتوقع أن يستمر حال أغلب العالم العربي – بصفة عامة – على ما هو عليه، في المدى المنظور... باعتبار طبيعة «النظام العالمي» الراهن، وتوجهات الغرب المتنفذ الاقتصادية والسياسية الانتهازية. وكذلك استتباب «العوائق الذاتية» المعروفة، التي يعاني منها جل هذا العالم.


****

أما «القضايا» الساخنة، التي تشهدها المنطقة الآن، فستظل – على الأرجح – مستمرة في المدى القصير. وأهمها - كما هو معروف - ما تبقى من أحداث وتطورات الربيع الفوضوي العربي، ثم قضية فلسطين، فالوضع المتوتر الخطير في منطقة الخليج بين إيران وأمريكا، بشأن الملف النووي الإيراني، والتنافس السياسي - الاقتصادي الأمريكي - الصيني بالمنطقة، وغيره. ثم الأوضاع المضطربة في كل من: العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، اليمن، السودان، الصومال. إضافة إلى قضايا الإصلاح والتنمية، ومكافحة الإرهاب، وما يرتبط بها من أحداث... وهذه قضايا يمكن فهم جوهرها، وتوجهاتها المستقبلية، بموضوعية - عبر فهم الأطر العلمية المشار إليها آنفا.

ويبدو أن سنة 2022م حبلى بمشاكل وأزمات خطيرة (بعضها بالمنطقة العربية)... جير معظمها لها العام المنصرم... فهي أزمات قديمة – جديدة. الأمر الذي يبقي الشرق الأوسط بخاصة، كأكثر مناطق العالم سخونة والتهابا، وقابلية للاضطرابات والقلاقل والحروب، في الوقت الحاضر. وأهم ما يجعله كذلك هما: المسببان العتيدان، وبخاصة الأطماع الإمبريالية – الصهيونية فيه، والاستبداد السياسي، وتخبط أغلب أجزائه – فكريا وسلوكيا.

ولا يتوقع أن تنتهي الاضطرابات السياسية في دول المنطقة المضطربة قريبا. ولا يتوقع أن تتخلى إيران، بالفعل، عن سياساتها (التوسعية العدوانية) ولا عن طموحاتها النووية. ولا يتوقع أن تجنح إسرائيل للسلم. ومن التطورات الإيجابية القليلة المفرحة، التي ستشهدها المنطقة في السنة الجديدة، انعقاد مباريات كأس العالم - لأول مرة - بقطر، وعودة العلاقات الخليجية – الخليجية إلى الوئام والتلاحم الأخوي. وذلك، سيسلط أنظار العالم أكثر على المنطقة، وعلى ما فيها من إشكاليات.

****

وبالنسبة للقضايا الإقليمية الأكبر، يؤكد المراقبون أنه طالما استمر الكيان الصهيوني في سياساته الاستيطانية والعدوانية، فلن تشهد المنطقة أمنا أو استقرارا حقيقيين. إسرائيل، لا تريد سلاما، ولا تستطيع العيش، كما يبدو، دون عدوان وهيمنة. لم يمر يوم واحد دون وجود عدوان صهيوني من نوع ما، على هذه الأمة، منذ قيام إسرائيل عام 1948م. وهي الآن تمتلك أكثر من 250 رأسا نوويا، موجهة – بالفعل – لمعظم بلاد المنطقة، وتستخدمها (على مدار الساعة) لإرهاب وابتزاز وتهديد شعوب المنطقة، ثم تدعي أن امتلاك أي طرف لقنابل نووية، أو غيرها، يهدد أمنها...؟!

وسيظل هذا الخطر النووي الماثل من أهم مهددات الأمن القومي العربي. وقد يقود لإشعال حروب مدمرة بالمنطقة. إن كل الدول العربية – تقريبا – ومعظم دول العالم، هي قطعا ضد امتلاك إسرائيل، أو إيران، أو غيرهما، أسلحة نووية. ويجب أن يعمل على تحقيق هذا الهدف بكل الطرق الممكنة، وبحيث يشمل كل دول المنطقة، لا سيما أن للاستخدام الضمني للسلاح النووي فاعلية تعادل فاعلية استخدامه الفعلي. ولكن هذا التوجه النبيل يصطدم بالموقف الصهيوني، الذي يقول لسان حاله: لإسرائيل أن تحتكر كل أسلحة الدمار الشامل بالمنطقة، لتهيمن على المنطقة ومقدراتها، وأن تكون هي الآمرة الناهية بها، وعلى العالم التسليم بذلك...؟!

****

ولا شك أن لإيران، هي الأخرى، سياسات توسعية عدوانية مرفوضة. وهذه السياسات يتوقع استمرارها. والمؤمل ألا ينتج عن رفض ومقاومة هذه السياسات الإيرانية ميل للهيمنة النووية الصهيونية المبيتة والمتوثبة، إذ لا يتصور أن يأمن عاقل جانب إسرائيل، طالما بقيت سياساتها تجاه العرب كما هي عليه. وذلك هو أحد أخطر التحديات التي تواجه العرب الآن. وهو تحد قديم – جديد... قد يكون في عام 2022م أكثر حضورا. إضافة للتحديات الأخرى المعروفة، وفي مقدمتها المشاكل الناجمة عن الاستبداد والطائفية والمذهبية.

ولقد شهدت السنوات الأخيرة إحياء مدروسا لـ«الطائفية» و«المذهبية»، أعد للمنطقة، وتجسد في «حركات» مشبوهة معروفة. ولا شك أن أعداء شعوب هذه المنطقة هم من بادر بإشعال فتيل الطائفية، وصب المزيد من الزيت على نار المذهبية... فالخلافات والصراعات الطائفية والمذهبية هي أكثر الوسائل فاعلية في تمزيق المنطقة، وشرذمتها أكثر... انطلاقا من رغبة هؤلاء في الإمعان في تجزيء المجزأ، وتمزيق الممزق. فالهدف إضعاف المنطقة، وجعلها أكثر قابلية لسيطرة الطامعين. وذلك هدف صهيوني – استعماري لا يمكن تجاهله.

ما زالت الفتن الطائفية والمذهبية تكشر عن أنيابها... في كثير من أرجاء المنطقة، بسبب أن معظم البيئة العربية مهيأة، مع الأسف، لهذه الخلافات. وبسبب عدم الاهتمام اللازم بإقامة «الدولة المدنية»، التي تستوعب الجميع، مهما اختلفوا، في إطار قانوني متين واحد. الدولة المدنية تعطى مناعة تامة من سكين الطائفية، وخنجر المذهبية. ولا يمكن لسكين الأعداء أن يكون ناجعا، لولا قابلية الضحايا للذبح... وما أحوج المنطقة لتذكر هذه الحقيقة، خاصة في هذه المرحلة. وهناك - بالطبع - مشاكل وأزمات أخرى، قابلة للاشتعال والتفاقم، في العام الجديد 2022م. ولمحدودية الحيز المتاح، نكتفي هنا بالإشارة. ولم يكن القصد تغليب روح التشاؤم، في هذا المقال، على روح التفاؤل. ولكن الواقع، وضرورة تسمية الأشياء بمسمياتها يفرضان المصارحة. وكل عام وأنتم بخير.