-A +A
حمود أبوطالب
منذ قيام إسرائيل كان الدم الفلسطيني ضحية آلتها العسكرية التوسعية الغاشمة، لكنه لاحقاً أصبح ضحية المناكفات والمنافسة بين الأحزاب الإسرائيلية لتحقيق المكاسب السياسية، لنصل إلى المرحلة الأسوأ عندما شاركت في سفكه بطريقة غير مباشرة الأطراف السياسية الفلسطينية من خلال تنافسها غير النزيه لقيادة الشعب الفلسطيني وتمثيل قضيته. ومنذ تصدر حركة حماس للمشهد السياسي الفلسطيني أصبح الوضع أكثر سوءاً لأسباب كثيرة منها أدلجة القضية الفلسطينية، وإخراجها من عمقها العربي كقضية عربية وطنية محضة لتصبح ورقة شعاراتية للأطراف التي ترتبط بها حماس كإيران وتركيا وتنظيم الإخوان الدولي، وبهذا تمضي القضية في طريق التعويم والتشتيت لتنخفض تدريجيا أهميتها في الوجدان العربي، وهو هدف إستراتيجي خطير يجب التنبه له.

المواجهة الجديدة التي تدور رحاها بين إسرائيل وحماس سببها الأساسي سياسي بحت، فقد تم توظيف قضية حي الشيخ جراح من قبل الطرفين. استغل نتنياهو القضية للتصعيد بعد تكليف الرئيس الإسرائيلي زعيم المعارضة لإزاحته، وأدى هذا التصعيد إلى مسارعة زعيم حزب يمينا إلى قبول تشكيل الحكومة مع نتنياهو ليضمن ٥٩ صوتاً في الكنيست، ويحتاج إلى صوتين فقط للغالبية. وفي الجانب الآخر، وبعكس ما حدث في المواجهات الثلاث السابقة، سارعت حماس لتوظيف قضية حي الشيخ جراح والقدس كأساس لخطابها هذه المرة، بعد قرار الرئيس محمود عباس تأجيل الانتخابات التي لا تريد حماس تأجيلها، ولذلك سحبت القضية المقدسية إلى غزة وأشعلت المواجهة، لتكون النتيجة كالعادة الدمار والدم المسفوك عبثاً.


إن الحقيقة التي لا يصح تجاهلها أن الشعب الفلسطيني مثلما هو منكوب بالاحتلال الإسرائيلي الصهيوني العنصري الغاشم، فإنه مبتلى أيضاً بالذين يمثلونه الآن، فالسلطة الفلسطينية الرسمية مترهلة ضعيفة، وعاجزة عن تحقيق أدنى ما يمكن تحقيقه، وحماس التي اغتصبت السلطة في غزة بالإضافة إلى حماقاتها التي أضافت إلى عذابات أهل غزة والفلسطينيين عموماً، تدور في فلك غير عربي، ممتطية مركبة الأيديولوجيا التي تربطها بأجندات خارجية تريد وضع يدها على قضايا العرب، وفلسطين أولها.

ومن هذه المعطيات، لا يمكن للشعب الفلسطيني أن ينجو من هذه الحرائق المتتالية إلا بالسعي الجاد لتغيير من يمثلونه، إنه يحتاج بالضرورة إلى قيادة وطنية جديدة موحدة خالية من أوبئة السابقين، الذين يتشدقون بقضيته وهم يعملون ضدها، وضد عمقها العربي، ومكانتها في الوجدان العربي والضمير الإنساني.