-A +A
ريم بنت عبدالخالق
يتضح لي يوماً بعد يوم أن ما يناله الإنسان يتناسب تناسباً طردياً مع ثقته بمدى استحقاقه للأفضل، فكلما ارتفع شعورك بمدى أحقيتك لحياة أجمل قادك ذلك إلى السعي الحثيث وإطلاق العنان لطاقاتك، وجعل تركيزك ينصب على الفرص الأفضل إن لم يكن باغتنامها فقط سيكون بخلقها.

إن هذه الأرض التي عشقها أجدادنا في سنوات الشتات وشظف العيش، وتمسكوا بالحياة فيها حين كانوا يربطون بطونهم من الجوع ويموت فيها أبناؤهم من الجهل والمرض وقلة الحال، وتشققت أقدامهم وهم يضربون في أصقاعها حفاة ما بين صحاريها وجبالها ووهادها وشواطئها يلتمسون الرزق دون أن يساوموا يوماً على ذرة من ترابها، ظلت معشوقتهم التي ذادوا عن حياضها بهيبة سيوفهم حتى قبل أن يجردوها.


هذا العشق الموروث جيلاً بعد جيل ليس هو فقط ما يربطنا بهذه الأرض الطاهرة، ولم يعد هو فقط رصيدنا من الولاء والانتماء لها، ولكن ما يحدث اليوم من حالة بعث للطاقات والموارد وما يمكنني أن أسميه بـ «عصر الصحوة الحقيقية» هو ما يعزز هذا العشق وهذا الانتماء والولاء.

وإذا نظرنا إلى الرائدات السعوديات من الأجيال التي سبقتنا واللاتِي تركن بصمة لا يستهان بها في التعليم والصحة والآداب والفنون والاقتصاد، وتمعنّا في مسيرتهن المشرفة وكفاحهن في ظل مجتمع يرفض أكثر مما يتقبل كل ما يتعلق بظهور المرأة للعلن واعتلائها منصات النجاح، فإنه من المنصف والجلي أن نسمي ما يحدث في هذه المرحلة التي نعيشها حالياً تمكيناً للمرأة السعودية، فالسعوديات منذ أجيال وهنّ يحصدن الدرجات العلمية والمناصب وقد تميزن بالذكاء والقوة والصبر والإبداع في العديد من المجالات، إنما ما يحدث حقيقة - من وجهة نظري - بقدر ما هو تمكين لها فإنه يتزامن مع عدم التمكين لكل ما يقف ومن يقف في طريق انطلاقها إلى مجدها ومشاركتها الفاعلة على نطاق أوسع في مجتمعها ووطنها وذلك بقرارات سيادية لم تترك مجالاً للجدل العقيم أو الاعتراض.

إن الجيل الحالي من السعوديات هن الأوفر حظاً من بين كل الأجيال التي سبقتهن، فصوتهن مسموع ومشاركتهن بارزة ونصيبهن في سوق العمل محفوظ.

هذه القوة الناعمة الجبارة التي لم يُتَح لها فيما مضى سوى القيام بأدوار غير مباشرة عن طريق تعليم الأجيال القادمة وتربيتهم - إلا ما ندر ممن استطعن الخروج عن المألوف والمساهمة بأشكال أخرى في تحريك عجلة التنمية - ورغم ثقل مهام التربية والتعليم إلا أن المرأة مصدر طاقة متجددة وضخمة لا يستهان بها ولا بعطاءاتها ولا مثابرتها وإصرارها وكان لا بد من استثمارها وعدم إهدارها.

إن السماح للمرأة بالانطلاق بفاعلية حالياً في كافة المجالات بلا استثناء سواء أمنية أو سياسية أو دبلوماسية أو حتى التوسع في أدوارها في المجالات التي سبق وأن خاضت غمارها.. يعكس مدى قوة التغيير الذي طال انتظارنا له وجاء على قدر طموحاتنا، فهذه الفرص كانت معظمها - وليس كلها - موجودة فيما مضى وسُمِحَ لها بالمشاركة فيها، ولكن كان لا بد للمرأة حينها أن تقف في وجه الريح وتتخطى سدوداً وحواجز قاهرة، وإن أسعفتها عزيمتها كانت تعرقلها القوانين والأعراف المتوارثة وتتكالب عليها فلا تنصفها.

هذه العراقيل والموانع هي التي صنعت من جيلي جيلاً يحمل طموحات مخفية ويقص أجنحة أحلامه حتى يتمكن من حشرها في القوالب النمطية الموروثة لتعيش هذه الأحلام مقصوصة الجناح داخل حدود معينة لا يمكن تجاوزها.

إن الصحوة الحقيقية الحالية تكمن في إعادة حق المرأة الذي كفلته لها الشريعة الحقيقية التي أكدت أن النساء شقائق الرجال، قبل أن تشوَّه هذه الحقيقة بتقاليد وقوانين ومحظورات لا تمُتّ للإسلام الحقيقي بصلة بل العكس.

فأصبحت المرأة السعودية الآن تعيش في بيئة تتلاءم مع مستوى وعيها وثقافتها وقدراتها الجبارة على العطاء باحترافية وحب وإبداع وتميز استطاعت أن تثبته في وقت قياسي وبصورة تفوق التوقعات.

وإذا تحدثنا عن المنطق فأنا أتذكر العبارة الشهيرة التي جاءت على لسان القديرة سهير البابلي في مسرحية «مدرسة المشاغبين» حين سألت تلميذها: (تعرف ايه عن المنطق؟ ) وفِي حين لم تصل هي لإجابة فقد وجدتُها أنا باختصار حين أبدت ابنتي العشرينية رغبتها بأن تنهي سنوات غربتها وتعود إلى الوطن لتكمل دراستها العليا وتبحث عن عمل داخل المملكة، وبعدما عشنا أجيالاً كانت تتوسل فيها الفتاة إلى أهلها لتغادر الوطن للدراسة أو العمل، فالمنطق يخبرني هنا أن التغيير قد حدث فعلاً وأن الفتاة السعودية متاح لها الآن المساهمة الحقيقية في نهضة بلادها ورفع اسمه عالياً في شتى المحافل والإبقاء عليه في مصاف الدول العظمى يداً بيد مع أبيها وأخيها وابنها، وأصبحت المواطنة السعودية مواطنة حقيقية وليست مواطنة مع وقف التنفيذ بعدما كان محجوراً على فكرها وطاقاتها ومحجوراً أيضاً على التعبير عن عشقها لهذا الوطن ورغبتها في الانخراط بين تروس آلة التنمية بسبب قوانين كانت تقيّد انطلاقتها وأعراف اجتماعية سُمِح لها أن تصبح ديدناً لا يصح الخروج عنه أو التمرد على نمطيته.

وستبقى المرأة السعودية.. هذه المهرة الأصيلة التي تسابق الزمن وتمتطي رياح التغيير.. ووجهتها اللا مستحيل.. في ظل قيادة حكيمة وبعيدة النظر أنصفتها فجنت معها انتصاراتها وفخرت بها كما سنفخر جميعاً بأننا كنّا جزءاً من عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي اختار بذكائه الفذ أن يراهن على المرأة السعودية.. هذه المهرة الرابحة تتقن لغة الإنجازات وفنون تخطي الحواجز ولا تعرف الخسارة أبداً..

* تأكيد:

إنتِ ما مثلك بهالدنيا بلد..

والله ما مثلك بهالدنيا بلد..

بدر بن عبد المحسن

كاتبة سعودية

r.a.k.saudiarabia@gmail.com