-A +A
بدر بن سعود
شاركت أعداد كبيرة في تشييع جثمان قاسم سليماني، وهذه المراسم تمت في مجموعة من المدن الإيرانية، وربما تفوقت في رمزيتها التاريخية وفي كثافتها العددية، على الأعداد التي شيعت الخميني، عراب الثورة الإيرانية وقائدها الأكبر، وسليماني ليس من بين الشخصيات الأقليمية المعروفة في المجتمعات الغربية، مع أن خدمته في الحرس الثوري الإيراني طويلة وتمتد لأربعين سنة، وقد يكون بن لادن والبغدادي والحوثي وغيرهم أكثر حضوراً وأهمية، رغم أن المؤشرات الحالية تؤكد تورط بعض هؤلاء معه، ويمكن القول وبارتياح كامل بعد التطورات الأخيرة، أن تركيا وحركة حماس والحوثي والمليشيات الشيعية في سوريا والعراق ولبنان، كانت تعتبره زعيماً وقائداً وموجهاً وداعماً لمشاريعها في المنطقة، وأنها تأثرت جداً بغيابه.

نستطيع وضع سليماني في صفحة واحدة مع هتلر وستالين وأشباههم، فهو يمثل القائد الميداني والعملياتي الأول لكل ما تقوم به إيران في المنطقة العربية، وتقديراً لجهوده الاستثنائية منحة خامنئي وسام ذو الفقار، والأخير يعتبر أرفع وسام عسكري إيراني، ويعود تاريخه لأيام الحكم القاجاري الذي استحداثه في سنة 1856 ولم يمنح منذ قيام دولة الملالي إلا لسليماني، ولعل البكائيات العربية تظهر مكانته الخاصة في نفوس أصحاب الأجندات، وقد وصفه أردوغان بالشهيد ثم تراجع، وهنية رئيس المكتب السياسي لحماس، أطلق عليه لقب شهيد القدس، مع أنه قام بكل الأعمال الممكنة ضد العرب، ولم يقم بعمل واحد لمصلحة فلسطين، والصحيح أن «شهيد القدس» رتب حصار وقتل الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وهجّر الملايين وقتل مئات الآلاف في سوريا والعراق.


سليماني خضع لأسطرة إيرانية مدروسة، وبأسلوب أسطرة الجندي الأمريكي الذي لا يقهر في أفلام هوليود، وهو صاحب شهرة وشعبية كبيرة في إيران، ويمثل مادة مركزية لوثائقيات وتقارير إخبارية إيرانية، وقد هندس حرب العراق الأهلية بعد خروج الحاكم المؤقت بريمر وانسحاب الأمريكان، وبعد إحلال التشيع محل التسلط السني الذي استمر لألف سنة، تنفيذاً لرغبة الإدارة الأمريكية أيام دبليو بوش، أو كما قال بول بريمر في مقطع فيديو متداول على منصات التواصل، وهذه الحرب أخرجت تنظيم داعش وجبهة النصرة وبقية التنظيمات السنية المتطرفة، وقد استثمر سليماني في النموذج السني المتطرف وعمل على دعمه في سوريا والعراق، ويجوز أنه ساهم في الدعاية لإعدامات داعش الهمجية وغير المنطقية، وبعد أن احتقن العالم بما فيه المسلمون السنة ضد الإسلام السني المتطرف، جاء بالحشد الشعبي صاحب الخط الشيعي المتطرف لينقذ الموقف ويشل داعش وبقية التنظيمات السنية.

هناك من يعتقد أن سليماني وخامنئي كانا وراء ارتباك العلاقة بين أمريكا وإيران، وأنهما جعلا من الدولة الفارسية قوة مهيمنة على القرار السياسي في 4 عواصم عربية، وهذا الأمر أزعج ترمب وإدارته، وساهم بشكل أساسي في خروج أمريكا من الاتفاق النووي، وفي إعادة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، ما أدى بالتالي إلى تراجع الاقتصاد الإيراني وارتفاع معدلات البطالة، ورفع العقوبات ساهم في تحقيق نمو للاقتصاد الإيراني بمقدار 12% إلا أنه لم يعمر طويلاً، وقد نختلف حول ترمب، ولكن لا نستطيع التشكيك في أنه أعاد لأمريكا هيبتها المفقودة، ومن الأمثلة، تأديب إيران ووكلائها وإجبار الصين والمكسيك وكندا على التفاوض، ومعها دول الناتو وأردوغان المتعجرف.

الأمريكان لم ينتبهوا إلى خطورة الحرس الثوري الإيراني إلا في سنة 2019، وكان أن وضعوه ومعه فيلق القدس في قائمة المنظمات الإرهابية، ومن المرجح أن إيران تعمدت استفزاز الولايات المتحدة بتفجيرات السفارة في العراق، وكانت تؤمل في رد أمريكي يشحن الشارع العراقي ضد الأمريكان، ويحول الغضب الشعبي عن تحكم إيران في الإرادة العراقية، والذي ترجمه إحراق شيعة العراق للقنصلية الإيرانية بالنجف في نوفمبر 2019، ولإشغال الايرانيين أنفسهم وإبعادهم عن التفكير في ممارسات الأجهزة الأمنية، ومن بينها الحرس الثوري، تجاه من قاموا بالتظاهر ضد حكم الملالي والأوضاع الاقتصادية المتردية، وتصفيتها لأكثر من 1500 شخص، بالإضافة لاعتقال ما يتجاوز 7000 ولكنها لم تنجح.