العقل هو أغلى وأهم الأعضاء لمعظم البشر...حوالى 23 ألف مليون خلية مضغوطة بإحكام في عضو بحجم "خربز" الطائف، خلايا رائعة التركيب واتصالات على أعلى المستويات...كل خلية ممكن أن "تشبك" مع حوالى 25 ألف خلية أخرى... وتخصصات عجيبة جدا فى جغرافيا الحواس الرائعة...نظر هنا، وسمع هناك، وشم، ولمس، وتذوق، وتوازن...وسبحان الخالق في هذه المعجزات الرائعة...عقلي يملي هذه الكلمات، وعقلك يترجمها ليبدأ التخاطب بيننا بهجرة مجموعات من ذرات الصوديوم من مكان إلى آخر وبعض من ذرات البوتاسيوم من مكان إلى آخر بإرادة الله...وقد يقرر عقلك أن لا يكمل المقال...وقد يواجه صعوبات في إكمالها بسبب مداخلات من هنا وهناك...مداخلات تنافس كل ما نفعل وكل ما نحاول انجازه...بدأت عملي في الخامسة صباحا لأن هذا وقت الهدوء...البزورة نائمون وهواتفي نائمة، وحتى جهازي الهضمي لم يصل إلى مرحلة المطالبات...خلال حوالى ساعتين من الآن سيكون منزلي مليئا بالحركة، وهاتفي نشطا، وحتى الإشارات الصادرة من معدتي ستنافس الأفكار الأساسية للمقال...فول وبيض وشاهي وعسل قبل إكمال الكتابة...كيف نركز في وسط هذه "الهيصة"؟ ولكن هناك المزيد، وهو أخطر من كل ما ذكر، فعلى طرقات جدة نلاحظ ضياع التركيز المنعكس في سلوكيات القيادة...وبصراحة ألجأ إلى خداع نفسي أحيانا فأتخيل أن السيارات هي التي تتصرف بلقافة لكي لا أفقد احترامي للعقل البشري...يعنى الخطأ على الكابرس والجمس والكامري «وغيرهم والله يصلح حالهم»...ومن أهم قواعد قيادة السيارة الحكيمة أن تلتزم بالبعد عن أي سائق يبدو أنه في حالة خصام مع زوجته...أو زوجته وأطفاله...أو زوجته وأطفاله وحماته طبعا...على أية سرعة ...فكر في ضياع التركيز بداخل مقصورة الركاب...طبعا كل هذا في جانب، واستخدام الجوال أثناء القيادة في جانب آخر... وأعتقد والله أعلم أنه ممكن أن يصنف بأنه من أكبر الأخطار على البشر في المرور... وفى رأيي الشخصي، ممكن أن يصنف مقدار الخطورة لمستخدمي الجوال بالنظر إلى زوايا رؤوسهم نسبة إلى أكتافهم، فكلما كانت درجة ميل الرأس أكبر إلى اليمين أو اليسار أو الأمام أو الخلف، زادت الخطورة ...فضلا لاحظها...ومن جانب آخر فأحد الإخوة الذين أعرفهم يعشق الحديث إلى ركاب سيارته أثناء القيادة، ويصر على الالتزام بآداب الحديث فينظر إليك أثناء الكلام بين كل حين وآخر...قمة الرعب...والله أعلم كم شخصا أصبحوا ضحايا عدم تركيزه، ولكن هناك جانبا طريفا في الموضوع فهو من الأطباء النشطين، وأكيد أنه أنقذ أعدادا من البشر أكثر بكثير من أولئك الذين أصابهم بشكل مباشر أو غير مباشر...وعدم القدرة على التركيز من أخطر المشاكل التي يصعب التخلص منها للبعض وأذكر أيضا أن أحد طلبتي كان يعاني منها وقررت أن أكلمه بصراحة في الموضوع فقلت له يافلان الموضوع بسيط لأن لديك خيارين فقط: أما أن تبطل أحلام اليقظة وتركز، أو سترسب في كل ما تفعله في حياتك... فجاء رده بكل هدوء "عفوا وما البديل الثالث؟" ...طبعا التركيز لا يضمن أننا سنفكر بسرعة الضوء...وبالمناسبة فسرعة الضوء ممكن أن تكون بطيئة فأسير بسيارتي في جدة في بعض الأحيان بسرعة تفوق سرعة الضوء أحيانا...دعوني أوضح هنا أنني أتحدث عن سرعة الضوء عبر ذرات الصوديوم وعلى درجة حرارة 272 درجة تحت الصفر والتي ممكن أن تصل إلى ستين كيلومترا في الساعة مع العلم بأن سرعة الضوء العادية في الهواء هي حوالى ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية الواحدة...عفوا فقد فقدت التركيز على موضوع المقال ودخلت في موضوع سرعة الضوء.
أمنيــة
هناك ما هو أخطر من كل ما جاء أعلاه وهو عدم التركيز على الأولويات من قبل أمم بأكملها ...ومن تلك الأولويات أن المكتسبات الحقيقية والأهم لجميع جهود التنمية محورها الإنسان أولا...ومنها مساعدة المظلومين والضعفاء سواء كانوا في آخر الشارع أو في القدس وغزة...أتمنى أن نركز على أولوياتنا الإنسانية أولا، وممكن أن نبدأ فورا فأبواب الخير مفتوحة في بلدنا لمن يريد أن يساعد لعمل الخير بماله وجهده ووقته وقلبه.. ويحتوى المقال على 595 كلمة، ولو كنت قد ركزت في كتابتي فكان من الممكن أن أقدم نفس الرسالة في حوالى نصف عدد الكلمات، فأرجو عدم المؤاخذة لأن إفطاري جاهز.
والله من وراء القصد.
أخبار ذات صلة