أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/1833.jpg?v=1764063993&w=220&q=100&f=webp

علي السعدوني

طيبة المطيبة.. حين يفتح القلب بابه

ما إن وطئت قدماي ثرى المدينة المنورة حتى أحسست أنّ قلبي يسبقني إليها شوقًا، كأنّ الروح تُساق إلى مألفها الأول، وإلى الرحاب التي تطهّرت بأنفاس المصطفى صلى الله عليه وسلم، كانت الطريق المؤدية إليها تبدو لي كأنّها صفحة من نور تُهيّئ الوافد لاستقبال ما ينتظره من سكينة وطمأنينة، وما إن دخلت حدودها حتى انكشف أمامي وجهٌ آخر من البهاء، وجهٌ تصنعه القلوب قبل الأبنية، وتصوغه السجايا قبل المظاهر. لقد أحسست في تلك اللحظات بأنّي لا أعبر مدينة كبقية المدن، بل أدخل عالمًا من الطهر اختاره الله ليكون مهاجر خاتم الأنبياء، ومهبط السكينة، ودار الأنصار الذين قدّموا للعالم أوّل درس في الإيثار والوفاء.


وفي إمارة المدينة المنورة وجدت ما يدهش القلب قبل العين، فقد كانت حفاوة الاستقبال أشبه بحديقة من المشاعر النبيلة، تتفتّح في وجوه القادمين دون تكلّف أو تصنّع، لقيت من البشاشة والترحيب ما جعلني أوقن أنّ الكرم في المدينة ليس صفة عارضة؛ بل هو طبعٌ راسخ يسري في أبنائها كما يسري العطر في نسيمها الطيب، وقد انعكست في وجوه موظفي الإمارة ملامح هذه السجية الأصيلة؛ فكلٌّ منهم كان يحرص أن يقدّم لي ما يظنّه يُدخل السرور على قلبي، وكأنّهم يتوارثون عن أسلافهم واجب الاحتفاء بالضيف، ويدركون أنّ القادم إلى المدينة ضيفٌ على إرث نبوي قبل أن يكون ضيفًا على بشر.


وكان في نفسي شوق كبير لأن ألتقي بأمير المدينة المنورة الأمير سلمان بن سلطان، لما سمعته عن نشاطه وحسن قيادته وبصماته التي تتجلّى في كل جانب من جوانب المدينة، وكنت أرجو أن أحظى بلقياه، وأن أهنّئه بما رأيت من أثر جهوده في انتظام العمل وازدهار المرافق، غير أنّ الظروف لم تُسعفني بأن أُحقق تلك الأمنية، لكنّ غياب اللقاء لم يحجب عني أثره، فقد عكست الإمارة بهاءً يدل على يقظة راعيها، كما دلّ حضور موظفيه وسعة صدرهم على مدرسة إدارية محكمة، يحرص فيها الأمير على أن تكون للإنسان قيمته، وللضيف مكانته، وللمدينة صورتها التي تليق بتاريخها.


وقد نهض السيد أمين من مكتبه، ومعه سائر الحاضرين، بما يملأ النفس تقديرًا وإعجابًا؛ إذ كانوا مثالًا في حسن الاستقبال، والرغبة الصادقة في الإكرام، والاحتفاء الكريم الذي يسبق الطلب ويغني عن السؤال، أحسست وأنا بينهم أنّ المدينة لا يتغيّر طبعها، وأنّ أهلها، على مرّ العصور، يحملون من إرث الفضيلة ما يجعلهم أقرب إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي بارك أرضهم وقلوبهم، فما من داخل إلى المدينة إلا ويشعر بأنّ ثمة يدًا غير مرئية ترفق به، وروحًا مشرقة تحيطه بعطف خاص لا يوجد في غيرها.


إنّ المدينة المنورة ليست مجرّد موضع جغرافي أو محطة زمنية في تاريخ الإسلام؛ بل هي معنى متجدد يسكن الروح قبل أن تسكنه الأجساد. فيها يتجلّى الكرم لا بوصفه عادة اجتماعية، بل بوصفه خُلقًا رساليًا يُورّث من جيل إلى جيل، فمنذ اللحظة التي دخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إليها، استقبلته بسطوع من النور وشلال من الإيثار، وفتح الأنصار قلوبهم قبل بيوتهم، وآثروا المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فوقاهم الله كل خصيصة شح علقت بأنفسهم، ومنذ تلك اللحظة والمدينة تُحسن استقبال كل وافد، وكأنّها تُعيد معه مشهد الهجرة الأول، وتُضفي عليه من روحها ما يعيد للقلوب توازنها، وللنفوس سكينتها.


ولعلّ سرّ هذه المدينة أنّها تسقي القادم إليها من معين البركة قبل أن تُطعمه من خيراتها. فإذا مشى فيها المرء أحس أنّ خطواته أصبحت أكثر خفة، وأنّ همومه تتوارى شيئًا فشيئًا خلف ضياء المنائر الخاشعة، وأنّ روحه تتعافى كلما لامست نسيمًا مرّ من جوار الحرم النبوي الشريف. وربّ معاناةٍ دخلت المدينة مثقلةً، فخرجت منها وقد انحلّ عقدها، وتبدّد ثقلها، فهي مدينة جعل الله فيها سكنًا ورحمة لمن دخلها آمنًا، وبارك في أرضها وأهلها، فكانت بحقّ طيبة المطيّبة، المطهّرة الآمنة المؤمنة.


وهكذا، بقيت المدينة في خاطري مرآةً للفضيلة، وموئلًا للسكينة، ومثالًا نادرًا على اجتماع الجمال المادي والروحي معًا. وكلما ذكرت حسن استقبال إمارتها، ونبل أخلاق أهلها، أيقنت أنّ ما يجمعهم جميعًا هو فيض من النور الأول الذي أشرقت به هذه الأرض، يوم حلّ بها النبي الكريم، ففاضت بركاته على سكانها وزائريها إلى قيام الساعة.

منذ ساعتين

المساعي الدولية لمحمد بن سلمان تجاه سودان العروبة

يحتل السودان مكانة خاصة في رؤية ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إذ يراه بلداً محورياً في محيطه العربي والأفريقي، وشريكاً أساسياً تجمعه بالمملكة روابط الدين والتاريخ والجغرافيا والأخوّة، ومن هذا المنطلق، برزت مواقف سموه تجاه السودان بوصفها نموذجاً للسياسة العربية الرشيدة التي تجمع بين الحكمة والإنصاف، وتؤكّد أن دعم الاستقرار في الدول الشقيقة ليس خياراً دبلوماسياً فحسب؛ بل التزامٌ أخلاقي وإستراتيجي.


لقد ظلّ الأمير محمد بن سلمان يؤكد في رؤيته السياسية أن استقرار السودان جزء لا ينفصل عن استقرار الإقليم كله، باعتبار أن أي اضطراب في هذا البلد ينعكس مباشرة على أمن المنطقة ومساراتها التنموية، وانطلاقاً من هذا الإدراك العميق لطبيعة المعضلات التي يمر بها السودان، حرص سموه على انتهاج سياسة قوامها التقريب بين الأطراف، والدعوة الدائمة إلى تغليب صوت العقل والحوار، والتأكيد على أن الحروب الداخلية لا تُنتج إلا الخسائر، وأن النصر الحقيقي يكمن في استعادة الدولة هيبتها ومقدّراتها.


في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، نقلت وسائل الإعلام أن الأمير محمد بن سلمان طرح ملف السودان خلال لقائه في واشنطن، مطالباً بتدخل أمريكي فاعل لإنهاء الحرب الأهلية هناك، بحسب ما نقله الرئيس الأمريكي الذي التقى سموه، إذ قال الرئيس إن الأمير ذكّره أن «هناك مكاناً على الأرض اسمه السودان، وما يجري هناك أمر فظيع»، ثم طالب بأن يفعّل الرئيس الأمريكي نفوذه لوقف القتال، حرصاً على أرواح الشعب السوداني المنهك منذ فترة طويلة، وأكمل الرئيس الأمريكي معرّجاً على تشديده بضرورة إنهاء هذه الحرب فوراً، وقد أحاط سمو الأمير المحنك ترمب بما يوائم هواه، فهو الساعي إلى المجد والطامح للمعالي، إذ قال له الأمير محمد بن سلمان إن ذلك سيكون أعظم ما يمكنك أن تفعله، في إشارة إلى إنهاء الصراع السوداني، وهو ما أقرّه الرئيس الأمريكي لاحقاً بأنه سيتعاون مع المملكة والإمارات ومصر وشركاء آخرين من الشرق الأوسط لجلب نهاية لهذه الفظائع وتثبيت استقرار السودان.


وقد اتسمت تصريحات الأمير محمد بن سلمان بشأن السودان بنبرة أخوّة صادقة، تعبّر عن عمق الروابط التي تجمع الشعبين، وتدل على تمسك المملكة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع الوقوف إلى جانب الشعوب في محنها وحقها في الأمن والكرامة، وكان سموه يردد أن السودان بلد عزيز، وأن واجب أشقائه هو مدّ يد العون له حتى يعبر أزماته، مع المحافظة على وحدته وسلامة أراضيه، والتحذير من تداعيات تفككه على الأمن العربي برمّته.


ولم تكن تلك المواقف مجرد رؤى دبلوماسية؛ بل ترجمتها المملكة، بتوجيه من ولي العهد، إلى جهود عملية واسعة شملت استضافة الحوارات، ودعم المبادرات الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي نشط في السودان بجهود مكثفة هدفت إلى التخفيف من معاناة المدنيين وتوفير الغذاء والرعاية الصحية والإيواء، وقد جاء هذا الدعم ليؤكد أن البعد الإنساني في السياسة السعودية هو ركن أصيل تنطلق منه المملكة في تعاملها مع الأزمات.


وتنسجم هذه المواقف مع رؤية المملكة 2030 التي يتطلع من خلالها الأمير محمد بن سلمان إلى تأسيس منظومة تعاون إقليمي قائمة على التكامل الاقتصادي والاستقرار السياسي، ويرى سموه أن السودان يمتلك إمكانات ضخمة في مجالات الزراعة والطاقة والمعادن، وأن تمكينه من تجاوز أزماته اليوم هو استثمار في مستقبل واعد يمكن أن يخدم مصالح الجميع ويصنع نهضة مشتركة تعود بالنفع على شعوب المنطقة.


إن موقف الأمير محمد بن سلمان تجاه السودان يعكس إدراكاً واعياً لقيمة هذا البلد وعمق العلاقة التي تربطه بالمملكة، وهو موقف ينطلق من ثبات المبادئ وصدق الأخوّة، ويؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات العربية تقوم على الدعم الحقيقي لا الشعارات، وعلى العمل المشترك لا المجاملة، ولذا فقد غدا هذا الموقف نموذجاً يُحتذى في القيادة المسؤولة، ورؤية تستحق التقدير لما تحمله من حكمة وبعد نظر ووفاء لتاريخ طويل من الأخوّة بين البلدين.

00:10 | 25-11-2025

احتفاء أمريكي.. واهتمام دولي بزيارة ولي العهد لواشنطن

تجلّت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصورة تُعيد رسم ملامح الشراكة السعودية-الأمريكية، وتفتح صفحة جديدة من التعاون رفيع المستوى، سواء في مجالات الأمن أو الاقتصاد أو السياسة الإقليمية، حيث شكّلت هذه الزيارة حدثًا استثنائيًا تناقلته قنوات الأخبار والمنصات والصحف للدلالة على عظمة وأهمية مخرجاته للشرق الأوسط، وعلى رأسه القضية الفلسطينية وما يتعلق بسوريا وعقوباتها، وقد كانت حفاوة الاستقبال في البيت الأبيض دلالة واضحة على مكانة المملكة العربية السعودية كشريك حقيقي لا غنى للبيت الأبيض عنه، وعلى تقدير واشنطن للدور القيادي الذي تضطلع به الرياض في لحظة يعاد فيها ترتيب التوازنات الدولية والإقليمية، لقد بدا اللقاء بين سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي حدثًا استثنائيًا، إذ حمل في مضمونه رسائل سياسية وإستراتيجية تتجاوز حدود البروتوكول العادي، وتؤكد عمق الثقة المتبادلة بين الجانبين.


وقد انعكست هذه الحفاوة في طبيعة النقاشات التي تناولت عددًا من القضايا المحورية، وفي حرص القيادة الأمريكية على إظهار رغبتها في الوصول إلى توافقات إستراتيجية بعيدة المدى. فقد تباحث الطرفان في ملفات الدفاع والتسليح، وكان من أبرز مخرجات ذلك إعلان واشنطن استعدادها لبيع مقاتلات "الشبح" المتقدمة F-35 للمملكة، وهي خطوة غير مسبوقة تؤكد إدراك الولايات المتحدة للدور الأمني الحاسم الذي تؤديه المملكة العربية السعودية في المنطقة، ولأهمية تعزيز قدراتها العسكرية بما يضمن استقرار الشرق الأوسط. ولم يكن توقيع الاتفاقية الدفاعية الإستراتيجية أقل أهمية؛ فهو يضع إطارًا جديدًا للعلاقة الأمنية بين البلدين، ويرسخ مكانة المملكة كحليف موثوق تقوم عليه معادلة الردع والاستقرار.


وفي موازاة ذلك، حظيت القضايا الاقتصادية بحضور لافت في المباحثات، حيث أعلن ولي العهد عن توجه المملكة إلى مضاعفة استثماراتها في الولايات المتحدة لتبلغ تريليون دولار، في خطوة تعكس الثقة العميقة بالاقتصاد الأمريكي، وتؤكد في الوقت ذاته رؤية سعودية واضحة تقوم على تنويع الشراكات وتعزيز حضورها في الأسواق العالمية، ولم تقف الإنجازات عند حدود الاستثمار؛ بل امتدت إلى آفاق التعاون في الطاقة النووية المدنية والتقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، وهي مجالات تنسجم مع طموحات المملكة في بناء اقتصاد معرفي وتنمية موارد جديدة تتجاوز إطار الاعتماد على النفط.


أما على الصعيد السياسي، فقد كان موقف ولي العهد من القضية الفلسطينية محطة بارزة في الزيارة؛ إذ شدد على ضرورة المضي نحو حل الدولتين باعتباره المسار العادل والوحيد لتحقيق الاستقرار وإنهاء الصراع، وقدّم هذا الموقف رؤية واضحة تربط أي تقدم في مسار العلاقات الإقليمية بوجود ضمانات حقيقية لحقوق الشعب الفلسطيني، وبهذا التأكيد وضعت المملكة نفسها في قلب الجهود الدبلوماسية الدولية، مقدّمة نموذجًا يجمع بين الواقعية السياسية والمبدأ الأخلاقي، ومؤكدة مكانتها كصوت رئيس في قضايا المنطقة، وهذا ليس رؤية ثانوية من قبل ولي العهد، بل هو رأيه السياسي الأبرز تجاه القضية من قبل أحداث السابع من أكتوبر.


ولم يقتصر أثر الزيارة على نتائجها المباشرة؛ بل أسهمت في تعزيز صورة المملكة كقوة قيادية تملك رؤية واضحة لعلاقاتها الخارجية، وتتعامل بثقة مع التحديات الدولية، فقد أظهرت اللقاءات أن الرياض تتقدم في مسار متوازن يجمع بين بناء تحالفات قوية مع القوى الكبرى، والدفاع عن قضاياها الإقليمية، والسعي إلى الاستقرار والسلام وفق مبادئ راسخة، وهذا مناط اهتمام المجتمع الدولي لهذه الزيارة منذ الإعلان عنها، لإدراكهم أن اجتماع قطبين من أقطاب العالم سينتج عنه قرارات ومخرجات لها تأثيرها المباشر على العديد من الدول في الشرق الأوسط.


وبذلك جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان لتؤكد أن المملكة تسير بخطى واثقة نحو دور دولي أرحب، تجمع فيه بين القوة الاقتصادية، والحضور السياسي، والرؤية الإستراتيجية المتّسقة مع تحولات العالم، وهي زيارة حملت في طياتها رسالة مفادها أن الرياض اليوم ليست مجرد دولة فاعلة في محيطها؛ بل مركز توازن واستقرار، وركن أساسي في معادلة الأمن الإقليمي والدولي، ونرى بأعيننا التحقق الفعلي والملموس لرؤية المملكة العربية السعودية 2030 في المجال السياسي والأمني والعلاقات الدولية، ولنفخر بقيادتنا الرشيدة التي خططت ونفذت، وننظر بإكبار وفخر لسمو ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان حفظه الله.

00:04 | 21-11-2025

الرياض تقرأ.. ومملكة الثقافة تصوغ هويتها الجديدة

الحركة الثقافية في المملكة العربية السعودية لم تعد نشاطًا موسميًا أو ترفًا فكريًا يقتصر على النخبة؛ بل تحوّلت في العقد الأخير إلى مسار وطني متكامل يعكس الوعي بأهمية الثقافة في تشكيل الهوية وصناعة المستقبل، فمن خلال رؤية المملكة 2030 التي جعلت الثقافة ركيزةً من ركائز التنمية البشرية والحضارية، أخذت ملامح المشهد الثقافي السعودي تتغير بعمق، لتصبح الثقافة فعلًا يوميًا وضرورة حياتية، تتجلى في تأسيس الهيئات المتخصصة، وفي دعم المؤلفين، وفي رعاية المواهب، وفي إقامة الفعاليات الكبرى التي تعكس الثراء المحلي والانفتاح على العالم.

خلف هذه الرؤية اليقظة يقف سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة اليوم في صدارة المشهد الثقافي السعودي بوصفه صانعًا لحراك غير مسبوق، إذ لم يكتفِ بإدارة الشأن الثقافي بوصفه مؤسسة رسمية؛ بل جعله فضاءً مفتوحًا للحوار والتجديد والمثاقفة، فقد عمل على تحويل الثقافة من نطاقها التقليدي الضيق إلى ساحة رحبة تتسع للأدب والفنون والفكر، فصارت المهرجانات والمعارض والمسارح منصات نابضة تُترجم الرؤية الوطنية إلى واقع حي، وبفضل هذه الجهود أصبح الحقل الثقافي مسرحًا تتحرك عليه الفنون الأدبية والفكرية بكل جد ونشاط، في تلاقٍ خصب بين الموروث والمعاصر، وبين المحلي والعالمي، ليُعلن أن الثقافة في المملكة لم تعد صدىً للتاريخ فقط؛ بل هي قوة فاعلة في صياغة الحاضر واستشراف المستقبل.

وفي هذا السياق يجيء معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 بوصفه الحدث الأبرز على الخريطة الثقافية السعودية والعربية، تحت شعار بالغ الدلالة هو «الرياض تقرأ»، فالمعرض هذا العام يقام في حرم جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، مستضيفًا العديد من دور النشر ووكالات الدول على المستويين العربي والعالمي؛ ليشكل منصة عالمية للمعرفة وتبادل الأفكار، وملتقى يجمع القارئ بالكاتب، والمؤلف بدور النشر، والجمهور بالثقافات الأخرى، وهو ليس مجرد سوق للكتب، بل فضاء حيّ للحوار والتلاقح الثقافي، وميدان لتشجيع الإبداع والابتكار، ومجال رحب يعكس حجم التحول الثقافي الذي تعيشه المملكة.

إن أهمية هذا الحدث تتجاوز المعرض في ذاته لتصب في الأهداف الأوسع لرؤية 2030، حيث تتجلى أبعاد الهوية والانفتاح والاقتصاد المعرفي، فالمعرض يرسخ قيمة القراءة بوصفها مدخلًا للوعي ورافدًا للتنمية، ويمنح المؤلف السعودي حضورًا خاصًا عبر أجنحة مخصصة للنشر الذاتي ودعم الإنتاج المحلي، كما يفتح أبواب التفاعل مع الثقافة العالمية عبر ضيوف الشرف ودور النشر الدولية، إنه صورة مصغّرة لما تريده المملكة من مجتمع قارئ ومثقف، قادر على أن يسهم في الحوار الحضاري العالمي، وأن يبني ذاته بالمعرفة.

ويحمل شعار «الرياض تقرأ» في طياته دلالات عميقة، فهو ليس مجرد عبارة إعلانية، بل رسالة تؤكد أن القراءة فعل جماعي يتجاوز الأفراد إلى المدينة بأكملها؛ بل إلى ربوع المملكة باعتبار الرياض عاصمتها، فالرياض هي العاصمة ومركز التحول، تتحول برمزيتها إلى مدينة قارئة، تنبض بالحياة الفكرية، وتحتضن المعرفة في مدارسها وجامعاتها ومكتباتها ومقاهيها وبيوتها، وهو شعار يُترجم رؤية مستقبلية بأن تكون القراءة عادة يومية، وأن يصبح الكتاب صديقًا لا يُفارق، وأن يكون للثقافة حضورها في تفاصيل الحياة السعودية، إنه إعلان عن انتقال القراءة من هامش الاهتمام إلى صلب الهوية، ومن نشاط فردي إلى مشروع مجتمعي شامل، يعم المملكة بكل فئاتها وربوعها، وباختلاف ثقافاتها، فالرياض تقرأ والمملكة تفكر وتنتج.

إن معرض الرياض للكتاب ليس حدثًا ثقافيًا عابرًا، بل هو شاهد على التحول العميق الذي تشهده المملكة، ومؤشر على أن المعرفة باتت في قلب مشروعها الحضاري، وعندما نقول «الرياض تقرأ»، فإننا لا نصف واقعًا فحسب؛ بل نبني مستقبلًا، ونعيد أمجاد ماضٍ عريق، ونجدد عهد فكر مستنير، عمت أنواره العالم بأسره، فمن بلادنا خرج النور، وشعَّ نبراس العلم والفكر، فأمة «اقرأ» لا تزال تقرأ، وتشجع على نشر الثقافة الجادة والفكر الهادف، حيث تصبح القراءة لغة المجتمع، ووسيلة ارتقاء الإنسان، وجسرًا يربط بين الطموح والحضارة، وبين الماضي والحاضر والمستقبل.

14:28 | 9-10-2025

السعودية في قمة الأمم المتحدة.. صوت الحق لفلسطين ورسالة السلام للعالم

انعقدت قمة الأمم المتحدة الأخيرة في أجواء مشحونة بالتوترات الإقليمية والإنسانية، وعلى رأسها النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وما خلّفه من أزمات متلاحقة ألقت بظلالها على المجتمع الدولي. وقد جاءت القمة في لحظة فارقة، إذ تزايدت الأصوات المنادية بوقف نزيف الدم في غزة والضفة الغربية، وبرزت المطالبات بإحياء مسار السلام وفق أسس واضحة تضمن العدالة والكرامة للشعب الفلسطيني الشقيق، وفي خضم هذه اللحظة الحاسمة، تقدمت المملكة العربية السعودية بموقفها الثابت الذي لا يتغير إزاء القضية الفلسطينية، مؤكدة أن الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد خيارًا مطروحًا للنقاش، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

لقد برز الدور السعودي بوضوح في كلمات ممثليها ولقاءاتها الدبلوماسية المكثفة، حيث شددت المملكة على أن حل الدولتين وفق حدود عام 1967، مع اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، هو السبيل الوحيد لسلام عادل ودائم، ولم تكتفِ السعودية بطرح هذا المبدأ، بل حذّرت من خطورة محاولات فرض الأمر الواقع عبر الاستيطان والتهجير القسري، معتبرة أن هذه الممارسات تشكل تهديدًا مباشرًا للقانون الدولي ولإمكانية بناء مستقبل مشترك بين الشعوب.

ولم يكن الحضور السعودي مجرد ترديد للشعارات، بل تجسد في تحركات عملية ومبادرات مؤثرة، فقد قادت المملكة مؤتمرًا دوليًا بالتعاون مع فرنسا على هامش القمة، لتأكيد أهمية الاعتراف الدولي بفلسطين ودعم الجهود الرامية إلى إعادة إطلاق عملية السلام، كما واصلت الرياض تنسيقها مع الدول العربية والإسلامية لتوحيد المواقف، وإبراز أن دعم فلسطين ليس قضية ظرفية؛ بل التزام تاريخي وأخلاقي يقتضي تضافر الجهود كافة.

في الجانب الإنساني، رفعت المملكة صوتها عاليًا بضرورة وقف الاعتداءات وفتح الممرات الآمنة لإيصال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني دون عوائق، مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، ومحاسبة من ينتهك الحقوق الإنسانية الأساسية. وقد أضفت هذه المواقف بعدًا أخلاقيًا وإنسانيًا على الخطاب السعودي، فجعلت القضية الفلسطينية تُعرض أمام المجتمع الدولي لا بوصفها صراعًا سياسيًا فحسب، بل مأساة إنسانية تتطلب استجابة عاجلة.

ومع ذلك، فإن الطريق ما زال محفوفًا بالعقبات، إذ تتباين مواقف القوى الدولية بشأن الاعتراف بفلسطين، وتصر إسرائيل على التمسك بسياساتها الاستيطانية، فيما تظل الفجوة قائمة بين القرارات الصادرة عن المنابر الدولية وبين التطبيق الفعلي على أرض الواقع، غير أن المملكة، بإصرارها ورؤيتها البعيدة، تواصل العمل على تحويل المواقف النظرية إلى خطوات عملية، مدركة أن سلامًا بلا عدالة لن يدوم، وأن الاعتراف بالحقوق الفلسطينية هو المدخل الحقيقي لبناء شرق أوسط أكثر أمنًا واستقرارًا.

وهكذا أثبتت السعودية في قمة الأمم المتحدة الأخيرة أنها لم تكن مجرد داعم للقضية الفلسطينية من بعيد، بل قوة فاعلة تسعى إلى إعادة صياغة المواقف الدولية على أسس من الحق والعدالة. لقد حملت صوت فلسطين بقوة إلى العالم، وربطت بين الواجب الإنساني والسياسي، لتؤكد أن رسالتها لم تتغير؛ لا مستقبل للسلام ما لم يُعترف بفلسطين، ولا استقرار للمنطقة ما لم يُرفع عن الشعب الفلسطيني ظلم الاحتلال.
01:25 | 1-10-2025

الرياض تصوغ «قصيدة أمل» في أرض الشام

في لحظة تتشابك فيها التحوّلات السياسية مع الطموحات الاقتصادية، تتقدم المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو سورية بقيادتها الجديدة، حاملةً في يدها نهجاً مختلفاً عما مضى، ومُحمَّلة برؤية تتجاوز حدود المساندة الإنسانية إلى أفقٍ أرحب من الشراكة والبناء، لم يكن إعلان المليارات، التي ضُخّت أخيراً في السوق السورية حدثاً عابراً؛ بل كان بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة من الانخراط السعودي في ملفّ ظلّ لعقود موضع تجاذب إقليمي ودولي، وهذه المليارات ليست مجرد أرقام تتصدّر العناوين الاقتصادية، بل هي رسائل سياسية واقتصادية مكثّفة، تشير إلى أن الرياض اختارت أن تكون لاعباً فاعلاً في إعادة رسم ملامح سورية الغد.

توزّعت هذه الاستثمارات على قطاعات حيوية تمسّ صميم الحياة السورية: البنية التحتية التي طالها الخراب، والاتصالات التي تشكّل شرايين العصر، والمشروعات العقارية التي تمنح الناس مأوى بعد سنين من التيه، والطاقة التي تُعيد إلى المصانع والمنازل نبضها المفقود، ولعلّ المنحة النفطية السعودية التي زوّدت دمشق بما يربو على مليون ونصف المليون برميل من الخام جاءت بمثابة إنعاش عاجل، لا يقتصر أثره على تشغيل المصافي وتدفئة البيوت، بل يبعث برسالة رمزية مفادها أن المملكة تتعامل مع حاجات الناس الأساسية كأولوية تتقدّم على الحسابات السياسية المعقّدة.

لم تخلُ تصريحات القادة السعوديين من وضوح الرؤية؛ فقد أكّدوا أن هذا الدعم يأتي احتراماً لسيادة سورية وإيماناً بحق شعبها في أن يقرّر مستقبله بنفسه، ومع ذلك، لم يكن الأمر محض تعاطف؛ بل هو استثمار استراتيجي محسوب يرسم للمملكة مساراً جديداً في علاقتها بالشام، فالرياض تدرك أن إعادة إعمار سورية ليست مجرد عبء، وإنما فرصة لإعادة توجيه التوازنات الإقليمية، وبناء ممرّات اقتصادية وتجارية جديدة، واستعادة الروابط التاريخية التي جمعت الشعبين عبر العصور.

إن أهمية هذه المليارات تتجلى في أبعاد متشابكة، فهي أولاً تعيد الحياة إلى اقتصاد مترنّح، وتفتح أبواب عمل لعشرات الآلاف من السوريين، وتُعيد بعض الاستقرار للأسواق التي أنهكها التضخم وندرة الموارد، وهي ثانياً تبعث رسالة طمأنة للمستثمرين الآخرين بأن الساحة السورية باتت أكثر جاذبية، بعدما دخلت قوة مالية وسياسية بحجم السعودية إليها، وهي ثالثاً ترسم للمملكة ملامح دور جديد، ليس فقط راعياً سياسيّاً؛ بل شريك اقتصادي يسهم في ترميم بلد مدمَّر، في وقت يحتاج فيه الإقليم إلى موازنات جديدة تحفظ الأمن وتؤمّن الاستقرار.

ومع أن هذه الخطوات تحمل آمالاً عريضة، إلا أنها محفوفة بتحديات لا يُستهان بها، فبيئة الاستثمار في سورية ما تزال في حاجة إلى شفافية وحوكمة رصينة، وإلى ضمانات تقي المشاريع من الفساد والتعطيل، كما أن المشهد الإقليمي بكل تعقيداته قد يلقي بظلاله على مسيرة الإعمار، ويُثير حساسيات من أطراف ترى في الحضور السعودي منافسة لنفوذها، لكن القيادة السعودية تبدو مدركة لهذه المزالق، وتتعامل معها بروح براغماتية توازن بين المبدأ والمصلحة، وبين التعاطف الإنساني والواقعية السياسية.

هكذا تتحوّل المليارات السعودية في سورية من مجرد أرقام مالية إلى رافعة سياسية، ومن استثمارات آنية إلى رهانات على المستقبل، إنّها محاولة جادّة لإحياء روح الحياة في بلدٍ أضناه الخراب، وتأكيدٌ على أن المملكة تريد أن تكون حاضرة لا بقدرتها الاقتصادية فحسب، بل بقدرتها على صناعة الأمل، ونسج خيوط الاستقرار في نسيج المنطقة، ولعلّ هذه الخطوة، بما تحمله من شجاعة وحنكة، توقف المواطن السعودي على حقيقة الوعي السعودي المرتكز على قيادة رشيدة، ونؤمن جميعاً أن توجهات المملكة داخلياً وخارجياً تعكس -بصورة واضحة- رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في كل المجالات والاتجاهات.
00:07 | 16-09-2025

محمد بن سلمان.. صوت الحكمة وقلب العروبة النابض

ليست القيادة الحقيقية أن ترفع الشعارات أو تكتفي بالتصريحات، وإنما أن تضع الأمة على مسار التاريخ وتعيد لها بوصلة الوعي، لتدرك أن لها مكانًا بين القوى الكبرى، وقدرًا لا يليق به التهميش أو الضعف، وهذا ما فعله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي تجاوز مفهوم السياسة بوصفها إدارة يومية للأزمات، ليجعل منها مشروعًا استراتيجيًا لإعادة العرب إلى دائرة الفعل، لا إلى هامش الأحداث.

من يتأمل مسيرة الأمير محمد بن سلمان منذ بروز اسمه في المشهد السياسي، يدرك أن الرجل يتعامل مع السياسة بمنطق القائد الجامع، فهو لا ينطلق من رؤية ضيقة أو مصالح آنية؛ بل من إيمان بأن العرب أمة واحدة يجمعها التاريخ والمصير، وفي زمن الانقسامات، سعى إلى بناء الجسور لا إلى تعميق الشقوق، فجمع الكلمة العربية في القمم، وفتح نوافذ التوافق في القضايا المصيرية، وجعل من الرياض مركز إشعاع لا غنى عنه في أي حوار عربي أو إقليمي أو دولي، وهذه الحكمة ليست وليدة الصدفة، بل ثمرة وعي عميق بأن موقع المملكة ومكانتها يفرضان عليها أن تكون قلب الأمة، لا مجرد عضو فيها، ومن هنا جاء دورها الفاعل في توحيد الصف العربي، ورفضها أن يُستفرد بأي دولة عربية أو أن تُترك وحدها أمام التحديات.

وحين صدرت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي حاولت النيل من مصر ودورها، كان صوت المملكة حاضرًا بوضوح، ولم يكن الموقف مجرد دفاع دبلوماسي، بل كان إعلانًا صريحًا أن مصر بالنسبة إلى السعودية ليست مجرد شقيقة قريبة؛ بل هي جناح الأمة الآخر، وأن أمن القاهرة من أمن الرياض، وهذا الموقف يعكس إدراكًا استراتيجيًا لمعادلة التاريخ والجغرافيا، فمصر هي حصن العرب ودرعهم، وإذا اهتزت اهتزت الأمة بأسرها، ومن هنا جاء الدعم السعودي لمصر دعمًا للقضية العربية الكبرى، وتأكيدًا أن العرب إذا ما تكاتفوا فلن تجرؤ أي قوة على كسر إرادتهم.

ولم يكن هذا الموقف معزولًا عن القضية الفلسطينية التي تتربع في قلب الرؤية السعودية، إذ أكد ولي العهد في خطابه أمام مجلس الشورى أن فلسطين ليست قضية تفاوضية عابرة، وإنما حق ثابت لا يسقط بالتهديد ولا بالعدوان، وقد أعاد التذكير بمبادرة السلام العربية التي قادتها المملكة قبل أكثر من عقدين، والتي لا تزال تمثل مشروعًا عربيًا متكاملًا للسلام العادل، ولم يقتصر الأمر على التذكير بالمبادئ؛ بل امتد إلى التحركات العملية التي أثمرت في تزايد الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، وفي بناء تحالفات عالمية تعزز هذا الحق، وهذا يكشف أن السعودية لا تتحدث بلغة الماضي، وإنما تصنع الحاضر وترسم المستقبل.

وإذا أردنا أن نقرأ هذه المواقف في سياقها الأوسع، فإننا لا نستطيع أن نفصلها عن التحولات الكبرى التي تقودها المملكة داخليًا وخارجيًا، فرؤية 2030 لم تكن مجرد برنامج اقتصادي، بل مشروع لإعادة تعريف السعودية أمام نفسها وأمام العالم، فالمملكة لم تعد دولة تكتفي بثرواتها الطبيعية؛ بل أصبحت مركزًا عالميًا للاستثمار، ووجهة دولية للتقنية والسياحة والطاقة النظيفة، والأهم من ذلك أن هذه الرؤية امتدت إلى السياسة الخارجية، حيث تقدم المملكة نفسها صوتًا للعقل والاعتدال، وقوة تسعى إلى استقرار العالم، ومرجعية لا غنى عنها في القضايا العربية والإسلامية، وهنا يتجلّى البعد الحضاري للقيادة السعودية؛ فهي لم تنفصل عن تاريخها ودورها الديني المتمثل في خدمة الحرمين الشريفين، ولم تتردد في أن تكون صاحبة موقف صلب في وجه أي عدوان، وفي الوقت نفسه مبادرة للحوار والتقارب.

وما يميّز الأمير محمد بن سلمان ليس فقط حنكته السياسية؛ بل قدرته على أن يكون قائدًا ملهمًا لشباب المملكة والعرب، فهو يطرح مشروعًا طموحًا يجعل المواطن العربي يشعر أن بإمكانه أن يكون فاعلًا في العالم لا مجرد متلقٍ للأحداث، حيث نقل صورة المملكة من دولة تقليدية إلى نموذج متجدد قادر على الجمع بين الأصالة والحداثة، بين الثوابت والابتكار، بين الهوية والانفتاح، وهنا تكمن القيمة الكبرى، فالمملكة اليوم لا تقدم حلولًا للأزمات فقط، بل تقدم رؤية لمستقبل العرب، حيث لا يتكرر ضياع الفرص، ولا يُترك الشباب أسير الإحباط، ولا تُستنزف طاقات الأمة في صراعات جانبية.

إن الموقف السعودي الأخير من دعم مصر والتمسك بالحق الفلسطيني هو تجسيد عملي لحكمة القيادة السعودية في ظل ولي العهد محمد بن سلمان، وهو موقف يذكّر العرب بأن وحدتهم هي الضمانة الوحيدة لمستقبلهم، وأن العالم يحترم من يقف صلبًا على مبادئه، فالمملكة اليوم ليست مجرد دولة كبرى بثقلها الاقتصادي والسياسي، بل هي ركيزة حضارية تعيد للعرب ثقتهم بأنفسهم، وتؤكد أن القيادة حين تقترن بالرؤية والإلهام قادرة على أن تحوّل التحديات إلى فرص؛ ولهذا، فإن التاريخ سيذكر أن محمد بن سلمان لم يكن مجرد ولي عهد يقود بلاده نحو المستقبل، بل كان قلبًا نابضًا للعروبة، وحكيمًا جمع الصف، وعرابًا لرؤية عربية جديدة تعيد للعالم احترامه لهذه الأمة ومكانتها بين الأمم.

16:06 | 12-09-2025

الأمانة ميزان القيادة

منذ أن أشرقت أنوار الرسالة المحمدية، وضع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة معايير لا تزول مع الزمان ولا تبلى مع تغيّر الأحوال. ومن أوضح تلك المعايير وأشدها نفاذًا في ضمير الأمة حديثه الشريف لأبي ذر رضي الله عنه، حينما طلب أن يولّيه رسول الله قضاءً أو إمارة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها».

هذا الجواب النبوي ليس عتابًا شخصيًا لأبي ذر، وهو من هو في صدقه وزهده وورعه، ولكنه تأصيلٌ لمبدأ عظيم: أن المناصب ليست للوجاهة ولا للتكريم، بل هي مسؤولية وأمانة، لا ينهض بها إلا من جمع بين القوة والأمانة، وبين العلم والخبرة، وبين الإخلاص والقدرة على الإنجاز.

وجاءت جملة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤيد تلك الحقيقة الراسخة، حيث قال: «إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة»، وليس إضاعة الأمانة مقصورًا على الخيانة في المال؛ بل يدخل فيه كل إخلال بواجب الوظيفة، وكل إسنادٍ للمناصب إلى غير أهلها، وكل تقصيرٍ في أداء حق المواطن والدولة.

إن التجارب الإنسانية كلها تشهد أن تعيين الأشخاص في مناصب أكبر من قدراتهم العلمية أو العملية يورث البلاد تعطّلًا في التنمية، ويؤدي إلى ضياع الجهود وهدر الطاقات، قد يملك المرء حُسن النية أو الإخلاص، لكنه يفتقد الكفاءة التي تؤهله لقيادة مؤسسات كبرى أو مواجهة تحديات جسيمة، ومثل هذا الوضع يولّد فجوة بين تطلعات المواطن وواقع المؤسسات، فتُهدر فرص الإصلاح وتتراجع الخطوات بدل أن تتقدم.

والقيادة الحقّة ليست مجرد حضور إداري أو صفة رسمية، بل هي رؤية واعية، وخبرة مكتسبة، وعطاء يتجاوز حدود المصلحة الشخصية إلى مصلحة الوطن، فإذا غابت الكفاءة عن المناصب القيادية، تعطلت مصالح الناس، ووجد المواطن نفسه أمام مؤسسات لا تلبي حاجاته، أو قرارات لا تنسجم مع أولوياته.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع هذه القاعدة العظمى قبل أربعة عشر قرنًا، فإن رؤية المملكة 2030 جاءت لتؤكدها بمنهج عصري متجدد؛ فالمحور الأساسي لهذه الرؤية هو تمكين الكفاءات الوطنية، وتوجيه الطاقات إلى مواقعها الصحيحة، فالنهوض الاقتصادي لا يتحقق إلا بقرارات رصينة يقودها خبراء، والتطوير التعليمي لا يتم إلا بأيدٍ مؤهلة تدرك أبعاد العلم والمعرفة، والرقي الصحي لا يكتمل إلا بقيادات واعية قادرة على تذليل العقبات.

إن الاستثمار الحقيقي لا يكمن في الحجر والمال وحدهما، وإنما في الإنسان الذي يقود تلك الطاقات ويحوّلها إلى إنجازات، وهذا لا يتحقق إلا إذا وُضِع الرجل المناسب في المكان المناسب، بعيدًا عن المجاملات أو الاختيارات غير المدروسة، التي قد تُقصي الكفاءات وتُبرز الضعفاء.

لمستُ شخصيًا روح الأمانة وإدراك القيادة في أمير محافظة حفر الباطن الأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل آل سعود، فهو النموذج الحي لمبدأ «الشخص المناسب في المكان المناسب»، فقد تهيأت له أدوات الرؤية الفعالة المتمثلة في رؤية المملكة 2030م، واجتمعت فيه صفات الأمانة والكفاءة، فغدا المكان على يديه أكثر ازدهارًا وحيوية، المؤسسات تجددت، والمشاريع تلاحقت، والشوارع تنفّست بهاءً ورونقًا، حتى بدا وكأنه ألبس المحافظة حُلّة عصرية تُعانق ماضيها الأصيل، وكأن الروح دبت من جديد في أوصال المحافظة، تمنح المواطن سكينةً وطمأنينةً بأن الغد أكثر إشراقًا، وليس ذلك عليه بجديد؛ إذ رأيت صنيعه المماثل بمحافظة المجمعة التي تحمل تطويرها قبل محافظة حفر الباطن.

وليس التطوير عنده مظهرًا خارجيًا فحسب، بل هو رسالة أمانة تؤكد أن القيادة عطاء ورعاية، وأن الكرسي لا يليق إلا بمن يعي ثِقله، فمن التعليم إلى الصحة إلى البنية التحتية، تبرز بصماته شاهدة على صدق العزم وسداد الرأي، وهكذا ارتسمت ملامح المعادلة الصعبة؛ حين يكون القائد أمينًا على الإنسان قبل المكان، وحين تُترجم المسؤولية إلى عمل ملموس يلمسه كل مواطن، لقد تجلّى في سيرته أن اختيار الرجل المناسب للموضع المناسب ليس قرارًا إداريًا وحسب، بل هو الضمانة الكبرى لحياة مزدانة بالثقة والاستقرار.

إن الأمانة ليست شعارًا يرفع، بل هي حقيقة تُختبر في كل موقع، ووزنٌ دقيق توزن به الرجال، ومن ينهض بالقيادة بصدق وإخلاص وكفاءة، فهو أقدر الناس على حمل الأمانة وأدائها، ومن حملها ضعفًا أو مجاملة، فقد حمَّل البلاد والمواطنين ما لا يطيقون، وهكذا يلتقي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم مع تطلعات رؤية المملكة، لتُرسّخ قاعدة خالدة: أن الأمانة هي ميزان القيادة، وأن الرجل المناسب في المكان المناسب هو سرُّ النجاح وعماد النهضة.
01:12 | 3-09-2025

السعودية وفلسطين: وحدة الأرض المقدسة ومواقف التاريخ والسياسة

منذ أن اختار الله -سبحانه وتعالى- أرض الجزيرة العربية مهبطًا للوحي، وجعل مكة المكرمة قبلة للمسلمين، والمدينة المنورة منطلقًا للدعوة، ثم بارك أرض فلسطين فجعل فيها المسجد الأقصى ثالث الحرمين؛ ارتسم على الخريطة الروحية للأمة الإسلامية مثلث من القداسة يربط بين الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية والمسجد الأقصى في فلسطين، هذه المواضع لم تكن مجرد أماكن، بل رسائل إلهية عن مركزية الدين في حياة البشر، وعن وحدة الوجهة والمصير للأمة المسلمة، التي بعث فيها خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه فيها كتاب الله العزيز خاتم الرسالات الإلهية.

وقد وعى العرب والمسلمون -منذ صدر الإسلام- أن حماية تلك المقدسات تعني حماية الهوية ذاتها، وأن التفريط فيها تفريط في الأمانة التي حمّلها الله الأمة جميعًا، وهنا برزت المملكة العربية السعودية –بحكم وجود الحرمين الشريفين– بوصفها صاحبة الدور الأصيل في رعاية الدين وحفظ المقدسات، فجمعت بين مسؤولية العمق الديني ومكانة الريادة السياسية.

في العصر الحديث، ومع احتدام الصراع على أرض فلسطين، كانت المملكة من أوائل الدول التي تبنّت القضية الفلسطينية في المحافل العربية والإسلامية والدولية، لم تكن مواقفها مجرد بيانات، بل كانت خطوات عملية تجلّت في المساعدات المالية، والدعم الدبلوماسي، والتأكيد الدائم على مركزية القدس في وجدان الأمة، ومن يتتبع قرارات القمم العربية يجد أن السعودية كانت تقود الصف الأول في تثبيت حق الفلسطينيين ومواجهة الأطماع الصهيونية.

غير أن بعض المغرضين حاولوا مؤخرًا التشكيك في هذا الموقف التاريخي الثابت، عبر ترويج شائعات لا تستند إلى أدلة، كادعائهم أن سفينة سعودية تُبحر من إيطاليا نحو إسرائيل محمّلة بالبضائع، ولقد ثبت بطلان هذه المزاعم حين خرجت الحقائق موثقة تؤكد أن السفينة تجارية تابعة لشركات أوروبية، لا علاقة لها بالمملكة لا من قريب ولا من بعيد، لكن خصوم السعودية اعتادوا النفخ في أبواق التضليل، إدراكًا منهم أن ثبات موقفها يفضح تهاون غيرها.

إن من يتأمل مسار السعودية يجد أنها لم تتعامل مع فلسطين كقضية سياسية فحسب، بل كعقيدة وواجب ديني وعربي، فكما أن مكة والمدينة أمانة في عنقها، فإن القدس جزء من رسالة الأمة التي لا تنفصل، وقد عبّر قادة المملكة على اختلاف العصور عن هذه الرؤية الواضحة: لا سلام بلا حقوق الفلسطينيين، ولا استقرار دون عودة الأرض إلى أهلها، أو حل النزاع بفصل الدولتين فصلًا تامًا، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين.

خلاصة القول إن كل مسلم عربي لديه من الفطنة والحنكة ما يجعله يدرك أن الحكمة من اقتران هذه البقاع الثلاث المباركة – مكة، والمدينة، والقدس – أن يبقى المسلمون واعين أن وحدتهم الروحية تسبق وحدتهم السياسية، وأن التفريط في واحدة منها هو تقويض للبقية، ومن هنا يتجلى صدق الدور السعودي؛ فهي تدرك أن مكانتها الدينية تلزمها أن تكون درعًا واقيًا للقدس وأهلها، مهما حاولت أبواق التشويه أن تلبّس الحق بالباطل.
00:08 | 19-08-2025

السعودية.. حين تتحدث القوة بلسان الحكمة

في مسعىً لرفع راية الدولة فوق سماء الصمود والدبلوماسية، تجسّدت جهود وزارة الدفاع بقيادة الأمير خالد بن سلمان بتطوير بيّن وعميق لقوة تنشد السلام، وتؤسس لمكانة فاعلة في السياسة الدولية، استناداً لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، وبتأييد مباشر من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-.

إن المُطالع لمسيرة المملكة العربية السعودية يدرك تماماً أن هدف وزارة الدفاع يتمثل في بناء قوة عسكرية حديثة تمثِّل امتداداً للرؤية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، وقد استوعبت المؤسسة العسكرية ذلك الهدف، وعملت على تحديث شامل للسلاح والذخيرة تحت إشراف سمو وزير الدفاع، تم إدخال أحدث منظومات الدفاع الجوي والمقاتلات الاستراتيجية، مما يعزز قدرة الردع الجوي وصيانة حرية الأجواء، ذلك مع العمل الدؤوب على توطين الصناعات العسكرية، حيث تولّى الأمير خالد بن سلمان رئاسة مجلس إدارة شركة «الصناعات العسكرية السعودية» (SAMI)، التي تعمل على رفع معدل التوطين في الدفاع، وقد أطلقت «معاهد الدفاع الصناعي» لتهيئة الأيدي السعودية ذات الكفاءة للمشاركة الفاعلة في هذه الصناعة.

إن المملكة العربية السعودية تهدف إلى تعزيز القوة العسكرية من أجل الدبلوماسية وإقرار السلام في الشرق الأوسط والعالم بأسره، حيث شهدنا زيارة تاريخية لوزير الدفاع إلى إيران في 17 أبريل 2025، وهذا يمثل علامة بارزة على تحول نوعي في النهج السعودي، وتأكيداً على أن «القوة طريق للسلام»، بيدٍ تمتلك القدرة والدور الحضاري، كما عمدت إلى إجراء شراكات دفاعية متينة، وخطط لزيارات تعزيز التعاون العسكري مع العديد من الدول على المستويين العربي والعالمي، وهذا يظهر توجهاً متوازناً في سياسة خارجية متعددة الأبعاد.

إن حماية الوطن والمقدرات واجب ديني ووطني، وقد استوعب سمو وزير الدفاع ذلك وأقره عقيدة لا قولاً عابراً، وانطلق مرتكزاً عليه في تطوير مؤسسات الوزارة، ومنها إنشاء قاعدة الملك سلمان الجوية بالرياض، التي بنيت وفق أحدث مقاييس الإنشاء -بنية تحتية ومرافق متكاملة- لتعزز جاهزية القوات وحفظ سماء الوطن، مع تطوير أسطول بحري من خلال توقيع اتفاقيات لشراء وإنتاج فرقاطات وطرادات، بما يضمن الحماية المتكاملة لشواطئ المملكة وممرّاتها البحرية.

إن الجاهزية العسكرية لا تقف عن حد التطوير الآلي فقط، بل هدفت الوزارة إلى بناء الكوادر العسكرية سعياً نحو بناء جيش يجمع بين المعرفة والقوة، ومن ذلك إنشاء جامعة الدفاع الوطني (SANDU)، التي أُنشئت عام 2024، بالتعاون مع مراكز دولية؛ لتأهيل الضباط والقيادات العسكرية بحقول التدريب الحديثة والاستراتيجية، هذا بخلاف خطة إعادة هيكلة شاملة، تتضمن ثلاثة اتجاهات متمثلة في (الإدارة - العمليات - التسليح)، لإحداث التوازن العسكري المرتكز على ركيزتي التعليم والتدريب.

لا شك أن القوة تكمل الدبلوماسية؛ بل لا شك أن كل المؤسسات تتماسك في دائرة واحدة تدور متكاملة حول نواتها، وتلك النواة هي الوطن، ومن أبرز صور ذلك التكامل بين مؤسسات الدولة قيام سمو وزير الدفاع بتوقيع مذكرة تفاهم مع العراق لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، جاء هذا ضمن نهج الأمير خالد بن سلمان في بناء أمن مشترك وتحالفات استراتيجية في المنطقة.

إن ما تبنّاه الأمير خالد بن سلمان من مسار بنّاء للقوة العسكرية لا يصب في خدمة النزعة العدوانية، بل إنه خيار حكمة في عالم متغيّر، فالقوة حين تُبنى على رؤية راسخة وتوجيه دبلوماسي معتدل تصبح ضمانة سلام لا مدخل صراع.
00:15 | 17-08-2025