أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/1758.jpg?v=1762959881&w=220&q=100&f=webp

منيف الحربي

كاتب متخصص بالطيران

الطيران.. بين الثقة والهشاشة

الحدث الأبرز في عالم الطيران هذا الأسبوع كان التنبيه الذي أرسلته شركة إيرباص إلى شركات الطيران حول العالم، وتبعه طلب من وكالة سلامة الطيران الأوروبية «EASA» بوقف أكثر من 6,000 طائرة من طراز A320 عن الخدمة حتى يتم التحقق من أنظمتها.

هذا الحدث أعاد للأذهان «هشاشة قطاع الطيران»، الذي يتعامل مع الأجواء بثقة؛ كميدان عمل لا مجال فيه للخطأ.

القضية بدأت الشهر الماضي عندما تعرضت إحدى طائرات شركة JetBlue الأمريكية خلال رحلتها رقم B61230 المتجهة من كانكون إلى نيويورك؛ لانخفاض مفاجئ في الارتفاع دون أي تدخل من الطيارين، كانت مدة الانخفاض 5 ثوانٍ فقط، لحظات قصيرة لكنّها كفيلة بأن تذكّر العالم أن الطيران رغم رقابته الصارمة، يبقى صناعة تعيش على التفاصيل الدقيقة، استطاع الطيارون إعادة الطائرة للارتفاع الصحيح لكن لا وقت للبحث أو التحليل؛ لذلك هبطت الطائرة اضطراريّاً في تامبا، ونتج عن الحادثة إصابة 15 راكباً، نُقل بعضهم إلى المستشفى، فيما خرجت الطائرة من الخدمة مباشرة.

لاحقاً، تبيّن أن المشكلة تتعلق بإصدار حديث لأحد أجهزة الكمبيوتر الرئيسية في الطائرة، تحديداً كمبيوتر التحكم بأسطح الطيران ELAC المسؤول عن التحكم بالجنيحات والدفة الخلفية، وهو جهاز حساس يتعامل مع حركة الطائرة بدقة تماثل الإشارات العصبية في جسم الإنسان.

الجانب المضيء في القصة أن المشكلة أُغلقت خلال أربعة أيام فقط في جميع أنحاء العالم دون تأثير على السلامة، واقتصر الأثر على بعض التأخيرات في عدد من المطارات، وهذا يعكس قدرة الطيران على التعامل مع أزماته بسرعة، ومرونة المنظومة التقنية والتشريعية في احتواء المشكلات.

في المقابل، أعادت هذه القصة التذكير بهشاشة القطاع أمام الأزمات، وكيف أنه يعيش دائماً في اختبار مستمر، ويستعيد توازنه بقدرته على امتصاص الصدمات والتعافي السريع.

قرار «EASA» بإيقاف آلاف الطائرات لم يكن إجراءً متعجلاً، بل خطوة استباقية تؤكد أن السلامة في الطيران لا تُدار بالاجتهادات، وأن كل طرف من أطراف الصناعة يتحمّل مسؤوليته كاملة عندما يحدث أي خلل.

أسرة الطيران منظومة عملاقة تتكوّن من الشركات المصنّعة، والجهات التشريعية، والشركات الناقلة، ومنظومات السلامة.. كل طرف فيها يعمل بتناغم ضمن سلسلة من الإجراءات التي تحكمها إرادة جماعية، دون هذا التكامل يختل التوازن وتصعب المهام، فالتنسيق هو ما يضمن استمرار الثقة في صناعة بهذا الحجم.

الحادثة تذكّرنا أيضاً بأن الطيران هو أكثر الصناعات حساسية على مستوى العالم، وأن خلف كل رحلة ناجحة يقف آلاف الأشخاص والأنظمة والقرارات.

صحيح أن المسافرين لا يرون إلا مقاعدهم وتذاكرهم، لكن العمل أكبر مما يبدو، وأكثر تعقيداً من مسألة إقلاع وهبوط.

من الجيّد أن يدرك المسافر حجم التحديات التي تواجهها الصناعة، وأن ثقته بها ثقة مبنية على منظومة إجراءات صارمة وتاريخ طويل من التطوير المستمر، فالطيران رغم هشاشته يبقى واحداً من أعظم إنجازات الإنسان في تنظيم الفوضى وتحويلها إلى متعة آمنة لا غنى عنها.

00:02 | 3-12-2025

رمال الثمامة تلوّن سماء الرياض

كتبت الأسبوع الماضي عن معارض الطيران التقليدية، وهذا الأسبوع تفرض معارض الطيران نفسها أيضاً، لكن بنوع مختلف هو الطيران العام، حيث انطلق أمس الثلاثاء معرض Sand and Fun في الثمامة بنسخته الثانية، وهو المعرض الذي أوجد لنفسه مكاناً ثابتاً على خارطة الطيران العام في الشرق الأوسط، حتى بات موسماً ينتظره محبو الطيران بشغف لما يحمله من روح مختلفة وطابع أقرب للناس.

يستمر المعرض (الذي ينظمه نادي الطيران السعودي) من 25 حتى 29 نوفمبر، ويحظى برعاية كريمة من أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، ومتابعة دقيقة من عرّاب الطيران السعودي الأمير سلطان بن سلمان، رئيس مجلس إدارة النادي، الرجل الذي يتعامل مع الطيران على أنه قصة وطن ونهوض ثقافة ورسوخ هوية، ومعه فريق عمل مميّز يعمل بجهد لافت، على رأسهم الدكتور أحمد الفهيد المشرف العام على النادي، والكابتن فارس منير مستشار الأمير، في عمل يعكس جاهزية منظومة أثبتت دائماً قيمة أن تصنع فعلاً يليق بقطاع الطيران السعودي الطموح وتمنحه مشهداً يستحقه.

خمسة أيام تتحوّل فيها الرياض إلى منصة طيران مفتوحة، يطير فيها المرح فوق الرمال مثل تيار يرفع الجميع إلى الأعلى، حيث تجاوز «ساند آند فن» كونه احتفالاً موسمياً، ليصبح مساحة تجعل الطيران أقرب للناس، للعائلات، للهواة، ولأولئك الذين يحلمون بأن تلامس أيديهم جسد طائرة.

المعرض يضم العديد من العروض الجوية والعروض الثابتة وورش العمل، وقد زاره العام الماضي 120 ألف شخص، وشارك فيه 100 عارض، وشهد 30 جلسة حوارية، وهذا العام يأتي حضور مجموعة 1,706 إضافةً لافتةً، فهي المرة الأولى التي يُفتح فيها الباب أمام فكرة الطيران العام بوصفه مجالاً للابتكار والمغامرة والثقافة وليس مجرد ممارسة تقنية.

هنا يقف الزائر أمام سؤال يبدو خيالياً: هل يمكن أن أبني طائرتي الخاصة؟ الإجابة لم تعد حلماً طوباوياً؛ لأن آلاف الهواة حول العالم يبنون طائراتهم بأنفسهم وتُسمّى «طائرات الهواة» أو «المصنعة منزلياً»، يضعون فيها شغفهم وخبرتهم ووقتهم حتى تصبح حقيقة تعانق الهواء.

اليوم عبر الفرع المحلي لجمعية EAA يتشكّل هذا الحلم واقعاً على جغرافيا المملكة، مدفوعاً بروح رؤية 2030 التي تشجع الابتكار وتستثمر في الشغف وتستدعي المستقبل إلى الحاضر.

«ساند آند فن» لا يتوقف عند حدود المتعة البصرية، فهو يتوجّه لإدارات المطارات والمشغلين والشركات ومقدمي خدمات الصيانة ومحترفي الطيران ومالكي الطائرات الخاصة، ليكون نقطة التقاء بين الصناعة والجمهور، بين الخبرة والحلم، بين السماء والأرض.

ليست فكرة المعرض في طائرات تحلّق وعروض ليلية ساحرة وورش عمل نابضة فقط، بل في طموح تحويل الطيران لثقافةٍ عامةٍ، وخيارٍ مفتوحٍ وشغفٍ قابلٍ للتعلم والممارسة.

صارت العاصمة كل شتاء تلوّن السماء بريشة الثمامة وتكتب فصلاً جديداً من قصة الطيران السعودي، فصلاً يكتبه الحالمون الذين يهتفون بحب: «نحن أبناء أرض خُلقت لتعلو».

00:02 | 26-11-2025

معارض الطيران.. سرديّة الإنسان والجو

منذ بدايات الطيران قبل قرن من الزمان، جاءت معارض الطيران كفكرة لاستعراض ما تملكه الدول من إمكانات، كانت باريس ولندن من أوائل المدن التي احتضنت هذه الفعاليات قبل أن يتحول الأمر إلى تقليد عالمي يجمع سباق السماء على الأرض في تنافس اقتصادي وتقني وعسكري.

أشهر معارض الطيران وأكبرها هو «معرض لوبورجيه» الفرنسي الذي تأسس عام 1909م، يليه «معرض فارنبورو» البريطاني ثم «معرض دبي»، وهناك معارض أخرى مثل سنغافورة والصين والبحرين، كما توجد معارض طيران متخصصة بالمطارات فقط أو الشركات الناقلة، لكنها أقل حضوراً وأكثر تركيزاً على جزئيات محددة.

معارض الطيران الدولية ليست مجرد ساحة تمتلئ بالطائرات وشعارات الشركات، أو صالة تزدحم بأجنحة الجهات المشاركة، لقد تحوّلت في شكلها الجديد إلى فضاءات تلتقي بها حكايات الصناعة مع طموحات الدول، وتُصاغ فيها ملامح المستقبل على مهل فيما تُقدّم خلالها الأفكار بتسارع عجيب، واتضحت أهمية المعارض حين اكتشف العالم أن الصناعة تحتاج منصات تُعرض فيها الرؤى، وتتلاقى عبرها مصالح المصنّعين والناقلات والهيئات، ويتجاوز فيها الحديث حدود القطاع إلى اقتصاديات الدول، وسياسات النقل، ومستقبل التنقل البشري الذي يزداد زحاماً وتعقيداً.

بدأت معارض الطيران تتحوّل من تجمعات مهنية إلى ملتقيات تُعلن فيها تحالفات بمليارات الدولارات، وتكشف من خلالها اتجاهات السوق وضخامة الأساطيل ونوايا الشركات المصنّعة، وآفاق التقنية.

«معرض دبي للطيران» الذي انطلقت نسخته التاسعة عشرة قبل يومين هو نموذج متميّز لهذه التحوّلات، فمنذ انطلاقته عام 1989م وهو يؤكد هدفه كمشروع رؤية أرادت الإمارات من خلاله أن تضع نفسها في قلب الصناعة حتى صار من أكبر المعارض العالمية التي تُقرأ من خلالها مؤشرات نمو الطيران في الكوكب.

أكتب هذا المقال من وسط المعرض (الذي يقام في شهر نوفمبر من كل عام فردي) حيثُ يتقاطع صخب الطائرات مع هدوء غرف المفاوضات، وتختلط فيه رائحة الوقود بالبخور.

هنا يُكتب مستقبل النقل الجوي وتُرسم ملامحه، فالنسخة الحالية تجمع أكثر من 100 دولة وما يزيد على 1,300 جهة عارضة، من كبار المصنعين إلى الشركات الناشئة ومن منظومات الدفاع المتطورة ومقاتلات الجيل الخامس إلى تقنيات الطيران الأخضر، والوقود المستدام إضافة لابتكارات الذكاء الاصطناعي في إدارة الحركة الجوية ومنصات الطائرات الكهربائية والهجينة، وأنظمة الصيانة التنبؤية، والعروض الجوية التي تخطف الأبصار.

إن كل حركة في المعرض تحمل وراءها رسالة عن اتجاهات الصناعة وموقعها في المنافسة العالمية والتحديات التشغيلية في السنوات المقبلة.

شخصياً، لمعارض الطيران عندي ذاكرة خاصة، فقد تشرفت برئاسة اللجنة الإعلامية في النسخة الأولى (والوحيدة) من المعرض السعودي الدولي للطيران عام 2019 في مطار الثمامة بالرياض؛ تجربة كان يمكن أن تصبح محطة سنوية مهمة على خارطة معارض الطيران لولا توقفها بسبب جائحة كورونا، لكنها فتحت نافذة اتسعت لاحقاً لتكون معرض الدفاع الدولي في ملهم الذي وجد مكانه سريعاً بين المعارض العالمية الكبرى.

اليوم، وأنا أتنقل بين أجنحة معرض دبي؛ أشعر أن الطيران ليس مجرد صناعة تتطوّر بشكل مذهل، بل سردية إنسانية مشتركة تنسج العمل والخيال، أشعر أن المعارض صارت نقطة التقاء للأزمنة واللغات والأحلام.. مرآة مصغرة للعالم تعكس تحوّلاته وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والفضاء.

01:11 | 19-11-2025

سيرة صوت.. 30 عاماً مع الطيارين

في لحظة تأمّل عابرة، أدركتُ أن أكثر شيء كرّرته في حياتي لم يكن الكتب التي قرأتُها، ولا الحروف التي كتبتُها، ولا المسافات التي قطعتُها؛ بل تلك الساعات الطويلة التي قضيتها في الحديث مع الطيارين وهم يعبرون السماء كل يوم، كأن أصواتهم تدوّن يوميات الغيم في دفاتر الزمن.

لم تكن أحاديث مجاملات أو دردشات جانبية، بل كانت خيوطاً تنسج شبكة الأمان بين الأرض والسماء؛ لغة دقيقة لا تحتمل الزوائد ولا الغموض، تترك كل شيء إلا الوضوح، وتختصر المسافات بين مدن العالم في جمل قصيرة محكمة.

ذات مساء، وبحسبة سريعة تدهشني كلما استعدتها، اكتشفت أن صوتي رافق عبر ثلاثة عقود أكثر من 27 ألف ساعة على الموجة، وما يقارب 540 ألف رحلة حملت نحو 80 مليون مسافر.

ثمانون مليون قلب مرّ صوتي قريباً من أحلامهم وقلقهم وفرحهم وتعبهم، دون أن أعرف وجوههم، ودون أن يعرفوا أن هناك من كان يرافق رحلاتهم من وراء الشاشات.

تحدّثتُ مع الطيارين على الأرض قبيل الإقلاع وبعد الهبوط، استمعـتُ لأصواتهم السعيدة تحت المطر، المتماسكة في العواصف، والمطمئنة في صفاء الأجواء.

سألتهم في حالات الطوارئ عن عدد الركاب والطاقم، وعن كمية الوقود المتبقية وعن خططهم، وفي اللحظات الهادئة سألوني عن نتائج المباريات، وعن توقيت الأذان في رمضان، وعن مدى الرؤية الصباحية في مدرجٍ بعيد يختبئ خلف الضباب.

تحدّثتُ مع طيارين من جنسيات ولهجات وأمزجة وثقافات مختلفة، لكن الجميع يتحدّث لغة واحدة لا تحتمل الخطأ ولا تعرف المجاز؛ إنها لغة الطيران باختصاراتها المكثّفة وإيقاعها المتقن.

مع مرور السنوات صار للصوت ذاكرة؛ صرتُ أميّز بعض الطيارين من نبرة أصواتهم، هذا بصوتٍ يحمل بُحّة أنيقة، وذاك بصوتٍ إذاعي عميق، وثالث له عبارة ثابتة يكررها في القدوم والوداع كأنها توقيعه الخاص عبر الأثير.

بعض الأصوات باتت مألوفة كالأصدقاء القدامى، وأصوات أخرى مرّت ثم تلاشت في المدى، الجميل أن الطيار مهما بلغت خبراته، لا يشعر بالطمأنينة إلا عند سماع صوتك، الصوت الذي لا يراه لكنه يثق به كما يثق بأجهزة الطائرة التي يراوغ بها السحب.

ثلاثون عاماً من الكلام لم تكن ثرثرة بل مسؤولية بُنيت بالكلمات، كلمات تدل على الطريق وتؤمّن الارتفاع، وتمنع الخطر بعد الله، كلمات لا تُقال باللسان فقط، بل بعينٍ يقظة، وقلبٍ حي، وضميرٍ يعرف أن وراء كل نداء آلاف الأرواح.

ويبقى شيء لا يُكتب في المقالات، أن هذا الصوت الذي اعتدتُ أن أرسله إلى السماء طوال ثلاثة عقود، عاد اليوم إلى قلبي على هيئة معنى... معنى يقول إن الإنسان يمكن أن يقضي عمره في الكلام، ثم يكتشف أنه قضاه في الطمأنة، في الاهتمام، في أن يكون جسر أمان بين الأرض والسماء.

معنى يربّت على كتفك وهو يقول: «الخير يكمن في التفاصيل».

00:03 | 12-11-2025

عاصفة آسيوية في أجواء الخليج

قبل يومين، وقّعت طيران «إير آسيا» مذكرة تفاهم مع مملكة البحرين لاستكشاف جعل المنامة مركزاً رئيسياً للشركة في الشرق الأوسط.

هذه الخطوة تحمل دلالات مهمة، نظراً لكون «إير آسيا» إحدى أكبر شركات الطيران الاقتصادي في العالم التي تمتلك نموذجاً تشغيلياً أثبت نجاحه، بأسطول يفوق 200 طائرة، وتعاقدات مؤكدة لشراء 367 طائرة من إيرباص، مع خطط طموحة للوصول إلى 600 طائرة خلال السنوات المقبلة.

الشركة العملاقة تخطط لخلق مسار يربط بين آسيا والمنطقة انطلاقاً من البحرين، عبر رحلات مباشرة منخفضة التكلفة، وكذلك خدمات شحن وتدريب وصيانة، إضافة إلى الربط بين سوقها الآسيوي ومحطات أوروبية مختارة، في محاولة لصناعة حضور أوسع في الشرق الأوسط.

هذه الخطوة ستخلق بلا شك تنافساً جديداً في سوق الطيران الخليجي، وهي منافسة صحية؛ لأنها توسّع السوق وترفع جودة الخدمات وتنوّع الخيارات أمام المسافر.

من المبكر الجزم إلى أين ستتجه المنافسة، لكن من الواضح أن نماذج الشركات الكبرى الشاملة لن تتأثر مباشرة، على عكس طيران العربية الجديد في الدمام، الذي يدخل اختباراً مبكراً لا يُستهان به، فوجود طيران مثل «اير آسيا» على بعد عشرات الأميال قد يهدّد نجاح التجربة الوليدة، وقد يدفع العربية للتوسّع أكثر واستباق التأثير، فالعربية نجحت في ترسيخ موقعها سابقاً، وعليها اليوم أن تقرأ التغيّرات القادمة في السوق، وتعيد تموضعها أمام لاعب كبير يمتلك شبكة ضخمة، وخبرة طويلة في الطيران الاقتصادي، وخطوط تشغيل تمتد عبر أكثر من 165 مطاراً حول العالم.

التغيير الأهم هو أن السعودية اليوم ليست متفرجاً في سوق الطيران، بل قوة صانعة للمستقبل، وإذا كانت دول المنطقة تتحرك لتأمين أو ترسيخ موقع لها في السباق، فالمملكة تعمل على رسم السباق نفسه، من خلال المطارات والناقلات والتمويل والشراكات والسياحة... أي من خلال بناء منظومة كاملة وليست شركة أو مطاراً منفرداً.

ما يجري اليوم ليس سباقاً على من يمتلك شركة طيران أو يبني مطاراً، بل سباق على من يصنع سوقاً، ويمتلك رؤية وبنية وتأثير.

الواضح أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من صناعة الطيران، فالسعودية أطلقت قبل فترة أكبر استراتيجية طيران في تاريخها، مستهدفة الوصول إلى 150 مليون مسافر سنوياً بحلول 2030، وربط المملكة بأكثر من 250 وجهة حول العالم، يتقدم هذه الرؤية مطار الملك سلمان الدولي، الذي سيكون من أكبر مطارات العالم عند اكتماله، وكذلك جاءت طيران الرياض لتكون ناقلاً وطنياً جديداً بطموحات عالمية، فيما تواصل الخطوط السعودية وطيران ناس وأديل توسيع حضورها، أيضاً كان تأسيس شركة أڤيليس لتمويل وتأجير الطائرات إضافة نوعية، تعزز مكانة المملكة لاعباً محورياً في القطاع.

الطموحات السعودية لم تقف عند ذلك، بل امتدت إلى ملكية الأصول العالمية، مثل الاستحواذ على حصة في مطار هيثرو أحد أهم مطارات العالم، وكذلك الاستثمار في إير آسيا نفسها، حيث لعب صندوق الاستثمارات العامة الدور الأكبر في جولة جمع تمويل للمجموعة بقيمة 100 مليون دولار.

كل هذه الخطوات تعكس تحوّل المملكة من مجرد سوق تستقبل شركات الطيران إلى دولة تعيد تشكيل معادلة الطيران الإقليمي والدولي، وتبني مستقبلاً جديداً للسفر والاستثمار والسياحة.

إن الدول التي تعرف قيمة قطاع الطيران لا تبني مطارات ولا تؤسس شركات... بل تبني فوق ذلك مستقبلاً، تفتح من خلاله نوافذ جديدة على العالم.

00:17 | 5-11-2025

من طويق إلى التايمز.. رحلة وطن

هذا الأسبوع يعدّ محطةً تاريخية في ذاكرة الطيران السعودي، إذ أقلعت صباح الـ26 من أكتوبر أولى رحلات «طيران الرياض» إلى مطار هيثرو في لندن، حاملةً باقة خزامى من صحارى نجد إلى ضفاف التايمز، وفي مساء اليوم نفسه، أعلن «مطار الملك سلمان الدولي» هويته التي أخذت من طويق شموخه ومن الرمال لونها، لتكون بوابةً جوّية لعاصمة المجد، ومشروعاً سيصبح أحد أضخم مطارات الأرض بطاقة استيعابية تتجاوز 100 مليون مسافر سنوياً، ومناولة مليوني طن من الشحن الجوي، على مساحة تبلغ 57 كيلومتراً مربعاً تضمّ ستة مدارج وتسع صالات، ما يجعل الرياض مركزاً عالمياً للنقل والاقتصاد والسفر.

في المساء ذاته، عُرضت في منتدى مستقبل الاستثمار عربة من قطار حلم الصحراء، أول قطار فاخر في الشرق الأوسط يمتدّ لمسافة 1,300 كيلومتر، ليكتمل مشهد الرؤية في لوحة واحدة، ناقل وطنيّ جديد، ومطار عالميّ قادم، وقطار يرسم جغرافية جديدة.

أصبح «طيران الرياض» و«مطار الملك سلمان الدولي» متلازمين في الذاكرة، وكأن كلاً منهما وُلد ليكمّل الآخر؛ الأول يحلّق في السماء رافعاً اسم العاصمة، والثاني يحيل أرضها بوابةً مشرعة للعالم، كلاهما يشكّل عنواناً ساطعاً لمدينةٍ تتقدّم بخطى واثقة نحو موقعها المستحق بين عواصم التأثير الكبرى، عاصمة تُرسم فيها الخطط، وتُوقَّع الصفقات، وتُعقد المنتديات التي تغيّر موازين الاقتصاد.

هنا سيقام إكسبو 2030، وهنا سيجتمع العالم عام 2034 في أضخم كأس عالم بالتاريخ، وهنا تُكتب الفصول المتجدّدة من ربيع وطنٍ يمتدّ طموحه إلى عنان السماء.

في الرياض اليوم تتقاطع الخطوط الجوية مع خطوط المستقبل، وتتحوّل القطارات إلى شرايين تربط الأطراف بالقلب الذي أصبح مركزاً للقرار العالمي وميناءً للأفكار الحالمة.

الرياض تكتب للعالم رسالة واحدة؛ نُحلّق من أرضٍ وعقيدة ثابتة نحو فضاءات بلا حدود.

01:07 | 29-10-2025

رحلة شركات الطيران.. دروسٌ في السقوط والبقاء

طوال تاريخ الطيران ظلّت الشركات الناقلة تكتب ملاحمها على الأرض وفي الأجواء، بعضها أكمل قرناً من الزمان وهو يحلّق مثل رواية مترعة بالجمال، وبعضها توارى تحت وطأة الظروف.

شهد العالم قصصاً تصعد إلى القمة بسرعة البرق، وأخرى تتبخر بين الغيوم تاركةً خلفها دروساً ثمينة في الإدارة والتخطيط والقدرة على التكيّف.

منذ فجر النقل الجوي، امتلأت السماء بالشعارات والألوان؛ بعضها صارت نجوماً لا تنطفئ، وبعضها انطفأت قبل أن تسطع.

كل شركة طيران هي حكاية حلم ورؤية وقرارات، نجاحات صنعها الطموح وسقوط سببته تفاصيل بسيطة.

خلقت بعض الشركات هوية راسخة رغم أنها وُلدت صغيرة لكنها امتلكت خيالاً ورؤية فحوّلت التحديات إلى محركات للنمو، بينما تعثّرت أخرى كبيرة لأنها قرأت السوق بعقلية الأمس.

من النماذج اللافتة تجربة طيران الإمارات التي تكمل بعد يومين 40 عاماً من التحليق والتألّق، حيث انطلقت أولى رحلاتها من دبي إلى كراتشي في 25 أكتوبر 1985م بطائرتين مستأجرتين من الخطوط الباكستانية التي قدّمت دعماً فنياً وإدارياً وتدريباً مجانياً. لم تكن البداية مبهرة، لكنها كانت صادقة ومبنية على طموح بلا حدود حتى صارت الشركة الأكبر في الشرق الأوسط، فالطائرتان أصبحتا 250 طائرة تصل إلى 150 وجهة في 80 بلداً، غير أن جوهر القصة ليس في الأرقام، بل في الفكرة التي آمنت بها دبي، فكرة أن الطيران ليس خدمات نقل فقط، بل أداة إستراتيجية لصناعة المستقبل وجذب العالم.

في المقابل، كانت «PAN AM» الأمريكية في الستينيات رمزاً للفخامة، بطائراتها العملاقة ومضيفاتها الأنيقات وشعارها الأزرق الذي يشاهد في كل مطار، لكنها لم تستوعب التقلبات الاقتصادية، فتحوّلت الرفاهية إلى عبء، قبل أن تدخل في دوامة التخبط لسنوات، حتى أعلنت إفلاسها عام 1991م، وبينما صعدت «طيران الامارات» على أجنحة الطموح، سقطت «بان آم» بثقل الماضي، لتتحوّل من أيقونة عالمية إلى ذكرى محزنة.

النهاية القاسية لشركة «بان آم» كشفت أن النجاح في عالم الطيران هشّ إذا لم يُدعَم برؤيةٍ واقعية وقدرةٍ على التكيّف، وأن الاستمرار في هذا القطاع لا يعتمد على حجم الأسطول ولا على رأس المال، بل على الذكاء الإداري واستشراف المستقبل، فالشركات التي عرفت كيف توظّف التقنيات، وتقرأ اتجاهات السوق وتستثمر في الكفاءة التشغيلية، هي التي بقيت متماسكة رغم الأزمات المتلاحقة.

الطيران ليس سباقاً في السماء بقدر ما هو سباقٌ في التفكير، من يقرأ الأفق أبعد يعيش أطول، أما من يكتفي بالمجد المؤقت فسيقع ضحية التراخي.

الطيران صناعة الأحلام، وهو أيضاً صناعة الوعي والقدرة على البقاء حين تهبط كل الطائرات.

01:12 | 22-10-2025

هل فُقدت حقائب السفر؟!

فقدان الحقائب أو تخلّفها تجربة مزعجة جداً للمسافرين، بل كابوس حقيقي يبقى في الذاكرة طويلاً، الإحصاءات تشير إلى أن 63% من الركاب يعتبرون فقدان الأمتعة أسوأ ما يمكن أن يحدث أثناء الرحلة، متقدّماً على تأخير الرحلات أو إلغائها، والتجربة صعبة أيضاً على الشركات الناقلة التي تتكبد أكثر من ملياري دولار سنوياً في تعويضات ومعالجات هذه المشكلة، غير أن الناقل الذكي يستطيع أن يحوّل الأزمة إلى فرصةٍ لرسم صورة إيجابية من خلال سرعة الاستجابة وحسن التعامل.
الأرقام تقول إن الوضع يتحسّن على المدى الطويل وإن كان ببطء، فمعدل الحقائب المفقودة عام 2007م كان 19 حقيبة لكل 1,000 راكب، بينما انخفض عام 2024م إلى 6.3 حقيبة لكل 1,000 مسافر، أي بنسبة تحسن تصل إلى 63% مع ذلك ما زال الرقم كبيراً، فقد شهد العام نفسه فقدان أو تأخر 33.4 مليون حقيبة حول العالم، صحيح أن 66% من هذه الحالات يتم حلّها خلال 48 ساعة، لكن البقية ربما تستغرق أسابيع أو لا تعود أبداً.
على قائمة الأسباب يأتي الترانزيت أولاً، فهو يتسبّب في 41% من حالات ضياع الأمتعة، وكلما كانت فترة الترانزيت أقصر زاد احتمال تأخر الحقائب، بعده تأتي أخطاء التحميل الناتجة عن تشابه الرموز أو ازدحام المواسم والإرهاق البشري، إضافة إلى تأثير الإضرابات العمالية والظروف الجوية، وكلها عوامل تتداخل لتجعل من رحلة حقيبة صغيرة قصة كبيرة معقّدة.
أكثر المطارات فقداناً للأمتعة هي مطارات أوروبا بمعدل 12 حقيبة لكل 1,000 مسافر، تليها أمريكا الشمالية بـ9.3، ثم الشرق الأوسط بـ6.2، وأخيراً آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 3.2 فقط، وهي أقل المعدلات عالمياً.
أنظمة التعامل مع الأمتعة المفقودة والتعويض عنها تخضع لاتفاقيات دولية، وتنص على أن الحقيبة «تعتبر مفقودة» إذا مضى 21 يوماً دون أن تصل إلى صاحبها. وفي المملكة يبلغ التعويض عادةً 740 ريالاً لليوم الأول، و300 ريال عن كل يوم إضافي، على ألا يتجاوز المجموع (6,568 ريالاً) كحد أقصى، أما إذا كان في الحقيبة مقتنيات ثمينة فيجب على المسافر أن يصرّح عنها مسبقاً ويعبئ النموذج الخاص بذلك لتكون مشمولة في التعويض.
لتقليل احتمال فقدان الأمتعة، يُنصح المسافر بتصوير حقائبه قبل السفر، ووضع بطاقة تعريف واضحة داخلها تتضمن الاسم والعنوان ورقم الهاتف، إضافة إلى استخدام أجهزة التتبع الذكية وتجنّب رحلات الترانزيت القصيرة قدر الإمكان، كما أنه من الأفضل أن يحتفظ الراكب في حقيبته اليدوية بالأشياء الأساسية تحسّباً لأي ظرف.
إن أصعب اللحظات هي التي يقف فيها المسافر أمام سير الأمتعة في قلق، بينما تتناقص الحقائب حتى يتيقن أن حقيبته لن تظهر، هذه اللحظة قادرة على أن تبدّد بهجة السفر مهما كانت الوجهة جميلة.
شركات الطيران تبذل جهوداً متزايدة لتقليل الحالات عبر تتبع الأمتعة بالتقنية الحديثة وربطها بالبيانات الآنية، لكن التحديات التشغيلية في المطارات، وتعدّد مزوّدي الخدمات الأرضية وكثافة الحركة الجوية، واختلاف الإجراءات بين الدول، تجعل المشكلة قائمة في عالمٍ يتحرك بسرعة مذهلة، لذلك تبقى مسؤولية المسافر أن يتخذ احتياطاته ومسؤولية الشركة أن تحافظ على ثقة عملائها، وبين الركاب والحقائب تفاصيل كثيرة تشخّص كفاءة الأنظمة وذكاء التعامل وإنسانية التجاوب.
01:06 | 15-10-2025

الخزامى تُزهر في السماء

‏مع اقتراب العام الميلادي من نهايته، تتهيأ الرياض لانطلاقة هي الأجمل في تاريخ الطيران السعودي، انطلاقةٍ تمزج بين الأصالة والرؤية والطموح الذي لا سقف له.

تبتسم الأرض مع تباشير الوسم، وتفوح رائحة الخزامى من رمال نجد لتعلن أن موسماً جديداً يحلّق هذه المرة في السماء لا على الأرض.

تستعد «طيران الرياض» لافتتاح فصل جديد في سجلات الطيران العالمي، حاملةً وعد الوطن بأن يكون المستقبل أكثر أناقة وجرأة واتساعاً.

‏منذ اللحظة الأولى، لم تُرِد أن تكون ناقلاً جويّاً فقط، بل تجربة سعودية متكاملة تُعيد تعريف مفهوم السفر، حيث يلتقي الذوق الرفيع بالتقنية، وحيث تتحول الرحلة إلى تكامل ثقافي بين الإنسان والمكان.

‏الألوان البنفسجية المستوحاة من الخزامى ليست ترفاً بصرياً، إنها توقيع سعودي صميم على وجه العالم، كما أنها فلسفة أنيقة تلخّص كيف يمكن للجمال أن يولد من الصحراء وأن يشكّل هوية تحلّق بلا حدود.

‏طيران الرياض تسابق الزمن؛ لتكون أكثر من ناقل وطني، فهي منصة للتفوق السعودي في المجالات كافة.

‏ابتكرت نظاماً فريداً لتجربة سفر ذكي يعتمد على تحليل سلوك الراكب وتفضيلاته من أجل خدمة مصممة لكل شخص على حدة، من اختيار المقعد حتى نوع الوجبة والموسيقى المصاحبة للرحلة، كما تعتزم إدخال مفهوم «الضيافة المستدامة» التي تراعي البيئة باستخدام أدوات قابلة لإعادة التدوير، وتقليل البصمة الكربونية عبر أسطول حديث يعتمد على تقنيات الطيران النظيف.

‏ولأن الرياض عاصمة المستقبل، فقد أرادت أن تكون شركتها الناقلة انعكاساً حيّاً لهذه الرؤية، صُمّمت المقصورات الداخلية لتجسّد روح المدينة، مزيج من الأصالة والذكاء والفخامة، مع شاشات تفاعلية تتحدث بلغات العالم وتُعرّف المسافرين بالثقافة السعودية بأسلوبٍ مُلهم.

‏في كل رحلة هناك ما يمكن شرحه، من الهندسة المبدعة إلى الخدمات التي ابتكرتها العقول السعودية، حيث تحكي كل التفاصيل أن الوطن أصبح يصدّر الإبداع لا يستورده.

عندما تقلع طائرات «Riyadh Air» من قلب الصحراء فهي لا تغادر المدينة بقدر ما تحملها معها إلى كل سماء، من لندن ونيويورك وباريس إلى طوكيو وسيدني وكيب تاون، هي رسالة مكتوبة بلغة الأفق تقول إن الرياض لم تعد تنتظر دورها إنما تصنعه، وأن الخزامى التي كانت تزيّن الأرض أصبحت تُزهر بين الغيوم وتقول للعالم «هذه السعودية الجديدة» تحلّق بأحلامها ولا تعرف الهبوط.
00:08 | 8-10-2025

غفوة الطيّارين.. كابوس الركّاب

أثارت قصة الطائرة المدنية الكويتية التي اعترضتها مقاتلة ألمانية؛ نقاشات واسعة خلال الأسبوع الماضي، حيث بقيت ساعة كاملة دون اتصال بمراكز المراقبة الجوية؛ وهي مدة طويلة وغير مبررة حتى لو كان «مايك» الاتصال تم إغلاقه بالخطأ كما قال الطيار.

بعض التعليقات ذهبت بعيداً، ورجّحت أن الطيارَين ربما أخذا غفوة لم يوقظهما منها سوى وجود المقاتلة بجوارهما، وهنا يعود السؤال القديم المتجدد، هل ينام الطيارون أثناء الرحلات؟

القوانين الدولية واضحة، فهي لا تسمح بأن ينام الطاقم، غير أن بعض الشركات تسمح بما يسمى «النوم الخاضع للسيطرة» أي غفوة قصيرة لا تتجاوز نصف ساعة بشرط أن يبقى الطيار الآخر متيقظاً، لكن قصص النوم صارت تتكرر بشكل مقلق، ففي عام 2013م أقر طياران في بريطانيا أنهما ناما في الوقت نفسه دقائق عدة تاركين الطائرة دون قيادة، وفي 2022م تجاوزت الطائرة الإثيوبية مطار «أديس أبابا» (الذي يفترض أن تهبط فيه) وهي على ارتفاع 37 ألف قدم بسبب نوم الطيارين، وفي العام الماضي نام كابتن طيران «باتيك الاندونيسي» ومساعده 28 دقيقة خلال رحلة من سلاوسي إلى جاكرتا، ولم يستيقظا إلا بعد تجاوز نقطة الهبوط بمسافة طويلة، وغيرها الكثير من القصص.

نقابة الطيارين الألمان «كوكبت» حذّرت قبل أسابيع من أن نوم الطيارين أثناء الرحلات الجوية بات ظاهرة مقلقة ترتبط بالإرهاق التشغيلي ونقص الكوادر، وأوضح استطلاعها الذي شمل أكثر من 900 طيّار أن 93% منهم اعترفوا بأخذ قيلولة خلال الأشهر الماضية، فيما أقر 24% أنهم يفعلون ذلك بانتظام و12% قالوا إنهم ينامون في كلّ رحلة تقريباً.

رئيسة النقابة أوضحت أن «القيلولة القصيرة» ليست مشكلة بحد ذاتها، لكن المشكلة الحقيقية هي نقص أعداد الطيارين والإرهاق الذي يُفرض عليهم.

أيضاً أفادت دراسة برازيلية شملت أكثر من 1200 طيار أن 58% منهم ناموا أثناء الطيران، وأوضحت الأرقام أن كثيراً من الكوارث حملت بصمات النوم والإرهاق، مثل كارثة «إير إنديا إكسبرس» عام 2010 التي أظهر تسجيل الصوت أن قبطانها كان نائماً لفترة طويلة قبل الهبوط الكارثي.

جميع هذه الشواهد تشرح كيف أن الإرهاق يمكن أن يحوّل ثواني معدودة إلى رواية مأساوية في تاريخ الطيران.

منظمة الطيران المدني الدولي تعرّف التعب بأنه «حالة فسيولوجية تقلل من الأداء بسبب قلة النوم أو طول الاستيقاظ أو اضطراب الساعة البيولوجية»، ولهذا وضعت أنظمة صارمة لتحديد ساعات الطيران والراحة، وألزمت الشركات الناقلة ببرامج لإدارة المخاطر، بعضها يسمح بالنوم الاستراتيجي القصير في الرحلات الطويلة، لكن بشروط دقيقة، ومع ذلك تبقى النسبة مقلقة؛ حيث لا يمكن للجداول أن تمحو أثر الرحلات الليلية الطويلة والفوارق الزمنية المتكررة على جسد الطيار وعقله.

قصة الطائرة الكويتية ربما تعود فعلاً إلى خطأ أو خلل تقني لا علاقة له بالنوم، لكن ساعة الصمت في السماء تذكّرنا بأن الطيارين بشر، وأن التعب الذي يثقل أجسادهم قد يتحوّل في لحظة إلى خطر على مئات الأرواح المعلقة بين الغيوم، وأن الطيران مهما بلغت دقة أنظمته يبقى في النهاية رهناً بإنسان يستيقظ باكراً ليواجه الشمس وهو يقاوم غفوة صغيرة قد تغيّر مصير كثيرين.

يا للمفارقة التي تجعلنا نستمتع ونحن نُسلّم أرواحنا كلما أقلعت الطائرات مع أننا ندرك كم هو ثمين أن تبقى عين واحدة مفتوحة في السماء.
01:15 | 1-10-2025