تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق التي تتميّز بموقع إستراتيجي متميّز وثروات طبيعية وتنوع ثقافي قلّما يتكرر في منطقة أخرى بالعالم، وهو ما كان أحد العوامل المهمة التي فرضت عليه تحديات كثيرة، وتعد قضية استقرار الشرق الأوسط من أشد القضايا السياسية الدولية تعقيداً على الساحة في عصرنا الحالي، والاستقرار في الشرق الأوسط يعد حجر الزاوية لغالبية التوازنات الإقليمية والدولية، فالمنطقة تربط الشرق بالغرب، وعلى الرغم من سعي الكثير من دول المنطقة لتحقيق الاستقرار، إلا أن الواقع أثبت –للأسف الشديد- أن الكثير من دول المنطقة لا تزال تواجه العديد من التحديات التي حوّلت المنطقة لصفيح ساخن، فعلى المستوى السياسي تواجه بعض دول المنطقة نزاعات داخلية وهو ما يخلق حالة توتر واضطراب مستمر في المنطقة.
وذلك بخلاف الحروب التي اندلعت بين إسرائيل وبعض دول المنطقة مما أدّى لعدم استقرار العديد من دولها، وتلك التي تواجه تحديات داخلية وخارجية مثل قطاع غزة الذي شكّل الاعتداء الإسرائيلي الآثم عليه جرحاً في جسد الأمة العربية، وهذه العوامل أفرزت بدورها تحديات اقتصادية كبيرة، فالدول التي تعاني من صراعات داخلية ومشاكل سياسية خارجية تفشل في تحقيق أي تنمية حقيقية على الأرض، بخلاف تدمير بناها التحتية والأساسية ونزوح مواطنيها منها إلى الدول المجاورة، مما يضعف خططها التنموية ويفاقم من طبيعة أزماتها الاقتصادية.
وعلى الرغم من الثراء الثقافي والفكري في المنطقة إلا أنها شهدت العديد من حركات التطرف الإرهابية المتشدّدة، والتي عصفت بالمنطقة لفترة طويلة من الزمن قبل أن يتم السيطرة عليها لحد كبير، غير أن بعض الدول مثل لبنان واليمن لا تزال تتواجد بها المليشيات المسلحة التي تعرقل من سيطرة الدولة على إدارة شؤون البلاد، وهو ما يؤدي بالتبعية للانفلات الأمني الذي يؤثر بالسلب كثيراً على حياة مواطنيها.
كثيرة هي التحديات التي تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط، ومن اللافت الدور الإقليمي الكبير الذي تقوم به دول الخليج لترسيخ الاستقرار في المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي تقود جهوداً ضخمة ومتعددة المستويات لدعم الاستقرار في المنطقة سواء في لبنان أو اليمن أو سوريا أو السودان، وقد سعت بثقلها السياسي والاقتصادي لإعادة بعض الدول للبيت العربي وللمجتمع الدولي مثل سوريا، والتي سعت لرفع العقوبات عنها ودعم استقرارها والعمل على خدمة مواطنيها بعد عقود من الاستبداد السياسي والحروب الأهلية.
لا شك أن قيام المملكة العربية السعودية بدورها الإقليمي والدولي في دعم الاستقرار بالمنطقة كان له كبير الأثر فيما تتمتع به المنطقة حالياً من استقرار، ولا شك أن الاستقرار لابد أن يعتمد بشكل مباشر على مستوى من الثقة لا يمكن أن يتوفر بدون جهود متوازنة وحاسمة وواعية من طرف يعي جيداً أن استقرار المنطقة هو مفتاح الأمان لانتعاشها اقتصادياً وتمتعها بالأمن والأمان.
منذ أيام قليلة انعقدت قمة مجلس التعاون الخليجي لهذا العام في دولة البحرين الشقيقة، وكان موضوعها هو كيفية تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وقد تم اتخاذ العديد من القرارت المهمة التي تصب جميعها في صالح تحقيق الاستقرار والهدوء في المنطقة وأهمها السودان الذي لا تزال تمزّقه ويلات الحرب الأهلية التي لا تزال تعصف به وبشعبه الأعزل، ومن الملاحظ أنه على الرغم من النجاحات العديدة التي تم تحقيقها بالفعل في المنطقة إلا أن التحديات لا زالت كثيرة ومتعددة، وأهمها استقرار غزة وإقرار حل الدولتين، والحد من الاعتداءات الإسرائيلية على بعض دول المنطقة.
من المؤكد أن تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لا يزال يحتاج المزيد من الجهود الدبلوماسية، وعلى الأرض توجد نماذج مشرقة هي دول الخليج، والتي تمكّنت من مواجهة تحدياتها بحزم وحكمة معاً وتمكّنت من توحيد صفوفها وبدء مسيرتها التنموية الخاصة بها، وقد أصبحت واحة للاستقرار والأمان والتطور في المنطقة، لذلك لا تحتاج المنطقة إلا للتماسك والوحدة ونبذ الفرقة والتخلي عن الصراع المسلح، وهي الجهود التي تحتاج لتضافر والتفاف شعبي، وهو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يبعد عن المنطقة شبح الحروب والفتنة التي ينفخ فيها البعض، لتتمكن من أن تحتل المكانة الدولية المرموقة التي تستحقها بين بقية دول العالم.