بينما تتدافع أمم الأرض في فضاء المصالح المتقاطعة، حيث تتناغم الأحلام بجانب وتتكامل الأفكار في أكثر، وتختلف في أقل، يمتزج كل هذا ليشكّل فضاء هذه الزيارة، ليس كحدث سياسي فقط، بل كحضور وجودي.. يكون كمسافات الصمت وكالكلمات التي تقطع المسافات بومضة نجم صامتة وحية تُلمع في صحراء المملكة ويعبر بريقها وأثرها فضاءات العميق والقصي من الجهات. لتكون كل الثمار المبتغاة والأهداف المرجوة (نحن نستثمر هنا ليس إرضاء للولايات المتحدة وترمب)، نعم، بل استجابة لفعل نحن فيه وليس خارجه، أو كأن سمو نجم هذا الحدث وبكل ثقة يقول، نحن لا ننطلق في عملنا ومشروعاتنا وشراكاتنا من حالة ردة فعل، بل فعل، نحن نعكس ولسنا مجرد انعكاس، نحن تطلب أحلامنا ما تريد، وليس ما يراد لها..

لقد كانت بلادنا دوماً كالصحراء في حكمتها الصامتة، تخفي تحت ظاهر السكون نبضَ تحولٍ كوني بين الحين والآخر، وقبيل كل خطوة تسبق حالة فعلها هذه... والآن، ومع تشقق المدى عن تدفق حدث لا يختصر معناه ولا يستمر جريان عذوبته إلا وهو ينساب بحكمة وإبداع على كل الأصعدة، لأنه انعكاس يحقق قفزة كمومية أو كمية كبيرة يصوغها التحوّل من الكينونة إلى الفعل، ومن الوجود القائم إلى الوجود الصائر والمتحقق بلا انطفاء أو انتهاء.

إنها رحلة يقود ركبها فارس الرهانات التي لا تعرف الخسارة والتحوّلات التي تتجاوز إرادة النفط إلى إرادة الإنسان ومركز وجوده، حيث تتحوّل حبات الرمال إلى بتلات رقمية، والطاقة المختزنة في الأرض إلى طاقة مُختزنة في العقل. هذا ليس تغييراً في السياسة، بل هو استنارة في الوعي.. انتقال من كونك لاعباً على رقعة الشطرنج إلى كونك من يحرك القطع ويرسم الزوايا ويصوغ الأشكال.

وفي قلب هذه الرحلة الحدث، أو الرحلة المنعطف، يسبر قائدها غور كل التحديات، ليصنع منها ألقاً جديداً، ويحيلها إلى خلاصة تسبق كل ما تختصره، ونغمة مستمرة التردد على موجات التميّز والمنافسة.. يعبر بها وبما تحمله، كحكيم أو كفنان ترقص ريشته التطلعات دون أن تفقد توازنها. يمسك بيد من حديد، لكنها تلمس العالم برقة هذه الريشة. هذه ليست قيادة شكل ومعنى تقليدي، بل هي تأمل في الحركة.. وحركة تجعل كل من يعبره أثرها ينحني إعجاباً بتلك الحكمة الرشيقة، التي جعلت الكثير من الأسئلة الساذجة والمعلبة طويلاً، ترقص بلا قوام على إيقاعات الخيبة.

إنه الفارس الذي يقود التحوّل كعازف منفرد في سيمفونية كبرى، يعرف متى يصمت ومتى يعلو صوته، متى يترك النوتة الموسيقية ومتى يبتكر لحناً جديداً. إنها براعة من يستطيع الجمع بين الأصالة والحداثة دون أن يفقد روحه.

فالاحتفاء الذي شاهدنا وبريق الحضور الذي كنا عليه جميعنا من خلاله، في البيت الأبيض، لم يكن بروتوكولاً دبلوماسياً، بل كان وسماً من مواسم الاعتراف بالوجود. عندما تتجاوز العلاقات البروتوكول إلى الاحتفاء، فهذا يعني أنك لم تعد شريكاً في المصالح، بل أصبحت شريكاً في المصير والقيمة.

فمن حكمة الصحراء إلى وعي الخوارزمية، كانت بلادنا تطلق ملامحها شموساً في سماء العالم، وكان سطوع ذلك في شراكات الذكاء الاصطناعي، عند مشاهدة اكتمال الدائرة: من حكمة الصحراء التي تعلمنا أن كل شيء يأتي في وقته، إلى حكمة الخوارزميات التي تذكرنا بأن كل شيء ممكن. هذا ليس نقلاً تكنولوجياً، بل هو حوار بين وعيين.. بين صبر الصحراء وقوتها وسرعة الضوء وتأثيرها.

إنها رحلة تتمحور أو تقوم على وجوه فلسفية متعددة، فلسفة تشير إلى أن الأمن لم يعد مجرد دروع وصواريخ، بل أصبح رقصة وجودية بين الأنا والآخر. صفقات السلاح المتطوّر لم تعد أدوات حرب، بل أصبحت رموزاً لوعي جديد.. ينتقل بإنسانه من زاوية باحتمال واحد إلى فضاء شاسع من الاحتمالات، حيث الانتقال من موقع الدفاع عن الوجود فحسب، إلى موقع الإسهام في صياغة وجود ما يحيط بهذا الوجود.

وتظهر استثنائية القائد، ليس كحالة سياسية، بل كفيلسوف أو طبيب يعرف أن بعض الجروح مقدسة.. وأن الأمم لا تُقاس بقوتها العسكرية فقط، بل بصدقها الأخلاقي. إنها تذكرة بأن القوة الحقيقية هي التي تخدم الحياة، لا تميتها ولا تترك مشاهدها أو معالجتها تبدو ناقصة كأنها لم تك أصلاً، لأنها تدرك في العمق أن بإمكان كل من أراد القول أن يقول، بينما ليس بإمكان كل من قال أن يكون مؤثراً في قوله.

أخيراً، الزيارة لم تكن حدثاً في التاريخ، بل كانت تاريخاً بنيت تحته العديد من الأحداث. فلم تعد المملكة دولة نفط، بل أصبحت دولة رؤية.. ولم تعد فكرة أو وجهاً على الخارطة، بل أصبحت خارطة لكل طريق. فبهذا الصمت الناطق، وهذا الهدوء المدوي، تكتب بكلمات من نور فصلاً جديداً في عمر الوجود.. حيث تتحول الصحراء من مكان إلى حالة.. من جغرافية إلى استعارة.. من أرض إلى روح.