الدور السعودي في إشاعة ثقافة الحوار ومحاربة التطرّف ودعم التسامح لطالما ترددت العبارة ذاتها على مسامعنا: «لقد قتلتنا الصحوة وسرقت جماليات الحياة التي كان يتمتع بها المجتمع السعودي، ويا ليتنا نعود إلى ما قبل خمسة وثلاثين عاماً». غير أنني، في كل مرة أسمع فيها هذا القول، لا أتمنى العودة إلى عقود مضت، بل إلى أكثر من أربعة عشر قرناً خلت، إلى زمن الإسلام الأول، حين كان المجتمع متسامحاً، منفتحاً، ومفعماً بالرحمة والوسطية.

في عدد من مشاريعي التلفزيونية التي سعت إلى الغوص في عمق الثقافة والفكر والتاريخ الإسلامي، قادتني النقاشات المثمرة مع عدد من المفكرين السعوديين إلى تأمل هذا المعنى مجدّداً. فقد كان الحوار حول ثقافة التسامح، وجوهر الشريعة وروحها الإنسانية مفيداً للجميع، ذلك أن الإسلام في أصله لم يكن دين تشدّد أو إقصاء، بل دعوة للسلام والتفاهم والتعايش.

من هنا، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية أدركت مبكراً خطورة الفكر المتطرّف على الدين والإنسان معاً، فتبنّت نهجاً راسخاً يقوم على الحوار والتسامح ومواجهة الغلو. لقد نجحت المملكة في استعادة الصورة الحقيقية للإسلام باعتباره دين وسطية وعدل ورحمة، لا دين عنف أو كراهية. ومصداقية هذا الدور نابعة من كون السعودية مهد الإسلام، ومن حرصها على أن تكون مرجعية فكرية وروحية في العالمين العربي والإسلامي.

ولأنها تدرك أن الحرب ضد التطرف تبدأ من الفكرة قبل السلاح، أنشأت المملكة عدداً من المراكز الفكرية الرائدة التي أصبحت نموذجاً عالمياً، مثل مركز اعتدال الذي يتصدّى للفكر المتطرف عبر تحليل المحتوى الرقمي، ومركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع الذي يعمل على تفكيك خطاب الكراهية وإعادة تعريف المفاهيم الدينية المغلوطة، والمركز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) الذي يفتح نوافذ التفاهم بين الشعوب.

هذه المبادرات ليست مجرد مؤسسات، بل مشروع وطني شامل لإعادة بناء الوعي، وترسيخ ثقافة الحوار والاعتدال في مواجهة الانغلاق والتعصب. لقد أصبح الصوت السعودي اليوم أحد أبرز الأصوات الداعية إلى السلام والتعايش في المنطقة والعالم، من منطلق قناعة راسخة بأن الأفكار المضيئة أقوى من الرصاص.

إن التجربة السعودية في محاربة التطرّف لا تقوم على الأمن وحده، بل على التعليم والإعلام والثقافة والفكر، في مسار متكامل يستعيد جوهر الإسلام كما بدأ: دين رحمة وعدل وإنسانية.