كتاب ومقالات

سياسات أمريكا: إدارة الرئيس بايدن.. !

صدقة يحيى فاضل

كغيرها من السياسات، فإن سياسة الديموقراطيين، بزعامة الرئيس جوزيف بايدن، التي ستحكم أمريكا على مدار السنوات الأربع القادمة، تتسم بسمات إيجابية وسلبية، بالنسبة لأمريكا والعالم. وهذه الإدارة تتسلم حكم أمريكا وهي في أوج معاناتها من وباء كورونا، الذي أنهكها، وأضعف اقتصادها، ويكاد يزعزع من مكانتها العالمية، خاصة بعد تشكيك ترمب في نتائج انتخابات الرئاسة الأخيرة، التي أسفرت عن فوز كاسح لبايدن. وكان كثير من المراقبين السياسيين الأمريكيين يعتبرون جورج بوش الابن أسوأ رئيس مر على أمريكا في هذا العصر، ولكنهم الآن يعطون هذا الوصف، وبما يشبه الإجماع، لدونالد ترمب.

لقد لفقت إدارة ترمب عدداً من الأكاذيب الصارخة المعروفة... واتخذتها كـ«ذرائع» لتجاوز المؤسسات والقوانين والأعراف الدبلوماسية. ونجم عن ذلك الكثير من الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بأمريكا، وأضرت بآخرين، وأسهمت في فقدان الحزب الجمهوري بعض بريقه، وتمهيد الطريق لفوز بايدن بمنصب الرئاسة.

****

وسبق أن أوجزنا ما يعتقد أنه أهم ملامح السياسة الأمريكية القادمة بمنطقة الشرق الأوسط، وأهم القضايا الداخلية التي توليها إدارة بايدن الأولوية. وتمتلئ أجندة سياسة إدارة بايدن أيضاً، على المستوى العالمي بمواضيع خطرة وقضايا كبرى ساخنة. ومن تحليل الأحداث المعنية وتوجهات واهتمامات هذه الإدارة (حتى يناير 2021م) يمكن القول بأن: أهم القضايا، بالنسبة لهذه الإدارة، على المستوى الخارجي بعامة، تهدف لتكريس هيمنة أمريكا على النظام العالمي، عبر تقوية الذات الأمريكية اقتصادياً وسياسياً، وإضعاف المنافسين، أو تحجيمهم. وسيتجلى ذلك في القضايا التالية، المرتبة ترتيباً تنازلياً (حسب الأهمية):

أولاً: العلاقات الأمريكية- الصينية: تعتبر الصين ثاني أكير اقتصاد عالمي بعد أمريكا. ولعلها الآن المنافس الأول للأخيرة. وهى أكبر مصدر للسلع للولايات المتحدة، وأكبر دائن لها. والعلاقات الثنائية بين البلدين كثيراً ما يسود فيها الصراع على التعاون. ومعروف، أن من أهم عوامل الصراع بين أمريكا والصين هي: المسألة التايوانية، ورعاية الصين لكوريا الشمالية، والتواجد العسكري الأمريكي المكثف في بحر الصين الجنوبي، إضافة إلى التنافس الاقتصادي والتجاري الحاد، وسباق التسلح الصامت بينهما.

وقد اتسمت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن الأخيرة عن العلاقات الأمريكية مع بكين بشيء من الشكوك، خاصة بعد ما روج في الأوساط الأمريكية، في شهر ديسمبر 2020م، بأن الصين قد تكون وراء الهجوم السيبراني الذي طال عدة مؤسسات أمريكية حساسة. وإن ثبت هذا، فإنه سيزيد في توتر العلاقات بين هذين القطبين. وهذا الاتهام أثار استياء الصين وانتقادها.

****

ثانياً: العلاقات الأمريكية - الروسية: سيتم فتح ملف العلاقات الروسية - الأمريكية من جديد، ومحاولة لجم الدب الروسي... خاصة بعد اتهام روسيا أيضاً بالاختراق السيبراني. وكانت إدارتا أوباما وترمب أصرتا على إقامة ما يعرف بالدرع الدفاعي الصاروخي على مشارف الحدود الغربية الروسية، بحجة حماية أوروبا وأمريكا من هجمات صاروخية قد تشن من إيران، أو كوريا الشمالية. ولكن الهدف الحقيقي لذلك المشروع، كان -وما زال- محاصرة روسيا عسكرياً وصاروخياً... وهو الأمر الذي ترفضه موسكو بشدة، وتعمل جاهدة على إفشاله، ومواجهته. إضافة إلى رفضها للعقوبات الغربية ضدها، بسبب قضيتي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وأيضاً خلافات الطرفين حول الوضع السوري.

****

ثالثاً: تحسين وتطوير العلاقات الأمريكية مع أمريكا اللاتينية (البوابة الخلفية لأمريكا)... تلك العلاقات التي تهم أمريكا كثيراً، والتي تأثرت هي الأخرى، بالسلب من مواقف ترمب أثناء رئاسته، وما صرح به تجاه بعض القضايا الحيوية التي تهم تلك القارة بعامة، والمكسيك الجارة على وجه الخصوص، وبناء سور على حدودها لوقف هجرة المكسيكيين، كما طالب ترمب. ولكن سيتم التشدد ضد هذه الهجرة.

رابعاً: الاهتمام بقضايا التغيرات المناخية المتوقعة: هناك تغيرات مناخية خطيرة متوقعة، ستلحق بالعالم، ما لم تتخذ إجراءات عالمية موحدة تجاهها. واشتهرت إدارة ترمب برفضها الاعتراف بهذه الأخطار، وعدم اكتراثها بالأمور المناخية. بل وانسحابها من اتفاقية باريس للتعامل مع المناخ. وسوف يعمل بايدن العكس تماماً، خاصة وقد شكل فريقاً متخصصاً لهذا الغرض.

خامساً: محاولة التوسع في نشر النفوذ الأمريكي في أفريقيا... وتقليص النفوذ الصيني المتزايد في هذه القارة، التي تخضع الآن لمطامع دولية مختلفة، ومحاولات بسط نفوذ واسعة.

سادساً: دعم «حلف الناتو» وتقوية علاقات أمريكا بحلفائها الأوروبيين. ويشمل ذلك تطوير وتحديث ترسانة أسلحة الدمار الشامل بالولايات المتحدة.

****

وهناك، ولاشك، قضايا ومستجدات أخرى مهمة. ولعل ما ذكر هو أهم القضايا الخارجية الحالية بالنسبة للإدارة الامريكية الجديدة. ويلاحظ أن القضايا العربية والإسلامية، التي تطرقنا لأهم ملامحها سابقاً، هي التي تمس مباشرة -بالطبع- العالمين العربي والإسلامي. وأي تطور سلبي يحدث في تلك القضايا سيلحق ضرراً بشعوب العالمين العربي والإسلامي. وذلك قد يفاقم من العلاقات الباردة أصلاً بين هذين الطرفين. وقد يقدم الرئيس الأمريكي «جوزيف بايدن» على اتخاذ سياسات إيجابية تجاه العرب والمسلمين، ويمد جسور تفاهم حقيقي معهم. ولكن أغلب المؤشرات حتى الآن لا تدعو للتفاؤل كثيراً.

كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com