كتاب ومقالات

الترامبية !

طلال صالح بنان

لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة، لا بل في تاريخ الديمقراطيات التقليدية، أن جاء زعيمٌ مثيرٌ للجدل، مثل الرئيس ترمب. إرث الرئيس ترمب السياسي، لم يكن في كونه ظاهرة عابرة، بقدرِ ما يظل فكرة نابضة في قلب الفكر والممارسة السياسية الأمريكية تجري دماؤها في شرايين ديمقراطيتها.. ويتحكم تردد وانسياب «كهربائيتها» في خلايا فكرها السياسي.

ثورة ترمب على مؤسسات ونخب واشنطن، لم تكن عابرة أوعَرَضِية، وإن ظهر أن إمكانات وقدرات الدولة العميقة في واشنطن تتجاوز إمكاناته الشخصية. قد تكون الدولة العميقة في واشنطن تغلبت عليه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكنها لم تنتصر عليه بالضربة القاضية، فقد تركها منقسمةً على نفسها ملهيةً في صراعاتها الأيدلوجية الحادة.

الرئيس دونالد ترمب، سيظل زعيماً مؤثراً في الحزب الجمهوري... بل يظل الأقوى تأثيراً ونفوذاً على الحزب، حتى بعد خروجه من السلطة. ويظل المرشح الأقوى للحزب، من الآن، وحتى انتخابات الرئاسة 2024.. ولن يجرؤ أي سياسي جمهوري في الحزب أن يقترب من زعامته للحزب.. أو حتى ينافس على مستويات أدنى في مؤسسات الدولة، خاصة الكونجرس، دون إذنٍ منه ومباركة! أكيد لن يسمح لأحدٍ من الحزب أن يتقدم للانتخابات التمهيدية، لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو يتطلع لفترةِ حكمٍ ثانية.

لهذا المستوى من القوة المتفردة يتمتع الرئيس ترمب داخل الحزب الجمهوري، وهو أصلاً لم يكن من «كوادر» الحزب التقليدية المتمرسة. قوة لم يسبق أن تمتع بها أي رئيس أمريكي. لقد بلغ من «طغيان» هذه القوة السياسية الجبارة، بإمكاناتها السياسية الرادعة، التحكم في سلوك الأغلبية الساحقة في الحزب الجمهوري، بدعم رفضه الإقرار بنتيجة الانتخابات، بالرغم من سيادة القناعة باستحالة تغيير النتيجة، بما يعكسه ذلك من تحدٍ لقيمٍ راسخةٍ باحترامِ آليةِ التداولِ السلمي السلس للسلطة المتواترة، منذ نشأة الجمهورية.

الرئيس ترمب، في المرحلة القادمة، سيظل في حملة انتخابية مستمرة، تكريساً لزعامته الحزب الجمهوري، مجنداً أكثر من سبعين مليون أمريكي، آمنوا بفكره، وإن كان الأمر ليس بالضرورة كذلك بالنسبة لرضائهم عن أدائه. ربما يعكس هذا التوجه اليميني المتطرف لمؤيدي الرئيس ترمب صدى التحولات السياسية في العالم القديم. هناك إرهاصات قوية ومؤثرة لعودة الفكر والممارسة الشمولية في المجتمعات الغربية، إحياء لتراثٍ تليدٍ من العنصرية.. والمسيحية المتطرفة.. والوطنية الشيفونية، وحكم الفرد (السوبرمان)، التي سادت المجتمعات الأوروبية في فترةِ ما بين الحربين.

الرئيس ترمب، كان في سلوكه ومنهجه يمقتُ الديمقراطية، قيماً وممارسةً، وكان يحلم بالحكم منفرداً، وللأبد. كان لا يخفي إعجابه بالرئيس الصيني ورئيس كوريا الشمالية. وكان في داخله يتطلع لحكم أمريكا لأكثر من فترتين! الأمر وصل به أنه في أحد إعلانات حملته الانتخابية أشار لطموحه حكم أمريكا، حتى عام 2050!

الرئيس ترمب (الفكرة والسلوك) سيبقى متجذراً في قيم الممارسة السياسية الأمريكية. حتى لو غاب الرئيس ترمب عن المسرح السياسي، فإن إرثه السياسي، سيظل مصدرَ إلهامٍ لغيرهِ وأساساً لشرعية تيار أقصى اليمين المحافظ في البلاد، بما يتجاوز إرث وأيدلوجية ونهج الحزب الجمهوري، نفسه.

الفكرة لا تموت، بغياب أصحابها.

كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com