-A +A
محمد عبد الشافي- القاهرة
مدينة (الأقصر) من أكبر المتاحف المفتوحة في العالم ، فهي متحف مليء بالرهبة والآثار الموحية القديمة، وقد كانت الأقصر جزءاً من طيبة القديمة، وكانت مقعد القوة لمدة 1350 عاماً متتالية ، أي من عام 2100 قبل الميلاد إلى 750 قبل الميلاد، وفي هذا الوقت قام المصريون ببناء العديد من الأعمال الفنية المعمارية، وبهذا تحولت المدينة إلى مدينة غنية بالتاريخ المبهر بالأماكن التاريخية .. الآثار، المعابد، المقابر .. عندما تتجول في الأقصر، فإنك تمشي بين التاريخ ، بين رؤوس آلهة المصريين القدماء في طريق الكباش، بين الأعمدة وزهور اللوتس وأوراق البردي!
نعم .. تعتبر (الأقصر) جزءاً من طيبة القديمة، المدينة ذات المائة باب –كما قال عنها المؤرخ الإغريقي العظيم "هوميروس- بسبب أبنيتها ذات الأبواب الكبيرة، وقد نمت المدينة عبر العصور، وأعجب بها العرب وبجمالها فسموها (الأقصر) لكثرة ما شاهدوه بها من قصور.

كما أبهرت المؤرخ القديم المشهور هيرودوت صاحب مقولة لولا النيل ماكانت مصر.
ولهذا ينبهر الزائر عند زيارته للمدينة التي تتسم بعمدانها الرهيبة المساحة على كل شاطئ النيل في "مدينة الحياة" في الشرق حيث تشرق الشمس، وفي "مدينة الموت" في الغرب حيث تغرب الشمس في مدارها غير المنتهي حيث ترقد بسلام الحياة.
صفحات التاريخ على ضفاف النيل
حينما تتجسد أمامك حضارة كانت في أوج عظمتها منذ 7 آلاف سنة، وتعتبر مفخرة العلوم التي توصل إليها الإنسان بكافة العصور .. في تلك اللحظات تتعايش في أجواء تأخذك إلى رحلة أسطورية ساحرة إلى الزمن الغامض، وعندما تنتهي الدوامة الزمنية تدرك روعة الماضي الأسطورة، فالتاريخ يقلب صفحاته أمامك دون الحاجة لأن تسمع شرحاً من أحد، أو تتصفح كتاباً أو مرجعاً .. فالآثار المشيدة على ضفاف النهر الخالد شاهد وبرهان لإحدى أعظم الحضارات التي عرفتها البشرية، ففي الأقصر تشاهد جامعة مفتوحة للتاريخ الإنساني في عصوره المختلفة ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، فمدينة الأقصر العريقة تحتضن آلاف الكنوز والأسرار والحكايات المثيرة بعصر الفراعنة.
تعدد الأسماء دليل على شرف المسمّى
وقد أطلق على مدينة الأقصر أسماء عديدة في مختلف العصور، لعل أشهرها: أبو نوشمع –بمعنى مدينة الشمس الجنوبية، وواست –أي الصولجان علامة الحكم الملكي وتعبيراً عن مدى السلطة التي كانت تتمتع بها هذه المدينة، ولعلّ آخر هذه التسميات هي الأقصر التي جاءت بعد الفتح الإسلامي، وهي مشتقة من كلمة قصر العربية.
عبقرية المكان
ليس من فراغ، أو من باب الصدفة، أن يختار الفراعنة هذا المكان بالذات (الأقصر) 720 كيلو جنوب القاهرة، ليكون عاصمة لحكمهم الذي امتد حقباً مديدة من الزمن– كما يقول "محمود خوفو" مفتش آثار البر الغربي- فالمكان يمتاز بعبقرية فريدة من نوعها، لا يضاهيه مكان آخر في مصر على الإطلاق، ولو كان هناك أفضل وأجمل منه ما تركوه أبداً بعدما دالت لهم الممالك ، وبسطوا سيطرتهم شمالاً وجنوباً.
وقد ظلت مدينة الأقصر قرية صغيرة تابعة لمركز قوص عاصمة الصعيد بعد الفتح الإسلامي، ثم تحولت إلى مدينة تابعة لمدينة "إسنا" ثم مدينة تابعة لمحافظة قنا، ونظراً للأهمية السياحية للمدينة ، حيث تحتوي منفردة على حوالى ثلث آثار العالم ، وثلثي آثار مصر ، تم صدور القرار الجمهوري رقم 153 لعام 1989م باعتبار مدينة الأقصر ذات طابع خاص لطابعها الأثري والحضاري ولأهميتها السياحية، وبموجب هذا القرار انفصلت مدينة الأقصر عن محافظة قنا.
وتضم الآن مدينة الأقصر خمس مناطق هي: العوامية، الكرنك القديم، الكرنك الجديد، منشأة العماري، القرنة.
وتتكون مدينة الأقصر من شطرين: البر الشرقي، والبر الغربي، ويفصل بينهما نهر النيل الخالد، وكان البر الشرقي إبان العصور الفرعونية يطلق عليه "مدينة الأحياء" حيث المعابد الدينية وقصور الملوك والأمراء والوزارات والسفارات وبيوت الكهنة والموظفين وعامة الشعب، كما كان البر الغربي يطلق عليه "مدينة الأموات" حيث المقابر والمعابد الجنائزية.
ويوجد بالأقصر (البحيرة المقدسة) التي كانت تستخدم للتنقية، وتقع البحيرة المقدسة خارج القاعة الرئيسية من معبد الأقصر، حيث يوجد هناك تمثال كبير للجعران، وكان هذا التمثال إهداء إلى الملك امنحتب.
تبلغ المساحة الكلية للمدينة 277 كيلو مترا مربعا، ويبلغ عدد السكان وفقاً لتعداد 1996م إجمالي 360503 نسمة .
معابد الأقصر تشغل الدنيا
احتفت مدينة الأقصر بعدد كبير جداً من المعابد، منها ما قد تمّ اكتشافه بالفعل، ومنها ما لم تظهر أسراره بعد .. لكن بحسب أن نشير إلى أهم هذه المعابد:
معبد الأقصر
أنشأ هذا المعبد "أمنحتب الثالث" ( 1397 – 1360 ق.م) وقد أقام من قبله الملك "تحتمس الثالث" ( 1490 – 1436 ق.م) مقاصير زوارق ثالوث طيبة المقدس، كما قام الملك "توت عنخ آمون" ( 1348 – 1327 ق.م) باستكمال نقوش جدرانه، وأضاف إليه الملك "رمسيس الثاني" ( 1290 – 1223 ق.م) الفناء المفتوح والصرح والمسلّتين التي هاجرت إحداهما، واستقرت في ميدان "الكونكورد" بباريس. كما يضم هذا الصرح فناء رمسيس الثاني المحاط من ثلاثة جوانب بصفين من الأعمدة يصل عددها إلى 32 عموداً.
واستطاع الإسكندر الأكبر عندما غزا مصر أن يشيد مقصورة صغيرة له تحمل اسمه داخل مقصورة أمنحتب الثالث، وأن المعبد ينتهي بقدس الأقداس حيث حجرة التمثال المقدس وبها أربعة أعمدة.
معبد الكرنك
"الكرنك" كلمة عربية تعني القرية الحصينة، أما المصريون القدماء فقد أسموه أجمل وأعظم بيوت الإله آمون، ويقع المعبد على بعد ثلاثة كيلو مترات شمال مدينة الأقصر، ويرتبط بمعبد الأقصر بطريق الكباش، وقد شُيد هذا المعبد لعبادة آمون رب طيبة، وقد بدىءفي تشييده منذ الأسرة الثالثة ( 2780 – 2680 ق.م ) ثم الدولة الوسطى إلى أن جاء ملوك الدولة الحديثة ( 1570 – 1320 ق.م ) فساهموا بنصيب وافر في عمارته، والمعابد مقامة على مساحة 63 فدانا .
الصوت والضوء
هذا العرض يحكي بالصوت تصاحبه موسيقى تصويرية غاية في الإبداع، قصص تاريخ طيبة، وسيرة ملوكها العظام، الذين حكموا مصر وسادوا العالم وقت أن كانت الأقصر حاضرة لمصر قاطبة ومستقراً لعروش ملوكها، كما يجتذب الأنظار إلى مواقع الأحداث التي تروى في هذا الحشد الهائل من المعابد والهياكل وأبهاء الأعمدة والتماثيل العملاقة في عرض مبهر يجل عن الوصف، ويتم العرض بسبع لغات هي: العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والإيطالية والأسبانية، وتستغرق مدة العرض ساعة ونصف الساعة يمضي فيها المشاهد وقتاً خيالياً مع أحداث التاريخ المصري القديم بكل عظمته وجلاله.
وادي الملوك
هو المنفرج بين جبال القرنة، لذا اختاره ملوك طيبة ليكون مستقراً لمومياواتهم، وقد كان الملك "تحتمس الأول" أحد ملوك الأسرة 18، هو أول ملك دُفن في هذا المكان، ثم أعقبه ملوك الأسر 18، 19، 20.
أشهر مقابر الأقصر
مقبرة الملك "توت عنخ آمون" ( 1348 – 1337 ق.م ) والتي اكتُشفت عام 1922 كاملة، مقبرة سيتي الأول، مقبرة رمسيس السادس، مقبرة رمسيس التاسع، مقبرة حور محب، والجدير بالذكر أنه يوجد بوادي الملوك عدد 62 مقبرة مفتوحة للزيارة، كما يعتبر وادي الملوك هو المنطقة الأثرية الأولى في أي برامج لزيارة المعالم الأثرية لمدينة الأقصر.
معبد الدير البحري
هو المعبد الجنائزي للملكة "حتشبسوت" ( 1490 – 1469 ق.م ) أعظم وأشهر ملكات مصر، وقد ارتقت عرش مصر بعد وفاة "تحتمس الثاني" ويعتبر هذا المعبد فريد في تصميمه المعماري، وقد صممه لها مهندسها "سنموت" الذي أحبته ورفعته من ساحة عامة الشعب إلى مشارف القصر الملكي، والجدير بالذكر أن هذه الملكة هي أول من وقّع برتوكولاً تجارياً في التاريخ، بين مصر وبلاد بونت –الصومال حالياً.
تمثالا أمنحتب الثالث تمثالا ممنون
هما كل ما تبقى من المعبد الجنائزي للفرعون "أمنحتب الثالث" ارتفاع الواحد منهما20 / 19 مترا، وقد أقامهما ليتصدرا مدخل معبده، الذي تهاوى واندثرت معالمه، وبقي هذان التمثالان ليظلا شاهدين على عظمة هذا المعبد وقوة مشيده، ولهذين التمثالين أسطورة نسجها حوله الإغريق إبان حكمهم لمصر، إذ أنه عندما تصدع أحد هذين التمثالين، كان يصدر منه صفير في الصباح الباكر نتيجة مرور الهواء بين شقوقه، فاعتقد اليونانيون أن روح القائد "أجا ممنون" الذي فقد في حرب طروادة، قد سكنت هذا التمثال هو يناجي أمه "آيوس" إلهة الفجر كل صباح وكانت دموعها هي الندى، لكن هذا الصوت قد توقف عندما تم ترميم هذا التمثال!
وادي الملكات
من أشهر المقابر في هذا المكان مقبرة الملكة "نفرتاري" –جميلة الجميلات- وزوجة الملك "رمسيس الثاني" ومقبرة الأمير 19 أمن حر بخشف ابن رمسيس الثاني، معبد الرمسيوم، الذي شيده الملك "رمسيس الثاني" من ملوك الأسرة، ومسجل على جدرانه معركة قادش ومناظر دينية مختلفة تمثل علاقة الملك بالآلهة والإلهيات.
معبد مدينة هابو
شيده الملك "رمسيس الثالث" من ملوك الأسرة 20 وسجل على جدرانه وصروحه مناظر تمثل حروبه مع شعوب البحر المتوسط ومناظر دينية، وأخرى تمثل الألعاب الرياضية، وثالثة تمثل الصيد البري .. إلخ. ومازالت جميع اللوحات بالمعبد تحتفظ برونق ألوانها.
ومما يجدر ملاحظته قصر الملك رمسيس الثالث وبقايا معبد جنائزي يرجع للأسرة 18، وآخر يرجع للأسرة 25. ويحيط بكل هذه المجموعة سور عال من اللبن.
مقابر الأشراف
وتعتبر هذه المقابر سجلاً حافلاً يتناول فروع الحياة المصرية، وتعتبر مصدراً هاماً لدراسة الحياة الاجتماعية والإدارية في عصر الدولة الحديثة، ومن أشهر هذه المقابر : مقبرة منا، مقبرة نخت، مقبرة رع – موزا ، مقبرة رخمى – رع، مقبرة سن -نفر .
مقابر دير المدينة
وتختلف هذه المقابر اختلافاً واضحاً عن مقابر الأشراف، إذ اهتم العمال بحجرة الدفن فقط التي تميزت بموضوعاتها الدينية ومناظرها الجميلة وألوانها الرائعة، وأشهر هذه المقابر مقبرة سن – نجم، مقبرة باشدوا.
مدينة العمال
هي المدينة التي سكنها فئة من الفنانين والنحاتين والحجارين الذين قام على أكتافهم ما شيد من مقابر ومعابد الأسرتين 19، 20.