أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/294.jpg?v=1762092635&w=220&q=100&f=webp

محمد مفتي

هل تعود سويسرا الشرق؟!

لطالما كانت لبنان واحدة من أجمل الوجهات السياحية بالمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وأكثرها تميّزاً، وقد دفع مناخها المعتدل الكثيرين لإطلاق لقب سويسرا الشرق عليها بسبب التشابه الكبير في الطبيعة والطقس الرائع بين الدولتين، ما أهّلها لأن تصبح مصدر جذب سياحي ومقصداً للزيارة من السيّاح من كافة دول العالم ولا سيما من مواطني منطقة الشرق الأوسط.

غير أن كل ذلك تغيّر تماماً في منتصف السبعينات عندما عصفت أجواء الحرب الأهلية المدمرة بلبنان، والذي دخل في أتون حرب أهلية طاحنة حتى تسعينات القرن الماضي، وعلى الرغم من انتهاء الحرب الأهلية رسمياً غير أن لبنان ومنذ بداية دخوله في مرحلة الحرب الأهلية وهو يمر بسلسلة من الأحداث المتتالية التي أثّرت على طبيعة الحياة فيه وقوّضت من دعائم استقراره والتي استمرت حتى يومنا هذا. ولعل أبرز الأحداث التي أثّرت بالسلب على استقرار وسيادة لبنان كان التدخل السوري لحزب البعث في شؤونه الخاصة، والذي يعد تدخله في لبنان مرحلة فاصلة حوّلت لبنان لساحة حرب بالوكالة، مما أدخل البلد في حالة من التوتر والاضطراب المستمر.

لا يمكننا بطبيعة الحال تجاهل دور إسرائيل في المعادلة السياسية في لبنان، فقد كانت لبنان من أشد الدول معاناة عقب عملية السابع من أكتوبر في قطاع غزة، حيث استباحت إسرائيل الأراضي اللبنانية على نحو سافر وقامت بالتعدي عليه، وهو ما زاد من معاناة المواطنين، ولعل أسوأ الأزمات السياسية الحالية بلبنان هو وجود ميليشيا مسلحة متمردة ترفض الانصياع والانضواء تحت سلطة الدولة، ومع تزايد وعي القيادة اللبنانية والوعي الشعبي بضرورة توحيد لبنان تحت قيادة وطنية واحدة، تزايدت التحديات داخل لبنان ولاسيما عقب مطالبة الحكومة اللبنانية بقيادة الرئيس عون ورئيس وزرائه نواف سلام بضرورة حصر السلاح في يد الدولة، وإنهاء سيطرة الميليشيات المسلحة أيا كانت، فلا تزال لبنان ترزح تحت وطأة سعي تلك الميليشيات لأن تبقى لها اليد العليا في الشأن اللبناني وتحديد مصيره، غافلين أو متغافلين عن أن هذا السعي لا يراعي مصلحة لبنان ولا مصلحة الشعب اللبناني، وقد كان أحد الأسباب المهمة والجوهرية في عدم استقرار لبنان واضطراب أحواله.

في اعتقادي الشخصي أن تسليم الميليشيات المسلحة لسلاحها والانضواء تحت راية حكومة واحدة هو الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح الوطني في لبنان، فهو بوابة الحماية التي ستمنع أي تدخل خارجي في الشأن اللبناني في الظهور من جديد، مما يسمح ببعض الاستقرار في البلد الذي طالما عانى من ويلات الحرب الأهلية، ومن المؤكد أن استقرار لبنان لا يهم اللبنانيين فحسب، بل سيلقي بظلاله الإيجابية على كافة دول المنطقة واستقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، فالتوتر والاضطرابات التي تصيب دولة لا تقتصر على حدودها بل قد تمتد آثارها لدول بعيدة لا تجاورها، والتأثيرات التي تؤثر على كافة دول المنطقة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة.

تتمتع لبنان بمقوّمات سياحية تؤهلها بالفعل لأن تكون سويسرا الشرق، فهي تطل على ساحل طويل على البحر المتوسط، وهي تستطيع النهوض والعودة لمكانتها السياحية المميّزة التي كانت تحتلها قبل نشوب الحرب الأهلية فيها وتدخل عدد من الدول في شؤونها الخاصة، وهو ما لن يحدث إلا بالتفاف الشعب حول حكومته وحصر السلاح في يد الدولة، وعودة السياحة لسابق عهدها في لبنان يعني استقرار لبنان، وهو ما يعني بدوره عودة ثقة دول العالم فيها، وهو ما ستتم ترجمته في مسارعة دول العالم لدعمه اقتصادياً وتحويله لجهة جاذبة للاستثمارات الخارجية، فأمام لبنان الآن فرصة ذهبية للاستقرار بعيداً عن التدخلات الخارجية.

منذ يوم

الاستقرار في الشرق الأوسط

تعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق التي تتميّز بموقع إستراتيجي متميّز وثروات طبيعية وتنوع ثقافي قلّما يتكرر في منطقة أخرى بالعالم، وهو ما كان أحد العوامل المهمة التي فرضت عليه تحديات كثيرة، وتعد قضية استقرار الشرق الأوسط من أشد القضايا السياسية الدولية تعقيداً على الساحة في عصرنا الحالي، والاستقرار في الشرق الأوسط يعد حجر الزاوية لغالبية التوازنات الإقليمية والدولية، فالمنطقة تربط الشرق بالغرب، وعلى الرغم من سعي الكثير من دول المنطقة لتحقيق الاستقرار، إلا أن الواقع أثبت –للأسف الشديد- أن الكثير من دول المنطقة لا تزال تواجه العديد من التحديات التي حوّلت المنطقة لصفيح ساخن، فعلى المستوى السياسي تواجه بعض دول المنطقة نزاعات داخلية وهو ما يخلق حالة توتر واضطراب مستمر في المنطقة.

وذلك بخلاف الحروب التي اندلعت بين إسرائيل وبعض دول المنطقة مما أدّى لعدم استقرار العديد من دولها، وتلك التي تواجه تحديات داخلية وخارجية مثل قطاع غزة الذي شكّل الاعتداء الإسرائيلي الآثم عليه جرحاً في جسد الأمة العربية، وهذه العوامل أفرزت بدورها تحديات اقتصادية كبيرة، فالدول التي تعاني من صراعات داخلية ومشاكل سياسية خارجية تفشل في تحقيق أي تنمية حقيقية على الأرض، بخلاف تدمير بناها التحتية والأساسية ونزوح مواطنيها منها إلى الدول المجاورة، مما يضعف خططها التنموية ويفاقم من طبيعة أزماتها الاقتصادية.

وعلى الرغم من الثراء الثقافي والفكري في المنطقة إلا أنها شهدت العديد من حركات التطرف الإرهابية المتشدّدة، والتي عصفت بالمنطقة لفترة طويلة من الزمن قبل أن يتم السيطرة عليها لحد كبير، غير أن بعض الدول مثل لبنان واليمن لا تزال تتواجد بها المليشيات المسلحة التي تعرقل من سيطرة الدولة على إدارة شؤون البلاد، وهو ما يؤدي بالتبعية للانفلات الأمني الذي يؤثر بالسلب كثيراً على حياة مواطنيها.

كثيرة هي التحديات التي تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط، ومن اللافت الدور الإقليمي الكبير الذي تقوم به دول الخليج لترسيخ الاستقرار في المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي تقود جهوداً ضخمة ومتعددة المستويات لدعم الاستقرار في المنطقة سواء في لبنان أو اليمن أو سوريا أو السودان، وقد سعت بثقلها السياسي والاقتصادي لإعادة بعض الدول للبيت العربي وللمجتمع الدولي مثل سوريا، والتي سعت لرفع العقوبات عنها ودعم استقرارها والعمل على خدمة مواطنيها بعد عقود من الاستبداد السياسي والحروب الأهلية.

لا شك أن قيام المملكة العربية السعودية بدورها الإقليمي والدولي في دعم الاستقرار بالمنطقة كان له كبير الأثر فيما تتمتع به المنطقة حالياً من استقرار، ولا شك أن الاستقرار لابد أن يعتمد بشكل مباشر على مستوى من الثقة لا يمكن أن يتوفر بدون جهود متوازنة وحاسمة وواعية من طرف يعي جيداً أن استقرار المنطقة هو مفتاح الأمان لانتعاشها اقتصادياً وتمتعها بالأمن والأمان.

منذ أيام قليلة انعقدت قمة مجلس التعاون الخليجي لهذا العام في دولة البحرين الشقيقة، وكان موضوعها هو كيفية تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وقد تم اتخاذ العديد من القرارت المهمة التي تصب جميعها في صالح تحقيق الاستقرار والهدوء في المنطقة وأهمها السودان الذي لا تزال تمزّقه ويلات الحرب الأهلية التي لا تزال تعصف به وبشعبه الأعزل، ومن الملاحظ أنه على الرغم من النجاحات العديدة التي تم تحقيقها بالفعل في المنطقة إلا أن التحديات لا زالت كثيرة ومتعددة، وأهمها استقرار غزة وإقرار حل الدولتين، والحد من الاعتداءات الإسرائيلية على بعض دول المنطقة.

من المؤكد أن تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط لا يزال يحتاج المزيد من الجهود الدبلوماسية، وعلى الأرض توجد نماذج مشرقة هي دول الخليج، والتي تمكّنت من مواجهة تحدياتها بحزم وحكمة معاً وتمكّنت من توحيد صفوفها وبدء مسيرتها التنموية الخاصة بها، وقد أصبحت واحة للاستقرار والأمان والتطور في المنطقة، لذلك لا تحتاج المنطقة إلا للتماسك والوحدة ونبذ الفرقة والتخلي عن الصراع المسلح، وهي الجهود التي تحتاج لتضافر والتفاف شعبي، وهو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يبعد عن المنطقة شبح الحروب والفتنة التي ينفخ فيها البعض، لتتمكن من أن تحتل المكانة الدولية المرموقة التي تستحقها بين بقية دول العالم.

00:04 | 12-12-2025

فلسطين أولاً

يمثل يوم التاسع والعشرين من نوفمبر اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، غير أنه في كل مناسبة تعلن المملكة مراراً وتكراراً عن موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية وإزاء أبناء الشعب الفلسطيني برفضها القاطع التطبيع مع إسرائيل إلا بعد تطبيق حل الدولتين كمطلب جوهري، كما أن دعم المملكة للقضية الفلسطينية وحرصها على حقوق الشعب الفلسطيني هو الموقف الذي تبنته وتتبناه دوماً القيادة السعودية على مدار عدة عقود، وهو موقف ثابت ومطلق لا يتغيّر بتغيّر الظروف والأحداث، وهو مبدأ ينطلق من الإيمان بحقوق الشعب الفلسطيني في أراضيه التاريخية.

وعلى الرغم من تأكيد المملكة المستمر والقاطع -عبر القنوات الدبلوماسية- التزامها بحل الدولتين كشرط للتطبيع، فقد راهنت بعض المنصات المشبوهة وأصحاب الأقلام المغرضة على تغيّر موقف المملكة خلال زيارة ولي العهد الأخيرة للولايات المتحدة، وقد كان هذا الرهان هو أحد الادعاءات الكاذبة التي سعى هؤلاء المضللون لتوجيهها للنيل من أهمية الزيارة والتقليل من نجاحها، غير أنه خلال القمة تم التأكيد بغاية الحزم والوضوح التزام المملكة الحاسم والقاطع بحل الدولتين، وهو ما رسّخ الاعتقاد بأن المملكة مستمرة في اتباع نهجها الثابت بأنه لا تطبيع مع إسرائيل إلا بعد تطبيق حل الدولتين، وها هي القمة قد انتهت بنجاح لافت دون أن يتزعزع موقف المملكة من هذه القضية، فالمملكة لا ترضى إلا بحل عادل للقضية الفلسطينية يحقق آمال أبناء الشعب الفلسطيني في أن يكون لهم وطن خاص بهم يقع تحت سيادتهم، وما لم يتم تحقّق هذا الشرط فلا تطبيع من أي نوع بين المملكة وبين إسرائيل.

لعله من الغريب أن تراهن تلك الأقلام المغرضة على موقف المملكة من القضية الفلسطينية، فبخلاف المواقف التاريخية للمملكة تجاه القضية الفلسطينية والتي يعرفها الجميع، تعتبر المواقف الأخيرة التي اتخذتها المملكة لمساندة الشعب الفلسطيني في محنته التي اندلعت عقب أحداث السابع من أكتوبر من أقوى المواقف التي تم اتخاذها لدعم القضية الفلسطينية على العديد من المستويات، ولعل أهمها المستوى السياسي والدبلوماسي، بخلاف المساهمات القوية للمملكة على الصعيد الإنساني ومحاولاتها المستمرة لتخفيف عب المعاناة عن أبناء الشعب الفلسطيني ومساعدته بكل الطرق الممكنة.

غير أن المملكة تسعى دائماً لاستشراف المستقبل؛ فهي لا تكتفي بوضع حلول للقضية على المدى القريب، بل تنظر للقضية وتحوّلات مسارها على المدى البعيد، لذا فقد بذلت المملكة الكثير من الجهود لحث العديد من دول العالم على الاعتراف بدولة فلسطين، وهي الجهود الدبلوماسية التي تمّت بالتنسيق مع العديد من الدول الكبرى وأهمها فرنسا بدعم من الرئيس الفرنسي ماكرون، وأسفرت عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل الكثير من دول العالم.

غير أن المنصات المشبوهة التي يتم تمويلها من جهات معادية –ممن تتعيش على فتات المساعدات والتبرعات- تسعى بكل جهدها لإبعاد الأنظار عن كل هذه الجهود الحثيثة والناجحة والمثمرة، وتركز جهودها على التشكيك والكذب وإيغار الصدور والتلاعب بالحقائق وتزييف الكثير منها، وعلى الرغم من انكشاف أكاذيبهم وادعاءاتهم التي يدحضها الواقع على الأرض، نجدهم وبكل وقاحة مستمرين ومصرين على حوك أكاذيبهم التي لا يؤيدها منطق ولا يدعمها واقع، بل وحريصين على إشعال الأجواء وحوك القصص الخيالية الساذجة.

ما تتناوله المنصات المشبوهة التي ثبت بالدليل القاطع -وخاصة بعد أن قامت منصة إكس «تويتر سابقاً» بالكشف عن الدولة التي ينتمي لها صاحب الحساب- يؤكد أنها تدار من خارج المملكة رغم ادعائها بأنها حسابات وطنية، ويعكس في ذات الوقت عن نيتها المبيتة في السعي للتأليب وتزييف الحقائق والتكسب من نشر الشائعات المغرضة، غير أنه على الجانب الآخر يؤكد الواقع الثوابت التي تسير عليها المملكة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وهو ما يوضح بدوره سبب امتلاك المملكة هذا الوزن والثقل السياسي والدبلوماسي سواء إقليمياً أو دولياً، ويؤكد أن للمملكة موقفاً ثابتاً لا يتغيّر أبداً.

00:11 | 5-12-2025

كشف المستور!

من المؤكد أن لثورة الاتصالات الحديثة نتائج عديدة ومهمة وجوهرية وذات تأثير مباشر على أفراد المجتمع، غير أن وسائل التواصل الاجتماعي تعد التطوّر الأكثر أهمية، فالجميع يتواصل الآن عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف منصاتها، فتلك المنصات حوّلت العالم لقرية صغيرة يستطيع كل مواطن فيها أن يتواصل مع أي شخص آخر بأي مكان في العالم دونما قيود، مهما تباعدت بينهما المسافات أو حتى سكن كل منهما في قارة تختلف عن الأخرى.

لا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي فوائد عديدة أهمها تمكين كل فرد من أفراد المجتمع من أن يعبّر عن أفكاره، أو يشارك اهتماماته ومفضلاته بين أصدقائه ومجتمعه، ومن الملاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي اكتسبت قوة كبيرة وتأثيراً عميقاً وزخماً غير مسبوق خلال الآونة الأخيرة، فقد تمكّن من خلالها كل فرد ومؤسسة من نشر ما يريده وإيصاله لملايين المتابعين، وقد بدأت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي تجذب انتباه الجميع لقوتها المتصاعدة بالغة التأثير، فالكثير من أصحاب الحسابات الشهيرة ما إن يشارك بنشر تغريدة أو صورة أو مقطع مصور حتى نجده وقد حصد آلاف المشاركات والتعليقات وردود الأفعال.

وبطبيعة الحال، مع الانتشار الواسع والمكثف لها في كافة أرجاء العالم بدأت تدريجياً تظهر لها بعض الجوانب السلبية، واتخذها البعض وسيلةً للتأثير المعاكس والمناهض لما هو مفترض لها أن تقوم به، بل اعتبرها البعض وسيلة فعّالة ومناسبة لنشر الأكاذيب أو إطلاق الشائعات أو التحريض الخبيث، فتلك المنصات قد تصعب الرقابة عليها أو الإشراف على محتوياتها، ولاسيما عقب تطوّر بعض التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وغيرها من تقنيات سهّلت فبركة الصور والمقاطع المصورة مما مهّد لانتشار واسع للأخبار الكاذبة وغير الحقيقية.

غير أن مالكي تلك المنصات والقائمين عليها لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام طوفان تلك الأكاذيب والشائعات، فبدأوا بدورهم في وضع لوائح وقوانين لمحاولة ضبط المحتوى الذي تبثه تلك المنصات، فبدأوا بمحاولة توثيق الحسابات الشخصية والرسمية لأصحاب حسابات تلك المنصات لإضفاء الثقة على ما يتم نشره بأسمائهم وكمحاولة للحد من انتشار الأخبار المغلوطة، غير أنه –كما هو متوقع- لم يقف الطرف المضلل عن مساعيه لاختراق تلك القواعد وتضليلها لصالحه هو الآخر.

ولعل آخر تلك المحاولات كان إعلان منصة إكس «تويتر سابقاً» خاصية إظهار الدولة التي ينتمي لها صاحب الحساب، كنوع من إضفاء الشفافية على صاحب الحساب، وقد كشفت هذه الخطوة طبيعة الكثير من الحسابات المغرضة التي تبث سمومها ضد المملكة وتدار من قبل دول خارجية، فالكثير من تلك الحسابات تدّعي أنها حسابات وطنية لمواطنين سعوديين لا يهدفون إلا للصالح العام ولا يحركهم لكتابة ما يكتبونه سوى الصالح العام.

كما أظهرت تلك الخاصية الجديدة طبيعة العديد من الحسابات التي تتسوّل الدعم وتطالب بالمزيد من التبرعات، فقد اتضح أن الكثير منها وهمي يدار من الخارج، وهو ما يرشّح ارتباط تلك الحسابات ببعضها البعض، بل يزيد من احتمالية أن تدار تلك الحسابات من قبل طرف واحد أو أطراف عدة محددة، هدفها كلها جمع المال وبث بذور الفتنة في المجتمع السعودي في آن واحد، فالكثير من تلك الحسابات الوهمية التي تبث سمومها يظهر فيها الكذب جلياً، فغالبية محتواهم متناقض، بل أن منشوراتهم يناقض بعضها البعض، غير أن إضافة الدولة التي ينتمي لها صاحب الحساب تعتبر ميزة حقيقية في طريق ضبط المحتوى الرقمي وحمايته من الكذب والتدليس.

من الواضح تماماً أن تلك الحسابات راهنت على تحريض الشباب السعودي وبث الفرقة بين صفوف المجتمع بأكمله، غير أنها لم تجد الصدى الذي كانت تأمله، فالمواطنون السعوديون لديهم من الإدراك والحصافة ما يمكّنهم من فهم المحتويات الضالة والمضللة وقراءة ما بين السطور، غير أن تلك الخاصية الجديدة تسهم ولو قليلاً في كشف المستور وفضح الادعاءات في مهدها، وفي واقع الأمر لا أفهم ما يرمى إليه هؤلاء المخربون، ألم تكفهم الأحداث المضطربة والحروب الأهلية التي تعصف بالكثير من الدول المجاورة لنا؟ لِمَ لا يريدون سوى الدمار والخراب الذي قد يذهب ضحيته المواطن أولاً وأخيراً؟

00:26 | 28-11-2025

زيارة من أجل الوطن

خلال فترتي رئاسة الرئيس ترمب الأولى والثانية، كان حريصاً على نحو ملموس على أن تكون المملكة العربية السعودية هي محطته الأولى في الزيارات من بين بقية دول العالم، وخلال الزيارتين وما بينهما أيضاً كان ترمب حريصاً تماماً على توثيق علاقته بالمملكة وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومدِّ أواصر الصلة والصداقة بين البلدين وبين قيادتيهما، ومما لا شك فيه أن هذا الحرص على توطيد العلاقات وتعزيزها لم يكن وليد الصدفة أو بلا دوافع قوية، فالمملكة تتمتع -بفضل الله- بوزن سياسي وثقل اقتصادي ليس بين دول المنطقة فحسب، بل بين جميع دول العالم، حيث تحرص غالبية دول العالم على توثيق علاقتها بها ودفعها لمستوى الصداقة والتحالف، وليست الولايات المتحدة فحسب.

لا شك أن الدوافع التي تدفع غالبية دول العالم لعقد علاقات وثيقة وتحالفات طويلة الأمد مع المملكة تنبع من أسبابٍ عدة؛ لعل أهمها مسيرة التنمية المشرقة التي بدأها ولي العهد برؤيته المتميزة 2030 التي نقلت المملكة إلى مصافِّ الدول المتقدمة، فالمسيرة الناجحة التي بدأ ولي العهد بتدشينها منذ بداية توليه ولاية العهد حتى يومنا هذا باتت ملموسة على أكثر من صعيد، كما أن نتائجها ظهرت مبكرة وأعادت رسم شكل وجوهر المملكة أمام دول العالم كافة، كما أن مسيرة التنمية المتسارعة باتت عنصر جذب واهتمام لغالبية دول العالم في إدراكهم للمملكة كواجهة استثمارية وسياحية وفنية ورياضية لافتة، وواحة للاستقرار السياسي وسط عاصفة مضطربة تضرب بعض دول المنطقة، بل وبعض دول العالم.

من المؤكد أنه لا توجد دولة ناجحة دون قيادة ناجحة وقائد قوي وحاسم ومقدام، وهو ما لمسه الرئيس ترمب بنفسه، الذي أثنى على شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته الثانية، ووصفه بأنه زعيم قوي وحليف موثوق به ذو بصمة لا تخفى على أحد في إحداثه نهضة عظيمة في بلاده، ولم تكن تلك الصفات التي أسبغها ترمب على ولي العهد من باب المجاملة الدبلوماسية؛ بل تجسدت في مواقف ملموسة وأفعال واضحة للعيان أوضحت ثقة ترمب في امتلاك الأمير بصيرة قوية ورغبة في استقرار المنطقة؛ وهو ما تبدى في استجابته لطلب الأمير محمد بن سلمان برفع العقوبات الأمريكية عن سورية، والتقائه بالرئيس الشرع للمرة الأولى.

من الواضح تماماً أن هناك تجانساً واتساقاً سياسياً بين الرئيس الأمريكي وبين ولي العهد وبين الرئيس الشرع دفعت الرئيس ترمب لتوجيه دعوة للرئيس الشرع لزيارة الولايات المتحدة لتنسيق الجهود المشتركة بينهما، وهو ما حدث بالتزامن مع رفع مجلس الأمن للعقوبات عن سورية، وهو الأمر الذي يشير لقوة تأثير المملكة الدولي وقدرتها على إعادة صياغة المشهد السياسي الإقليمي، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال لتحسين وضع سورية بين بقية دول العالم وتخفيف المعاناة عن الشعب السوري الذي أنهكته الحرب الأهلية التي تجاوزت عقداً من الزمن.

تأتي زيارة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة استجابة لدعوة الرئيس الأمريكي الذي هدف من الدعوة للاحتفاء به، ولاستكمال مناقشة العديد من القضايا المهمة معه ولا سيما ملف القضية الفلسطينية، التي شهدت اعتراف العديد من دول العالم بالدولة الفلسطينية عقب النجاح الدبلوماسي للأمير بالشراكة مع فرنسا لدفع العديد من الدول العظمى للاعتراف بها، وبحقوق الفلسطينيين في أراضيهم التاريخية.

من المؤكد أن دبلوماسية الأمير في حث العديد من دول العالم على الاعتراف بفلسطين على الرغم من صعوبة مجرد تخيل هذا الأمر من قبل، إن دلت على شيء فإنها تدل على المكانة السياسية المتصاعدة للمملكة ودورها المتزايد في تحقيق الاستقرار الإقليمي، ودون جدل سيكون حل القضية الفلسطينية المتمثل في أطروحة حل الدولتين حاضراً في سجل زيارات الأمير، ولا يقوم ولي العهد بزيارات روتينية تقليدية كنوع من المجاملات الدبلوماسية التي تمثل جزءاً من الأعراف والتقاليد السياسية الدولية، بل تأتي تتويجاً لجهوده في عقد العديد من الشراكات الاقتصادية والتكنولوجية والصفقات العسكرية، ولا سيما أنها تأتي في ظل مرور منطقة الشرق الأوسط بالكثير من التحديات.

لقد أوضح الرئيس ترمب أن هذه الزيارة أكثر من مجرد اجتماع، وهو ما تجسد في حفاوة الاستقبال اللافتة التي حظى بها الأمير، والتي لا تقتصر على الإعجاب بشخصه، بل تتعلق أيضاً بدوره البارز في تعزيز الاستقرار الإقليمي للمنطقة ككل، فهذه الزيارة من أجل الوطن وتحمل الخير كله للوطن وللمنطقة أيضاً.

00:04 | 21-11-2025

الحرب الأهلية في السودان

دخلت الحرب الأهلية في السودان عامها الثالث دون بارقة أمل في أن تنتهي عمّا قريب، وهي الحرب التي لم يكن مقدّراً لها أن تستمر كل تلك السنوات دون دعم من أطراف خارجية، ولاسيما قوات الدعم السريع والتي تمولها بعض الأطراف الخارجية التي تطمح في أن يؤدي تأجيج الحرب في السودان واشتعالها لأن تستمر لأطول مدى ممكن، فتلك الأطراف تريد السودان ممزقاً مفككاً غير موحد.

قبل أيام تمكّنت قوات الدعم السريع من اقتحام الفاشر المحاصر منذ شهور، لتقوم بعدها بارتكاب العديد من المجازر المريعة بحق الأبرياء من المدنيين والعزل، وقد استسلمت الفاشر بعد نفاد مائها وطعامها ودوائها، وعندها اقتحمت قوات الدعم السريع المدينة قامت بارتكاب المذابح علناً، بل وظهر بعض عناصرها بشكل واضح في مقاطع فيديو مصورة قاموا هم بأنفسهم بتصويرها وهم يقتلون بدم بارد، وكل هذا على مرأى ومسمع من العالم كله والذي لم يحاول أي طرف فيه مساعدة المدنيين المنكوبين في هذا البلد.

لم تحاول الدعم السريع نفي مسؤوليتها عن ارتكاب تلك المذابح غير أنها اعتبرتها حوادث فردية سيتم محاسبة عناصرها الذين قاموا بارتكابها، ومن الواضح أن الدعم السريع تهدف من خلال بث تلك المقاطع المصورة المريعة لبث الرعب في قلوب خصومها، ولإيهامهم بقوتها حتى يسهل استسلامهم لها وعدم مقاومتهم، ولا يبالي قادة الدعم السريع بصورتهم أو سمعتهم أمام العالم؛ بل يحاولون إعادة تشكيل الرأي العام وإيهامه بأن قوتهم لا تضاهى وأنهم جهة مسؤولة ويمكن الاعتماد عليها، ولا يعجزهم شيء عن سفك دماء الشعب السوداني، والذي شهد موجة نزوح فعلية غير مسبوقة منذ بداية اندلاع الصراع في 2023.

من الواضح أن هذه الحرب الشعواء ستستمر بلا هوادة إن لم يجنح طرفاها للسلم والتفكير العقلاني، فعلى عموم الشعب السوداني الالتفاف حول حكومته الشرعية، ويتوقع الكثير من المحللين والخبراء السياسيين أن يفضي استمرار تلك الحرب إلى تفكك السودان إقليماً وراء الآخر، حتى تتحوّل إلى دويلات ممزقة مما سيضاعف من آلام وعذاب مواطنيها، فالسودان بلد يعاني من شح الموارد وندرتها بشكل عام، كما يعاني من بنية تحتية ومرافق أساسية ضعيفة، وجاءت الحرب لتنهي على البقية الباقية من تلك البنى والمرافق لتحيل حياة المواطنين لعذاب حقيقي وترغم الكثير منهم للترحال واللجوء للدول المجاورة.

لقد أصبحت حياة السودانيين قطعة من الألم ما بين لجوء مرغمين عليه وبقاء قد يكلفهم حياتهم، بخلاف انهيار منظومات الصحة والتعليم والمرافق داخل السودان، ومن المؤسف أن يتم هذا الاقتتال الدموي بين أبناء الشعب الواحد، وقد شهدت منطقتنا العربية صراعاً دامياً خلال حرب غزة التي استمرت عامين، قضى خلالهم أكثر من 60 ألف فلسطيني نحبه، وتحول أكثر من 150 ألفا إلى جرحى ومعاقين بسبب الاعتداء الإسرائيلي الآثم المدعوم من الولايات المتحدة، حتى فوجئنا بالمجازر الدامية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق أبناء الشعب السوداني، مما يجعل المنطقة في مرحلة اضطراب مستمر.

يأمل البعض في تدخل دولي قد يسهم في إنهاء تلك الحرب الشعواء في السودان، غير أنه باستقراء التاريخ فإن المنظمات الدولية يقتصر دورها على الشجب والاستنكار وحث كل طرف على ضبط النفس، لقد تسبّبت تلك الحرب في نزوح داخلي مكثف في السودان نفسها من منطقة لمنطقة بحثاً عن مناطق قد تكون أكثر أمناً، غير أنه في الحرب الأهلية لا توجد مناطق آمنة، فكل إقليم معرض لأن يقع ضحية تلك الحرب التي تشبه السرطان؛ فلا تقع في مكان إلا وتنتشر خلاله بشكل سريع وخبيث، وكل طرف في الحرب يسعى للاستحواذ على المزيد من أراضي خصمه، وها هي قوات الدعم السريع تتهيأ لدخول كردفان، مما يعني أن ما شهدناه في الفاشر سيتكرر مرة أخرى في كردفان، لقد تسببت الحرب في قتل مئات الألوف وإصابة أعداد أكثر من ذلك بكثير، كما تسبب في حدوث المجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية بالتوازي مع انهيار الخدمات الصحية، وكل هذه المآسي هي نتاج مباشر للحروب الأهلية التي يذهب ضحيتها المواطن أولاً وأخيراً.

00:12 | 14-11-2025

هل تنجح العقوبات ضد روسيا؟!

في أكتوبر الماضي اعتمدت المفوضية الأوروبية حزمة جديدة من العقوبات الدولية ضد روسيا، وقد تنوعت العقوبات ما بين عقوبات اقتصادية وعسكرية في محاولة لإثناء روسيا عن المضي قدماً في الحرب ولقبول السلام مع أوكرانيا، وهو الأمر الذي استقبلته روسيا -كالمعتاد- بفرض عقوبات مضادة ضد الاتحاد الأوروبي، ومنذ أن بدأت الحرب الروسية - الأوكرانية تم فرض العديد من حزم العقوبات الدولية على روسيا، غير أنه مع دخول الحرب عامها الرابع لا يبدو أي ضوء في الأفق لإمكانية وقف تلك الحرب التي لم تؤثر على العالم الغربي فحسب، بل أثّرت على العالم كله.

في واقع الأمر يبدو ظاهرياً أن فرض العقوبات هدفه إجبار روسيا على أن تصرف نظرها عن التوقف عن خوض هذه الحرب، غير أنه في الواقع العملي يمكننا بوضوح اكتشاف أن العقوبات الدولية لكي تنجح وتؤتي ثمارها لابد من توافر عدة عوامل لا يتوفر أي منها في الصراع الروسي-الأوكراني، ولعل أحد أهم هذه العوامل هو موقف الدولة التي تخضع للعقوبات؛ هل يسهل إخضاعها أم لا، فروسيا –الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي- كانت ولازالت القطب العالمي المناوئ للولايات المتحدة، وهي تملك ترسانة عسكرية ضخمة بخلاف امتلاكها للسلاح النووي أيضاً، وذلك بخلاف مساحتها الجغرافية الشاسعة وامتلاكها للكثير من الموارد والمعادن الثمينة، كما أن روسيا لم تبعد كثيراً عن مجال التصنيع والابتكارات الحديثة، وعلى المستوى السياسي تجمعها علاقات دبلوماسية طيبة بالعديد من الدول.

يبدو أن روسيا ليست من الدول التي يسهل إخضاعها أو لي ذراعها بسهولة كبعض الدول الأخرى التي يسهل خنقها بمجرد التلويح بسلاح العقوبات الدولية، ومن جهة أخرى لإنجاح العقوبات على روسيا يجب أن تشارك كافة دول العالم في فرض تلك العقوبات ولا تقتصر على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فحسب، وهو ما لم يحدث، فعلى سبيل المثال فقط وليس الحصر لاتزال الصين تحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا، كما أن هناك العديد من الدول التي لا تزال تتعامل مع روسيا وتستورد منها وتصدّر لها كالهند وكوريا الشمالية والصين وإيران، ولهذا فقد تمكّنت روسيا بسهولة من الالتفاف حول سلاح العقوبات الدولية.

من المؤكد أن الكثير من الأطراف حاولوا إيقاف الحرب بطرق شتى ومن ضمنها السعي لفرض عقوبات ضد روسيا، غير أنه من الواضح أن هناك العديد من الأطراف التي يبدو أنه لا يهمها وقف الحرب على الإطلاق، ومن ضمن هؤلاء بعض الدول التي قامت بدعم أوكرانيا عسكرياً، فالدعم العسكري لأوكرانيا لن يوقف الحرب بل سيطيل زمن الحرب وسيزيد من معاناة مواطني كلا الدولتين وبقية دول العالم معهم، فالدعم الأوروبي والأمريكي لن يسهم في فوز أوكرانيا ولكنه قد يمنع هزيمتها، وفي كل مرة يتم توفير دعم عسكري لأوكرانيا يزداد الطرف الروسي تعنتاً فتزداد مقاومته وشراسته وعدوانيته أكثر فأكثر.

من المؤكد أن هذه الحرب لن تتوقف إلا إذا استشعر طرفاها لهيبها، ولو عدنا بالتاريخ قليلاً للوراء للحرب العراقية الإيرانية التي دارت وقائعها في ثمانينات القرن الماضي، فسنجد أنه خلال تلك الحرب قامت العديد من الدول والأطراف بتوفير الدعم لكل طرف، وفي واقع الأمر لم يساعد هذا الدعم في انتصار طرف على طرف، وكل ما قدّمه هو منع هزيمة طرف إزاء الطرف الآخر، ولذلك بعد مرور ثمانية أعوام مريرة وبعد فقدان مئات الألوف لحياتهم انتهت الحرب فقط عندما استشعر الطرفان فداحة خسائرهما وانهيار بناهما التحتية ودمار اقتصاديهما.

من الواضح أنه إن لم يحتكم كلا طرفي الحرب في الصراع الروسي الأوكراني للعقل والمنطق فإن الحرب لن تتوقف إلا عندما تقضي على الأخضر واليابس في كلتا الدولتين، فالحرب مرشحة للاستمرار ومن المستبعد تماماً أن تستسلم روسيا التي من الواضح أنها لا تفكر إلا في كيفية الإفلات من العقوبات والالتفاف عليها، ولكنها لا تفكر إطلاقاً في الاستسلام، كما أن أوروبا يبدو أنها لا تعتزم التوقف عن دعم أوكرانيا قريباً هي الأخرى، وتبقى الكرة في ملعب الولايات المتحدة التي يبدو موقفها متردداً ما بين الاستمرار في دعم أوكرانيا أو إيقاف الدعم عنها، وما بين الوقوف في صف الرئيس الروسي تارة والوقوف ضده تارة أخرى، وخلال كل هذا لا يبدو أن سلاح العقوبات الدولية له أثر كبير أو فعّال في إيقاف تلك الحرب التي تبدو بلا نهاية.

00:16 | 7-11-2025

اعتقال رئيس!

تسعى الإدارات الأمريكية على اختلافها لفرض هيمنة الولايات المتحدة السياسية والعسكرية على دول العالم شرقاً وغرباً، وغالباً ما تتخذ هذه الهيمنة ذرائع شتى، بل إنها لا تتردد في اتخاذ إجراءات بعينها بعيداً عن قرارات المنظمة الأممية ومجلس الأمن في حال وجدت صعوبة في الحصول على تأييد كافٍ لتوجهاتها، ولعل احتلالها للعراق العام 2003 لإسقاط النظام العراقي وقتئذٍ لأبلغ مثال على مثل هذه التوجهات، فالولايات المتحدة ليست مجرد قوة عظمى تقتصر اهتماماتها على الداخل الأمريكي فحسب، بل هي لاعب قوي ومؤثر يسعى لأن يدير شؤون العالم أجمع وفقاً لمنظومة قيمه الخاصة.

من الواضح أن التدخل العسكري الأمريكي في القارة الجنوبية ليس بجديد ولا مستحدث، فالولايات المتحدة ترى أن هذه المنطقة تمثّل امتداداً طبيعياً وجغرافياً لها قبل أن تكون بوابة لأمنها السياسي والقومي والعسكري، وهي ترى دوماً بأن تلك المنطقة تجلب المخدرات والإرهاب للداخل، لذا تسعى باستمرار للتحكّم في أنظمتها السياسية الحاكمة، ولعل أبرز الحوادث السياسية خلال العقود القليلة الماضية كانت في بنما، عندما قامت القوات الأمريكية باعتقال رئيس بنما السابق مانويل نورييغا بتهم ضلوعه في الاتجاربالمخدرات وغسل الأموال وذلك بعد غزو القوات الأمريكية لبنما في 1989، وقد تمّت محاكمته في الولايات المتحدة وحكم عليه بالسجن لمدة 40 عاماً خفّضت إلى 17 عاماً لاحقاً.

من المؤكد أن التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الكاريبي التي تشهد توترات حالية لمطاردة تجار المخدرات في فنزويلا تحاول إعادة رسم خارطة المنطقة والقوى العالمية المؤثرة فيها مرة أخرى، فها هي الولايات المتحدة تعيد الجدل من جديد إزاء واحدة من أشرس المعارك السياسية التاريخية في العالم خلال حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق؛ حين سعى كل معكسر للإضرار بالدول التي تنتمي للمعكسر الآخر عوضاً عن الصراع المباشر بين القوتين العظميين حينذاك، وهو ما ترك بصماته الواضحة على العلاقات بين دول العالم خلال تلك الآونة، وعرّض العالم لأزمات متكررة حتى كاد الصراع العسكري يندلع بالفعل بل ويتحوّل لحرب نووية كما حدث خلال أزمة الصواريخ الكوبية 1962.

يؤمن الرئيس دونالد ترمب بما يصطلح عليه المحللون السياسيون بالسلام القوي، وهو ما يعني إحلال السلام بالقوة حتى وإن استدعى الأمر التدخل العسكري المباشر، ويريد الرئيس ترمب من العالم أن يؤمن بأنه رجل السلام الذي حلّ العديد من الصراعات السياسية في وقت قياسي، لذلك فهو لم يتردد عن اتهام الرئيس الفنزويلي بأن بلاده مستمرة في تهريب المخدرات، كما اتهم الرئيس الكولومبي أيضاً بأنه شرير وزعيم عصابة مخدرات، وهو ما تنفيه بالطبع الدولتان اللتان تسعى كل منهما بكل جهدها لتفادي نشوب حرب عسكرية بين أي منهما وبين الولايات المتحدة، ويحاول رئيساها أن يتحلى كل منهما بالصبر وسعة الأفق إزاء تلك التصريحات السياسية المستفزة التي تتعارض مع كافة البروتوكولات والأعراف الدبلوماسية.

التحرك العسكري الأمريكي الأخير لا يعدّ غريباً أو غير مسبوق، بل هو تحرك أمني معتاد دأبت على تطبيقه الولايات المتحدة الأمريكية على مدار تاريخها الحديث وباختلاف كافة إداراتها سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، ويحبس العالم الآن أنفاسه مع تصاعد الأحداث في منطقة الكاريبي بعد سلسلة الضربات العسكرية التي وجّهتها الولايات المتحدة لعدد من الزوارق التي تتهمها بالاتجار في المخدرات والتي قتلت على متنها العشرات حتى لحظة كتابة هذه السطور، مع التلويح بإمكانية الدخول البري لفنزويلا، فهل تكشف الأيام القادمة عن مفاجآت جديدة ويتكرر سيناريو الاعتقال الذي لحق برئيس بنما حيث تغزو الولايات المتحدة فنزويلا وتقتاد مادورو لساحات قضائها حيث يحاكم هناك؟ أم أن الأمر سوف يقتصر على تلك المناوشات التي سرعان ما ستختفي وتتآكل بمرور الزمن.

00:12 | 31-10-2025

هل ينجح ترمب؟!

منذ أن بدأت الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي ترمب لم يخفِ يوماً رغبته العارمة والمتقدة والملحة في الحصول على جائزة نوبل للسلام، ولم يترك فرصة إلا واستغلها ليعلن أحقيته في الحصول على تلك الجائزة المرموقة التي حظي بها الكثير من زعماء ورؤساء العالم من قبله، ولم يدخّر في أي مرة وسعه في شرح أسباب أحقيته في الحصول على تلك الجائزة موضحاً جهوده العديدة في وقف العديد من الحروب حول العالم، مبدياً رغبته في أن يتم تثمين جهوده ومساعيه ومنحه نوبل للسلام.

يعتقد الرئيس الأمريكي أنه تمكّن بالفعل من إنهاء العديد من الحروب بسبب جهوده الحثيثة، ولعل خطته التي قامت إدارته بوضعها لإنهاء الحرب في غزة وإعادة المختطفين الإسرائيليين ووقف القصف ضد المدنيين العزّل في القطاع المنكوب لدليل واضح على رغبته الجادة في إنهاء هذا الصراع المشتعل منذ العام 2023، غير أن خطته للسلام واجهت –كما هو متوقع- الكثير من الخروقات من الجانب الإسرائيلي، فإسرائيل لم تتوقف شهيتها عن القتل، فهي لا تزال تقصف وتقتل الفلسطينيين في قطاع غزة، وعلى الرغم من إعلان ترمب انتهاء الحرب بشكل رسمي بين إسرائيل وحماس إلا أن نتنياهو يرفض التصريح بأن الحرب انتهت بالفعل، بل ويصر على أن الحرب لم تضع أوزارها بعد.

غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه ترمب هو الحرب الروسية الأوكرانية والتي لا يبدو لها نهاية قريبة أو متوقعة على الرغم من التفاوت الواضح في ميزان القوى بين البلدين، وقد شهدت هذه الحرب الكثير من العقبات والتحديات التي أطالت أمد الحرب على نحو غير متوقع، مستنزفة موارد كلا الدولتين، وكلما اقترب الطرفان من نقطة اتفاق مشتركة تعود الأمور لما كانت عليه قبل التفاوض وكأنه لا أمل في التوصل لحل سلمي بين الدولتين.

من المؤكد أن الولايات المتحدة ليست مجرد دولة عضو في الأمم المتحدة تقوم بالتفاوض كوسيط بين طرفين متصارعين، بل هي لاعب دولي مؤثر وقوة عالمية بالغة النفوذ والقوة، وذلك لما لها من ثقل سياسي ووزن اقتصادي لا يستهان بهما، ولا شك أن الولايات المتحدة تمارس نفوذها لإيقاف هذه الحرب المشتعلة، لكن تعنت الطرفين يحول دون ذلك، حيث إن التحدي الحقيقي هو إقناع الطرفين بقبول التفاوض والتوصل لحل وسط يرضي جميع الأطراف، فالضغط واستخدام القوة قد يوقف الحروب لفترة من الزمن طالت أو قصرت، ثم تعود لتشتعل بعدها في أعقاب أي موقف بسيط، فالسلام الهش كثيراً ما يسهل كسره وتفكيكه لتندلع الحروب مرة أخرى بنفس شراستها السابقة.

لا شك أن السلام الحقيقي هو ذلك النوع من السلام الذي يعتمد على رغبة كل من الطرفين في إقرار السلم وإنهاء الحرب عن رغبة صادقة، وفي واقع الأمر يعد إرساء السلام بين هاتين الدولتين أمراً يصعب تحقيقه، فروسيا ترى أن لها حقاً تاريخياً في تلك الأراضي التي كانت يوماً ما خاضعة للنفوذ السوفييتي مما يخوّل لها الاستيلاء على جزء من أراضيها، في الوقت الذي تطمح فيه أوكرانيا للتخلص من النفوذ الروسي والانتماء لأوروبا، ولعل روسيا تريد استعادة إمبراطوريتها على حساب الأراضي الأوكرانية، في الوقت الذي تسعى فيه أوكرانيا للتخلص من التبعية الروسية.

من المؤكد أن الكثير من أسباب الحروب معقدة ولا يصرح خلالها كل طرف بأسبابها الحقيقية، فلكل حرب أسباب معلنة وأسباب خفية، وهو الأمر الذي يُصعِّب من عملية التفاوض، غير أن المفاوض الذكي يستطيع أن يلمس بحكمته الأسباب الحقيقية وراء اندلاع الصراع ويتمكّن من مخاطبتها والوصول لحل يحقّق النسبة الأكبر من أهداف كل طرف، ولا شك أنه كلما طال أمد الحرب كلما زدات خسائرها وتعمّقت، فعامل الوقت ليس في مصلحة أي طرف، لذلك فقد ينجح الرئيس ترمب فعلاً في الحصول على جائزة نوبل العام القادم إن تمكّن فعلاً من إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية وإيقاف حرب غزة تماماً، فليس أمام ترمب سوى السعي بجدية لتحقيق هذا الإنجاز الصعب ليتمكن من الحصول على جائزة نوبل 2026.

00:04 | 24-10-2025

الأرض المحروقة!

عقب التوصل لاتفاق لإيقاف الحرب والسعي لإنهاء النزاع بين حماس وإسرائيل في محاولة جادة لوقف ذلك الصراع الذي امتد لعامين، قتل فيهم عشرات الألوف وجرح مئات الآلاف، وبات القطاع في حالة دمار شبه كاملة، بعد أن تم تدمير الغالبية الساحقة من البنى التحتية والمرافق الأساسية وتم قصف المستشفيات والمدارس، وتوقفت الحركة في القطاع الذي خلا من كل شيء عدا أصوات القصف ورائحة الموت التي انتشرت في كل ركن وزاوية في قطاع غزة المحاصر، في واحدة من أكبر المآسي البشرية التي مرت على المنطقة، ومن المؤسف أن يكون كل ذلك قد تم على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
عقب مرور عامين عصيبين ليس فقط على سكان قطاع غزة بل على المنطقة ككل، في حروب طالت لبنان وسوريا واليمن وإيران، تم السماح أخيراً بعودة مئات الآلاف من سكان القطاع لديارهم التي لم يعد لها أثر، فقد أضحت ركاماً موحشاً بعد أن كانت تعج بالحياة والحركة من قبل سكان القطاع قبل عامين فحسب، لقد تحوّلت البيوت إلى أنقاض وغدا مجرد النجاة من المجازر الوحشية إنجازاً عظيماً يستحق الاحتفاء.
لا شك في أن جزءاً لا يستهان به من تلك المنازل المدمرة والمرافق المهدمة قام الجيش الصهيوني بتدميرها وقصفها عمداً، لئلا يتمكّن السكان من العودة لسكناها مرة أخرى مما يزيد من تعثر عودة سكان القطاع له واستقرارهم فيه، فإسرائيل لا تخفي شعورها بالنقمة والحنق لمجرد رؤية فلسطيني واحد يعيش بجوارها، فماذا عن أكثر من مليوني فلسطيني يقيمون ويستقرون بالقرب من حدودها؟! لذلك لا يخفى على أي متابع الهدم العمدي الاعتسافي لمنازل سكان القطاع على مدار عامين من الاقتتال الدامي، ولم تقتصر آلة الحرب الإسرائيلية على قصف وهدم منازل سكان قطاع غزة بل طالت منازل الفلسطينيين من سكان الضفة أيضاً، فسياسة هدم منازل الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الإسرائيلية في الاستحواذ على الأراضي العربية، وهو أمر مثبت تاريخياً وتؤكده الوقائع يوماً بعد يوم.
تابعت كغيري -عبر العديد من المواقع الإخبارية- وقائع عودة سكان القطاع لديارهم المهدمة، وقد اتضح بشكل تام أن قسوة آلة الحرب الإسرائيلية ووحشيتها التي طالت سكان غزة قد فاقت كل التصورات، ومن المؤكد أن جيش الاحتلال قام بتبني وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة بشكل ممنهج وليس عشوائياً، فبعد محاولاته العديدة والمستميتة واليائسة والفاشلة لتهجير وتوطين سكان القطاع لأي مكان خارج القطاع وبأي ثمن، لم يجد أمامه من حلول وحشية سوى هدم المنازل وتسويتها بالأرض حتى لا يستفيد منها سكان القطاع حال عودتهم.
يدور الحديث الآن في أروقة السياسة عن تفاصيل المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تشمل حكم غزة وإعادة إعمارها، وفي واقع الأمر لا أعلم عن أي إعمار يتحدثون، فقد تم تدمير ما يقارب من 80 % من مقوّمات الحياة في القطاع سواء كانت بنى تحتية أو مرافق أو مباني سكنية أو مستشفيات أو مدارس، فقد أضحت غزة مدينة مدمرة بمعنى الكلمة، الكثير من أحيائها غير صالحة للسكنى، ولقد تمنيت أن يزور القطاع هؤلاء الساسة والمسؤولون الغربيون الذين لطالما دافعوا عن إسرائيل وعن سياساتها الخرقاء، ويتجولون بين أحيائها وشوارعها المدمرة ليتيقّنوا بأنفسهم مما آلت إليه الأوضاع والأمور، ويعرفون حق المعرفة حقيقة من كانوا يدافعون عنهم.
من الواضح أن النهج الوحشي في تدمير القطاع عمداً وتقويض بنيته التحتية ومرافقه الأساسية وجعله مكاناً غير صالح للحياة ليس تجنّياً على إسرائيل ولا حتى مجرد استنتاج تحليلي لسلوكياتها الدموية في القطاع، فقبل أسابيع صرح وزير المالية الإسرائيلي المعروف بتطرّفه وتصريحاته المستفزة بأن تدمير القطاع متعمد وله هدف؛ وهو تدميره بهدف استيطانه لاحقاً، وهو التصريح الذي لخّص النهج والإستراتيجية الإسرائيلية الكامنة وراء الهجوم الشرس على قطاع غزة، ولعل نهج إسرائيل في تدمير القطاع يوضح جلياً سلوكها في اتباع سياسة الأرض المحروقة في كافة الحروب التي خاضتها.
00:08 | 17-10-2025