أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/global_files/author-no-image.jpg?v=1

إحسان الشمري

البيت الأبيض الذي سيحتفي بالأمير

«زيارة تأريخية» هذا هو الوصف الأدق لزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقائه برئيسها دونالد ترمب، هذه الزيارة تأتي أهميتها في ضوء تحوّلات كبيرة يشهدها العالم بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، كذلك تأتي في إطار ما حققته المملكة من مكانة عالمية ونجاح «دبلوماسية الأمير» في حسم العديد من الملفات التي شكّلت أزمات دولية على مدى سنوات طويلة سواء من خلال دورها الفاعل في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى أو من خلال احتضانها لاجتماعات دول الصراع في العاصمة الرياض أو شراكات التكامل الاقتصادي كمنظومات أو كتعاون ثنائي ذات أثر على الاقتصاد العالمي.

الاجتماع بالبيت الأبيض يمثل مساراً مضاعفاً وترسيخاً أكبر للعلاقة بين الرياض وواشنطن، لاسيما وأن ترمب منذ اليوم الأول لولايته الثانية، كان قد اختار السعودية كحليف استراتيجي والأمير كصديق موثوق، لذا فهذه الزيارة تعد لحظة مفصلية، ليس فقط في علاقة البلدين، بل في شكل الشرق الأوسط بأكمله، فمفاوضات الأمير-ترمب حدث سيعيد تشكيل ميزان القوى في النطاق الدولي والإقليمي وستؤثر بشكل مباشر على الاستقرار في منطقتنا المضطربة.

ملفات عديدة ستتناولها طاولة النقاشات في البيت الأبيض، تبدأ بتوسيع مستويات التنسيق والتعاون بين الدولتين فيما يخص تفعيل الاتفاقات الثنائية التي تم التوقيع عليها في الرياض أثناء زيارة ترمب الأولى له خارجياً في ولايته الثانية، وقد يكون بناء تحالف استراتيجي أمني مع الرياض واحدا من أهم الملفات التي سيطرحها على طاولة البيت الأبيض، ومن ضمنها الأمن الإقليمي، خصوصا بعد الزيارات المتتابعة بين وزراء الدفاع والخارجية والمستشارين في حكومة البلدين، فضلاً عن أن «الأمير» يدرك جيدا المكانة الاقتصادية لمملكته وأثرها على السوق الأمريكية، مما يضاعف الشراكة في هذا الجانب وفي المجالات الاستثمارية الأخرى كالطاقة التقليدية والطاقة البديلة والمتجدّدة والشراكة في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وحتى النقاش حول الحصول على المفاعل النووي للأغراض السلمية، لاسيما وأن كل تلك الملفات لها ارتباط مباشر مع رؤية 2030.

«الأمير» المنشغل باستقرار المنطقة وفرض السلام فيها، لن تغيب عن أجندته القضية الفلسطينية وطبيعة ما حققته المملكة العربية السعودية من إنجاز تاريخي كبير والمتمثل بالاعتراف الأممي والدولي بـ«حل الدولتين»، لذا سيعمل للضغط على الرئيس الأمريكي بهدف استكمال ما حققته «دبلوماسية الأمير» في نيويورك، ومؤكدا موقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية ووقوفها الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي المستمر ونيل حقوقه المشروعة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

البيت الأبيض على موعد مع شخصية تصنع المستقبل لبلدها وللمنطقة، شخصية تمتلك إرثاً من الحكمة والقيادة الرشيدة، شخصية تلهم شعبها الريادة والنجاح، ولها تأثيرها على العالمين العربي والإسلامي الذي حقق الاستقرار والسلام، لهذا فإن البيت الأبيض سيكون على كامل الاستعداد لاستقبال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كقائد تاريخي ليسجّل صفحة جديدة في مسار العلاقات السعودية-الأمريكية.

00:12 | 14-11-2025

السعودية والدولة الفلسطينية.. الحقيقة الثابتة

كان ملفتاً في العام 2024 اختيار هوية اليوم الوطني الـ94 للمملكة العربية السعودية، الذي يوافق 23 سبتمبر من كل عام، تحت شعار «نحلم ونحقق»، فهذا البلد لم تعد فيه الأحلام مستحيلة أو الأهداف غير قابلة للتحقيق، ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل حتى على مستوى الأحلام التي راودت الشعوب العربية، أخذت قيادة المملكة على عاتقها السعي لوضع المقاربات الدبلوماسية التي يمكن من خلالها تحقيق آمال وتطلعات الأشقاء، فكان الدعم إلى اللبنانيين لاستعادة دولتهم ووضعها على الطريق الصحيح، كذلك فإن حلم السوريين بالانتقال لمرحلة جديدة وتثبيت دعائمها، كانت السعودية أقرب الدول العربية لهم من الآخرين لتحويل حلمهم إلى واقع يتسم بالأمل رغم كل التحديات.

يمثل المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية سلمياً، الذي عقد في يوليو 2025، واعتماد «إعلان نيويورك»، الذي أسست له السعودية بشراكة دولية بهدف وضع حل الدولتين كواقع حال، ترجمة فعلية لإيمان قيادة المملكة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالقضية الفلسطينية، وبأنهم لا يضعون هذه القضية كمحطة تفاوض، كذلك فهم مع حق الشعب الفلسطيني ولا تغيير في هذا الموقف للمملكة مهما كانت التحديات؛ لأن القضية عندهم عقيدة ومبدأ وتاريخ، خصوصاً أن المؤتمر عُقد في ظل حرب أسقطت آلاف الضحايا من الفلسطينيين، وشردت مئات الآلاف من غزة، ومحاولات إسرائيلية لضم الضفة الغربية، لذا حظيت خطوة المملكة بتأييد استثنائي من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 صوتاً، في مشهد تاريخي لحلم طال انتظاره من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وحتى الغربية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ونجحت جهود الرياض في الحصول على التزام دولي ثابت بحل الدولتين، يرسم مساراً لا رجعة فيه لبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين ولشعوب المنطقة كافة، وما جرى في الـ21 من سبتمبر 2025 من توالي الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل صفحة وفاء من المملكة لمبادئها أولاً، ولفلسطين ثانياً، وانتصاراً للسلام والاستقرار اللذين تنشدهما.

الحقيقة الثابتة أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول كبرى كانت في ما سبق ترفض مناقشة هذه الفكرة، يعود لدور وجهد دبلوماسي سعودي، إذ نجحت «دبلوماسية الأمير» محمد بن سلمان بتحويل مبادرة السلام العربية إلى إطار دولي، ركز فيها على حشد الدعم الكامل للاعتراف بالدولة الفلسطينية بدبلوماسية هادئة لم تعتمد الشعارات أو الخطابات غير المنتجة، بل كانت انعكاساً لإيمانه بثقل المملكة وتأثيرها الفاعل في هذا التوقيت، ليترجم حلم أمة كاملة إلى أمر ملموس ومن منصة الأمم المتحدة، وليمنحها الشرعية الكاملة ويوقف التغول الإسرائيلي، ولم يكتف «الأمير المبادر» بالاعتراف فقط، إذ أعلن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إطلاق «التحالف الطارئ للاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية»، وتقديم السعودية دعماً بمبلغ 90 مليون دولار؛ ‏فضلاً عن التأثير الكبير الذي مارسه ولي العهد على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالقبول بخارطة الطريق السعودية ودمجها مع المقترح الأمريكي لوقف الحرب في غزة وتحقيق تسوية شاملة، وهذا يؤشر بأن المملكة أصبحت قطباً دولياً يقود العالم نحو السلام في ملفات معقدة، فالسعودية «جديرة بالثقة» وفق ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون.

يتزامن هذا الانتصار الدبلوماسي التاريخي للمملكة مع ذكرى اليوم الوطني السعودي 95، الذي كانت هويته «عزّنا بطبعنا»، والذي جاء تعبيراً صادقاً عن ما تتميز به طباع المملكة وقيادتها وشعبها من الأصالة والكرم والطموح والقدرة على تحقيق الأحلام بعزة وثقة بالنفس والإمكانات لتحقيق الريادة والنجاحات في كل المستويات.
00:03 | 28-09-2025

السعودية.. من المبادرة العربية إلى التطبيق العالمي

لم يكن عقد مؤتمر نيويورك الخاص بتطبيق حلِّ الدولتين الذي رعته المملكة العربية السعودية خارجاً عن سياق المبادرات التي طرحتها على امتداد جهدها الدبلوماسي والتزامها تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن ما يميّز الحراك السعودي الراهن، لا يكمن في توقيته فحسب، بل في تحوله إلى مشروع دبلوماسي متكامل يجمع بين الثوابت القومية والإسلامية والبراغماتية السياسية، ويترجم على الأرض لا عبر البيانات، كذلك فإن المبادرة تنبع من موقع قوة سياسية فاعلة قادرة على رسم خرائط إقليمية بل وحتى دولية، هذا التحرك لا يكتفي بإبداء النيات بل يكرس الفعل السياسي المستند إلى عقلانية واتزان وإيمان راسخ بضرورة تحقيق الاستقرار في المنطقة. إن مؤتمر نيويورك هو نتيجة مباشرة لسلسلة متغيرات حادة فرضتها الحرب داخل غزة ونهاية حزب الله والتصعيد مع طهران، مما جعل الرياض ترى أن ترك زمام المبادرة بيد قوى خارجية لم يعد خياراً ممكناً، فالرياض لا تتحدث فقط عن حل الدولتين بل تحاول صناعته، وترجمة فعلية لهذا الإيمان لا مجرد دعم نظري.

مثّلت مبادرة السلام العربي عام 2002 نقطة ارتكاز للسعودية، لتعود في هذا التوقيت كمرجعية أصيلة في مقاربة المسألة الفلسطينية، لكن الفارق أن الرياض لم تعد تكتفي بطرح المبادرات، بل تتصدر تنفيذها ضمن رؤية أشمل لشرق أوسط جديد يقوم على المصالح المشتركة والتنمية والاستقرار، كما أن فلسفة السعودية الجديدة التي يعبر عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ترتكز على بناء فرص سلام، لا تفويت لحظات، ولعل الانشغال الأمريكي وتآكل المبادرات الأممية شكلا حافزاً إضافياً دفع السعودية إلى التحرك، لا كمجرد راع للقضية الفلسطينية، بل كقائد فعلي لمسار سياسي بديل.

أما الشراكة السعودية-الفرنسية فهي رهان محسوب بدقة، نجح في نقل القضية الفلسطينية من إطارها الإقليمي إلى محفل دولي واسع التأثير، فالمشاركة الواسعة التي شهدها مؤتمر نيويورك أنتج ضغطاً متصاعداً على إسرائيل ووضعها أمام معادلة صعبة، إما أن تواصل الرفض أو أن تنخرط في مشروع يتطابق مع قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي، كما أن الرياض بما تملكه من أدوات قادرة على لعب دور الدولة الضامنة لحلول سياسية عادلة، فهي لم تكتف برعاية الحوارات بل أثبتت قدرتها على جمع فرقاء متخاصمين في ملفات معقدة، من لبنان إلى العراق والسودان، وهذا الإرث التفاوضي منح السعودية مشروعية التقدم بمبادرات توصف بأنها أكثر من مجرد تحركات رمزية، بل هي رهان جاد يمكن البناء عليه.

إن استمرار الرفض الإسرائيلي لحل الدولتين سيدفع بالتحالف الداعم لهذه الرؤية، وعلى رأسه السعودية، إلى التوجه نحو مجلس الأمن، فهناك رصيد من القرارات الدولية التي تدعم مبادرة نيويورك، خصوصاً أن المبادرة الحالية بحد ذاتها تشكل قاعدة سياسية لإلزام إسرائيل بخيار السلام، لا باعتباره مطلباً فلسطينياً فحسب، بل كضرورة إقليمية ودولية، كذلك فإن الزخم الذي رافق المؤتمر من حيث حجم المشاركة العربية والدولية منح المبادرة قوة غير مسبوقة، لا سيما أن هذا التحرك لا يُقرأ باعتباره تصعيداً ظرفياً، بل انعطافة طويلة الأمد في فلسفة التعامل مع ملف الصراع العربي- الإسرائيلي.

إن المبادرة السعودية لا تعبّر عن لحظة استثنائية فحسب، بل تضع أسساً لواقع دولي جديد، فلم يحدث من قبل أن حظيت دولة فلسطين بهذا القدر من التأييد المتزامن من قوى غربية كبرى كفرنسا وإسبانيا وكندا وبريطانيا، هذا الدعم لا يمكن وضعه في خانة الضغط المرحلي، بل هو تحول إستراتيجي يمكن البناء عليه، ويجب على إسرائيل أن تتعاطى مع هذا الواقع، لا بوصفه تحدياً، بل كفرصة لإنهاء عقود من الجمود السياسي، فلسنا أمام موجة مؤقتة من التعاطف، بل أمام مسار تاريخي بدأ يتشكل والسعودية في صدارة صُنّاعه.
00:02 | 26-08-2025

دبلوماسية الأمير وخفض التصعيد

إن تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران ستكون له تداعيات كبيرة على مستقبل المنطقة واستقرارها دون جهود لاحتواء هذا النزاع، سيما وأن الطرفين يعدانها حرب وجود، خطط لها كركن أساس في البناء العقائدي لهم والذي امتد لسنوات طويلة، ورغم أنهم اعتمدوا استراتيجية الحرب بالوكالة إلا أننا اليوم أمام مواجهة مباشرة ومفتوحة تستخدم فيها كل المقدرات العسكرية والامنية، ليصل لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، مما يشكل خطرا على المنطقة كدول وشعوب.

منذ الساعات الأولى لبدء المواجهة كان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على قدر المسؤولية من أجل المساهمة في إيجاد حلول يمكن من خلالها تفادي ما يمكن أن يعمل على زعزعة استقرار المنطقة، فبحث ولي العهد في اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب «أهمية ضبط النفس والتهدئة وحل جميع النزاعات بالسبل الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط» في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة بما في ذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد ايران، وضرورة ضبط النفس وخفض التصعيد وأهمية حل كافة الخلافات بالوسائل الدبلوماسية، مؤكدا أهمية استمرار العمل المشترك لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ؛ ودبلوماسية الهاتف لولي العهد لم تتوقف عند ترمب من أجل خفض التصعيد بل بحث الأمير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وجورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية، التطورات التي تشهدها المنطقة وانعكاساتها على العالم.

ان هذا التحرك للأمير محمد بن سلمان يجب أن يُفهم على أنه فلسفة ونهج جديد يمكن أن نصفه بـ«دبلوماسية الأمير»، والذي تعود جذورها منذ تنصيبه وليا للعهد واستشعاره لما وصلت إليه بلاده من مكانة ودور فاعل ومؤثر إقليمياً ودولياً، وإلى طموحه المستند على إرث وإمكانات ورؤية ليتمكن من خلالها أن تكون السعودية مؤثرة في المنظومة العربية والإقليمية والدولية ؛ هذه المكانة التي سعى لها ولي العهد كانت تتطلب فلسفة عمل مختلفة منه اعتمدت في مسارها الأول تصفير المشاكل الخارجية مع الجوار الأقرب والمحيط الأبعد، واعتماد مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية والإقليمية، والانفتاح على جميع الدول لتوحيد وتنسيق المواقف الدبلوماسية، وبمسار ثانٍ اعتمد الترابط بالمصالح الاقتصادية، هذان المساران وفرا للمملكة العربية السعودية العديد من الحلفاء.

ووفق «دبلوماسية الأمير» يستثمر ولي العهد صداقاته مع ملوك وأمراء ورؤساء دول في نقل بلاده إلى مراتب متقدمة، أظهر من خلالها صورة جديدة للسعودية كداعم للتنمية المستدامة والمستقبل المشرق للمنطقة، مما يجعل بلاده بمكانة أعلى على مستوى التأثير في الساحة الدولية، وهذا ما يؤشر عن وجود وساطة مع واشنطن لأجل خفض التصعيد وإنهاء الحرب بين تل أبيب وطهران، فقد أعربت المملكة وفي موقف متقدم، عن إدانتها واستنكارها الشديد للاعتداءات الإسرائيلية تجاه إيران، وتأكيدها بأن على المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسؤولية كبيرة تجاه وقف هذا العدوان بشكل فوري، الأمر الذي يؤكد أهمية هذا النهج من شخصية الأمير، وقدرته على استثمار الصداقات لأغلب قيادات العالم بالشكل الذي يحقق مصالح بلده أولاً، وبناء المصالح المشتركة ثانيا، وحل الصراعات ثالثا، كذلك فإن هذه العلاقات الشخصية الموثوقة جعلت منه أكثر قدرة لوضع الحلول والتصورات لأغلب أزمات المنطقة وجوارها.

تعول إيران ودول المنطقة والعالم على دور الأمير محمد بن سلمان وأثره في إيجاد مسار دبلوماسي للحرب التي تدور في المنطقة، إن هذا الدور الاستراتيجي لولي العهد السعودي عامل حاسم وأساس في ملفات المنطقة، وأيضا مؤشر لمكانة أكبر سوف تحتلها بلاده، ولصنع قرارات السياسة العالمية في منطقة الشرق الأوسط.
22:29 | 21-06-2025

السعودية وزيارة ترمب..

لم يكن غريباً أن يختار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المملكة العربية السعودية كأول دولة يقوم بزيارتها بعد عودته للبيت الأبيض بولاية رئاسية ثانية، فترمب يدرك مكانة المملكة في العالمين العربي والإسلامي وتأثيرها الإيجابي بهذين العالمين، وقدرتها في رسم السلام في منطقة الشرق الأوسط ونهجها في دعم الاستقرار وعملها في بناء الشراكات المتعددة غير المنحازة لطرف، مما جعلها قطباً تقصده الدول لبناء العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية أو الطلب منها للعب دور الوساطة لفك الأزمات بدبلوماسية فاعلة وهادئة.

يمتلك ترمب إيماناً عميقاً بالصداقة القوية التي تربطه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، واصفاً ولي العهد بالقائد العظيم الذي يحظى باحترام في أنحاء العالم كافة، فتجربته خلال ولايته الأولى مع السعودية أعطته هذا الانطباع، إذ وجد أن قيادة المملكة ثابتة في مواقفها وذات رؤية دقيقة للتطورات في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فضلاً أن إدارة ملف السياسة الخارجية حقق نجاحات كبيرة لأزمات استعصت حتى على الأمم المتحدة، وتزامن ذلك مع تحول المملكة لقطب اقتصادي عالمي.

المؤشر على زيارة ترمب للرياض هو حاجته إلى تعزيز موقفه في منطقة الشرق الأوسط وخطته للوصول للسلام؛ لذا تعد المملكة الخيار الأمثل له لتحقيق هذا الهدف، ويريد أيضاً أن يؤكد بهذه الزيارة استمرار العلاقة الاستراتيجية والتحالف بين الرياض وواشنطن وصياغة تصورات مشتركة لملفات تمثّل تحدياً لدول المنطقة والعالم، كذلك فإن ترمب الساعي لإعادة ترتيب المنطقة يجد أن المملكة هي الدولة الأولى التي يجب الحديث معها حول هذا الترتيب والأخذ برؤيتها لأنها الأقرب لتفاصيل الأحداث، وبما أن ترمب يركز بشكل ملفت على منطقة الشرق الأوسط فإنه يؤمن أن العلاقة مع السعودية خلال السنوات الأربع القادمة من ولايته ستكون مهمة لإدارته.

تدرك المملكة أهمية هذا الزيارة من ناحية توقيتها، التي تتزامن مع تصاعد التهديدات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران واحتمال توسعها وتأثيرها على الاستقرار، ومفاوضات الملف النووي ما بين واشنطن وطهران، إذ ستكون داعمة للحلول السياسية، مما يجعل النظر لهذه التطورات ركناً أساساً في طاولة المحادثات بين الرياض وواشنطن، وهذا لا يعني إهمال الملفات الجيوسياسية الأخرى، فالسعودية لن تدخر جهداً في السعي لعقد قمة لقادة دول الخليج العربي، الذي أصبح سياقاً لدبلوماسيتها في مثل هكذا زيارات، والحديث بشكل مبدئي مع ترمب حول القضية الفلسطينية وعدم التراجع عن القرار الذي اتخذته بقيام الدولة الفلسطينية، كذلك ستعمل على دعم التحول في سوريا وتقريب وجهات النظر بين واشنطن ودمشق وبما يعزز استقرار الدول العربية.

بمقابل ذلك ستشهد العلاقة بين الرياض وواشنطن تحولاً كبيراً وستعد المرحلة الذهبية للعلاقة بينهما من خلال توقيع اتفاقات لشراكة اقتصادية واستثمارية طويلة الأمد، لاسيما وأن ترمب يدرك أن السعودية بلد الفرص الاستثمارية الناجحة، واتفاقات في المجالات الأمنية والعسكرية وغيرها من الاتفاقات في كافة القطاعات.

إن الزيارة ستؤسس لمفهوم ونهج جديد في العلاقات الدولية المتكافئة، وأن السعودية أثبتت أن سياساتها الداخلية والخارجية الناجحة هي من جعلتها بهذا الثقل وهذه المكانة الدولية التي أصبحت محفزة للدول الكبرى للعمل معها، فهي لا تريد أن تكون طرفاً في أي من أزمات المنطقة، لكنها مستعدة أن تنخرط بمسار سلام ووساطة بين الأطراف المتصارعة، وهذا ما أعلن عنه ترمب حين قال «إنه سيعمل مع ولي العهد من أجل إعادة السلام إلى المنطقة».
00:21 | 7-05-2025

العراق - سوريا.. المسار الجديد

كانت دبلوماسية الهاتف متوقعة بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس السوري أحمد الشرع، بعد زيارة تأريخية لوزير الخارجية في الحكومة السورية أسعد الشيباني إلى بغداد. هذا الاتصال يمكن أن يعد فرصة لرسم دبلوماسية ثنائية والرغبة لمزيد من التقارب والتعاون وقد ينهي حالة التردد التي خيمت على العلاقات بين البلدين العربيين منذ هروب بشار الأسد وسقوط نظامه في ديسمبر 2024.

إن الاتصال يعد تحولاً كبيراً في طبيعة موقف حكومة السوداني تجاه حكومة الشرع، إذ جاء بعد حذر عراقي من التفاعل مع التطورات السورية خلال الأشهر الماضية، فما قبل ليلة من سقوط نظام الأسد كان الحلفاء في العراق ملتزمين بحماية نظام بشار لكونه حليفاً استراتيجياً لهم، كما يعكس هذا الاتصال أثر المتغيرات في الظروف الإقليمية على إجرائه، ويؤشر إلى حد ما إلى كسر القيود السياسية المفروضة على السوداني من قبل بيئته السياسية، ممثلة بـ«الإطار التنسيقي» الحليف للأسد، وكذلك الفصائل المسلحة التي تشكلت منها حكومة السوداني، والتي حاربت على الجغرافية السورية للدفاع عن الأسد كخيار استراتيجي وعقائدي.

إن خطوة الاتصال قد تشكل أرضية لبناء علاقات جديدة بين البلدين وسط تحولات سياسية داخل سوريا ممثلة بالبدء بالمسار السياسي لشكل النظام السياسي الجديد، وتحديات أمنية على حدود العراق في ظل تنامي تهديدات داعش، وتأتي الأهمية للاتصال أيضاً في وقت تمر فيه منطقة الشرق الأوسط بظروف بالغة الحساسية، تتسم باحتمالية اندلاع مواجهات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، إلى جانب عودة الاشتباكات في غزة وجنوب لبنان، بل وحتى احتمالية التصعيد في العراق إذا ما استهدفت الفصائل الموالية لإيران المصالح الأمريكية في حال لم توافق إيران على رسالة ترمب وشروطه، مما أضفى على الاتصال بعداً يتجاوز المجاملة الدبلوماسية، ليحمل رسائل متبادلة بضرورة إعادة تموضع سياسي للطرفين ومحاولة لفتح قنوات تنسيق أمني واقتصادي بين البلدين.

لا يمكن القفز على أن الهواجس الأمنية المتبادلة، كانت في صلب الاتصال في ظل تهديدات بخلق حالة من الفوضى داخل سوريا؛ لذا فإن ضبط الملف الأمني يشكل مصلحة مشتركة بين بغداد ودمشق، خصوصاً بعد أن شدد السوداني على دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وتأكيدات الشرع التزامه بسيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه، وبما يعكس جدية الطرفين في تدعيم العلاقات إذا ما توافرت الإرادة لمواصلة هذا المسار من خلال تفعيل اللجان المشتركة التي تم الاتفاق عليها أثناء زيارة الشيباني لبغداد، وكذلك محاولات السوداني لعب دور الوسيط بين دمشق وطهران بهدف التهدئة، وهذا ما ستتم مناقشته بشكل موسع إذا ما حضر الرئيس السوري أحمد الشرع القمة العربية التي يسعى العراق إلى مشاركة الشرع فيها، كجزء من جهود إعادة دمج سوريا في محيطها العربي.

إن هذا التقدم لا يعني عدم وجود كوابح أمام هذه العلاقة، يأتي في مقدمتها وجود أطراف عراقية ترفض هذا الانفتاح كون رفضها مرتبطاً بوجودها المسلح وتنفيذها للأجندات الخارجية، إضافة إلى ضيق الوقت المتبقي من العمر الدستوري لحكومة السوداني لإنجاز خطوات حقيقية في مسار العلاقات، مما يفرض الإسراع في تشكيل تحالف ثنائي وتفعيل غرفة التنسيق واللجان المشتركة، ومع ذلك يمكن توصيف هذا التواصل بالتحول الكبير والجذري الذي يمكن البناء عليه، وهو ما يضع المعادلة السياسية المقبلة في العراق أمام مسؤولية التعاطي بإيجابية والعمل على وضع العلاقات العراقية – السورية في مسارها الصحيح والجديد، لاسيما مع التوجه المتسارع للشعب العراقي نحو المنظومة العربية.
00:08 | 8-04-2025

السعودية.. المملكة التي تنبض بالعالمية

من جديد، احتضنت الرياض المنتدى السعودي للإعلام بنسخته الرابعة، ويمثّل الحضور لهذه المساحة فرصة ثمينة توفرها المملكة العربية السعودية لمؤسسات إعلامية وجهات وشخصيات صحفية؛ من أجل التعرف على كل ما هو جديد في المجال الإعلامي وطبيعة التحولات، التي يمكن من خلالها رسم صورة عن إعلام المستقبل، وبما يحقق مساراً مهنياً لإعلام مسؤول يتوافق مع تطلعات الدول وبرامجها في كل المستويات التنموية، وأن يكون مؤثراً لقيادات الدول، وهذا ما أشار إليه وزير الطاقة سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان؛ الذي افتتح جلسات المنتدى بكلمات ملهمة «صناع التأثير يحتاجون إلى صناع التغيير» في إشارة منه لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وقدرته على صنع واقع جديد للمملكة والمنطقة من خلال رؤية 2030، وهذا ما أكده معالي وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري حين أشار إلى «ان القيادة الرشيدة تؤمن أن الإعلام ليس أداة نشر فحسب، بل هو أداة تأثير تصنع المستقبل».

المنتدى هذا العام شهد تغييراً في فلسفة الاستقطاب يتوافق مع طبيعة التوجهات التي تشهدها السعودية، فالمنتدى طغت عليه الصفة العالمية بالمدعوين والمشاركين (400 عدد الضيوف من كبار الشخصيات)، فبالرغم من الحضور السعودي والعربي إلا أن وجود مؤسسات إعلامية وصحفية وأسماء عالمية لها تاريخها الصحفي أعطى بعداً آخر للمنتدى، كذلك فإن القائمين عليه أرادوا إيصال رسالة إلى هذا الحضور النوعي العالمي بأن الإعلام السعودي والعربي متقدم ومواكب لكل التطورات الفنية والتكنولوجية خصوصاً في قضايا التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وتوظيفهما لصناعة إعلام موازٍ لكبريات المؤسسات الإعلامية الغربية، كذلك أعطى المنتدى في جلساته منصات لنقل تجارب الصحفيين والإعلاميين الغربيين للزائرين الذين حضروا لجلسات المؤتمر والذين وصلوا إلى ما يقارب 50 ألف زائر وإلى 11.3 مليون مشاهد للبث المباشر للجلسات، التي ناقش فيها 250 متحدثاً وخبيراً مختلف القضايا الإعلامية توزعت أفكارهم وتجاربهم على 40 ورشة عمل و80 جلسة حوارية، وحتى جوائز المنتدى التي احتفت بالمبدعين السعوديين إلا أن توسيع نطاقها إلى جوائز عالمية للصحفيين والإعلاميين من خارج المملكة سيكون أحد خطط المنتدى القادمة؛ لتتضاعف ريادة ومكانة المنتدى عالمياً.

الرياض، في الوقت ذاته الذي يعقد فيه المنتدى، كانت تستضيف حدثاً عالمياً متمثلاً بالمحادثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بعد أن توقف التواصل بينهما منذ ما يقارب ثلاثة سنوات بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ليؤسس هذا الحوار لسلام عالمي، تسعى إليه المملكة، والتقريب في عدد من الملفات الثنائية وسبل إصلاح العلاقات بين البلدين، بما في ذلك تخفيف العقوبات الاقتصادية، وتعزيز التعاون التجاري، وتمهد الطريق أمام قمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين تعقد في السعودية، وهي بذلك تنتقل إلى لعب دور الوسيط الدولي بين الدولتين بعد أن عجزت منظمات دولية عن القيام بهذه المهمة، وأيضا نقلت هذه القمة المملكة إلى مراتب متقدمة في المكانة العالمية.

لا شك أن الفعاليات العالمية أصبحت أداة مؤثرة في تعزيز القوة الناعمة؛ إذ تسهم في بناء الجسور الثقافية وتعزيز الشراكات الدولية، وفي المملكة أصبحت هذه الفعاليات محط اهتمام وأعجاب العالم بالفلسفة الرشيدة لعقدها التي تهدف من خلالها إلى إظهار السعودية بما تستحقه من قيادة وشعب ومكانة دولية، فلم تعد الرياض عاصمة خاصة للسعوديين فهي قبلة لكل الدول الباحثة عن الاستقرار والسلام، وهي طموح لكل من يبحث عن النجاح وتحولت لعاصمة ملهمة بتطورها السريع لكل من يفكر بصياغة خطط التقدم في كل المستويات، وصانعة للتأثير لكل من يبحث عن الشغف بالمستقبل. نغادر الرياض جغرافيا لكن لن تغادرنا السعودية الدولة التي تنبض بالعالمية.
00:22 | 2-03-2025

السعودية ورهان العرب..

تتسارع التطورات في المنطقة العربية بشكل ملفت ما بعد 7 أكتوبر 2023، فما بين أزمة غزة ودمار لبنان نتيجة الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني واستعصاء الحلول السياسية فيه وسقوط النظام السياسي لبشار الأسد في سوريا، تظهر لنا مستويات الارتباك بين الدول العربية والقلق من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية، يمكن أن تؤدي إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها، في الوقت ذاته تؤشر هذا الأحداث إلى ضرورة وجود دولة جامعة لها وضامنة لمسار مفاوضات وحلول، دولة بثقل دبلوماسي عربي ـ دولي، يمكن من خلالها بدء الطريق للعودة إلى الاستقرار وإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وترميم صورتها الخارجية.

تمثل المملكة العربية السعودية أنموذجاً دبلوماسياً عربياً يمكن الوثوق به، فقد حققت في السنوات الماضية منهجاً فريداً في علاقاتها الخارجية سواء في التعاطي الإيجابي مع القضايا العربية الضاغطة أو على مستوى علاقاتها بالمنظومة الإقليمية والغربية التي نظرت للرياض كونها مساحة تواصل وبوابة الحلول الدافعة للاستقرار وبناء التحالفات القائمة على المصالح المشتركة؛ لذا تحولت لما يمكن أن نطلق عليه (دولة القمم)، برزت فيه المملكة دولةَ ارتكازٍ دبلوماسي على الخريطة العالمية، دولةً فاعلةً في منطقة تموج بالأزمات.

مع حالة الانسداد للمبادرات والحلول العربية للحرب في غزة، كانت الرياض تخطو بثبات نحو تفعيل دورها ومسؤوليتها العربية، وتحولت بدبلوماسية هادئة إلى دولة تنتج السلام من جهة وتقدم الدعم الكامل للشعب الفلسطيني من جهة أخرى، كذلك فإن السعودية لم تتخلَّ عن الجمهورية اللبنانية رغم كل ما حل بها؛ نتيجة سياسات خاطئة لطرف داخلي على حساب مصالح لبنان؛ لذا ساهمت المملكة، وحتى تقطع الطريق أمام أي تدخل خارجي، في إنهاء حالة الفراغ الرئاسي بحوارات قربت الأحزاب والشخصيات لصياغة اتفاق يعد إنقاذاً للبنان نتج عنه اختيار جوزيف عون رئيساً للجمهورية، ومع الانهيار المدوي للنظام في سوريا وهروب الأسد، كانت السعودية تنسج جسراً جوياً وبرياً من قوافل الدعم للشعب العربي السوري بخطوة سبقت كل الدول العربية، وفي الوقت نفسه كانت تعّد الأجندة الخاصة لمؤتمر (اجتماعات الرياض بشأن سوريا) ضم دولاً ومنظمات عربية ودولية ومثّل تحولاً مفصلياً في دعم المرحلة الانتقالية بهدف قيام دولة آمنة ومستقرة وبحالة مماثلة لمبادرة الطائف ومبادرة السلام العربية 2002، الأمر الذي أعطى مؤشراً للدور الريادي الذي تلعبه السعودية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السورية والدولية ورغبتها الحقيقية في الوصول إلى حل شامل يُعيد لسوريا مكانتها في المنطقة وحرصها على ضمان توافق عربي حول الملف، مما ساهم في إزالة الكثير من العراقيل التي كانت تعيق التفاهمات الدولية بشأن سوريا، فضلاً عن أن المملكة كانت ركناً أساسياً في اجتماعات العقبة التي ناقشت طبيعة التطورات والتداعيات في سوريا ما بعد الأسد.

بعد عام من الحراك الدبلوماسي السعودي في القضايا العربية، التي تمثل ملفات شائكة، لاسيما وأن هذه الملفات يتداخل فيها الجانب العسكري والسياسي الإقليمي والدولي مع عدم القدرة العربية على تطويق الأزمات، برزت المملكة دولةً يمكن الرهان عليها لقيادة المنظومة العربية بكل المستويات؛ لذا كان الترحيب والقبول بالرؤية والدور السعودي الإيجابي هو الطاغي على المواقف السياسية والشعبية في غزة أو لبنان أو سوريا، مما يجعل السعودية بما تملكه من عقلانية القيادة وشعورها بالمسؤولية العربية، محط رهان وإيمان لعدد من الدول العربية بلعب دور في إيجاد الحلول لما تعانيه من مشاكل وأزمات، والمملكة هي الأنموذج ورهان العرب الناجح والرابح.
00:03 | 21-01-2025

العراق وترمب.. لا منطقة رمادية

ينظر العراق لعودة دونالد ترمب للبيت الأبيض كمرحلة فاصلة في طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالأمر لا يرتبط بتغيير الإدارة من الديمقراطيين إلى الجمهورين وتعاطيهم مع بغداد بقدر ما أن الموضوع مرتبط بما يطرحه ترمب أو طاقمه المتشدد تجاه المنطقة والعراق وإيران، أو ما يمكن أن نطلق عليه (الترامبية الجديدة) التي ستركز على حسم الملفات، وهذا الحسم سيختلف فقد يكون بالذهاب نحو التسويات أو عقد الصفقات أو حتى قد يكون من خلال فرض العقوبات القصوى أو حتى الاشتباك، فالرئيس الجديد يريد شرق أوسط مستقراً لا يتسبب بقلق لإدارته؛ لذلك من المتوقع أن يقدم مقاربة للمنطقة تركز على تقويض بؤر التوتر وفق الاشتراطات الأمريكية ولا تعتمد تقديم التنازلات أو المرونة للمترددين بعلاقتهم مع واشنطن أو الخصوم والأعداء.

العديد من الملفات المشتركة بين بغداد وواشنطن لم تحسم بشكل واضح، فعلى مستوى العلاقة لم تحسم الطبقة السياسية العراقية الحليفة لإيران والماسكة على السلطة توصيف أمريكا هل هي حليف وصديق استراتيجي أم دولة احتلال، واستمرت هذه القوى باللعب بالمنطقة الوسطى تعتمد المخاتلة وبما يتناسب ذلك مع مصالحها، كذلك لم تُفعل اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين وبالشكل الذي يحقق الهدف منها، فضلاً عن عدم وجود اتفاق وطني على انسحاب القوات الأمريكية، أو فيما يرتبط بتفكيك سلاح الفصائل المسلحة وأصولهم المالية والاقتصادية وهيمنتهم على عدد من مؤسسات الدولة، مما ولّد حالة انقسام في الساحة السياسية العراقية تجاه هذه الملفات، فهناك من يعتقد أن انخراطاً أكبر في إدارة ترمب الجديدة بالعراق يمكن أن يغيّر في العديد من موازين القوى داخلياً مما يتطلب موقفاً يتطابق مع المصلحة العليا للبلاد.

ترمب سيهتم منذ أول لحظة دخوله للبيت الأبيض بالسياسات الداخلية، سيركز على تطبيق وعوده في برنامجه الانتخابي، وخارجياً سيعمل على تحقيق تقدم في قضية قناة بنما وكندا، وكذلك ستكون في مقدمة أولوياته صراعه مع الصين، وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وضرورة حسم حرب إسرائيل مع إيران، والبرنامج النووي الإيراني وفق اشتراطات أمريكية، أما العراق فلن يكون ضمن الملفات ذات الأولويات القصوى خلال الأشهر الأولى في سياسته الخارجية، وعندما يصل الملف العراقي إلى واجهة الاهتمام سيكون التعامل معه على أساس تصاعد النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني فيه، وأيضاً على أساس ردود الفعل وممارسات الفصائل المسلحة من باب حماية المصالح الأمريكية وإسرائيل، فضلاً عن ذلك فإن ترمب لن يتردد في سحب القوات الأمريكية من العراق إذا طلبت بغداد ذلك مجدداً، لكن هذا الانسحاب سيكون وفق الاشتراطات الأمريكية وليس وفق الاشتراطات العراقية، مما يدفع واشنطن لاعتماد مبدأ الأثمان كفرض عقوبات تؤدي إلى شلل قد يؤثر على العراق بشكل كامل؛ وحتى في حال البقاء فإن الولايات المتحدة سيكون لديها شروطها الخاصة التي لا تعتمد المرونة، لأن قرار الانسحاب قد يصطدم بفكرة حماية المصالح الأمريكية ويقوّض عملية تدعيم الأمن القومي لإسرائيل.

مع تشكيل ترمب لطاقمه وإدارته الجديدة في المؤسسات المهمة مثل البنتاغون والخارجية والمخابرات الأمريكية (CIA) والأمن القومي والخزانة وغيرها تتضح الصورة بشكل أكبر، وتظهر بأنها من المتشددين والمعبئين تجاه إيران وأذرعها في المنطقة والعراق على وجه الخصوص، الأمر الذي يفرض على رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني ومن سيخلفه بالمنصب، الاتفاق على إعادة صياغة العلاقة بين بغداد وواشنطن، لاسيما أن ترمب، على الأكثر، لن يترك العراق لإيران، كما أنه لن يسمح من جديد أن يكون العراق بالمنطقة الرمادية بين واشنطن وطهران، مما يحتّم على العراق الاختيار أو انتظار القرارات الصادمة.
00:11 | 14-01-2025

هل يتجنب العراق الحرب؟

يشكل أكتوبر من عام 2023، نقطة تحول في سياسات العراق الداخلية والخارجية، فانخراط الفصائل المسلحة الحليفة لإيران بحرب غزة وجنوب لبنان استناداً لشعار وحدة الساحات، قد دفع حكومة السوداني إلى إعادة تموضع بناء على هذا التطور، وبالرغم من التأكيد الرسمي على أن بغداد ليست طرفاً بما يدور إلا في جانبه الإنساني، إلا أن البيئة السياسية لرئيس الوزراء محمد السوداني التي تمثل الموقف شبه الرسمي، دخلت فعلياً بهذه الحرب من خلال استهداف القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والاشتباك الفعلي من خلال هجمات منسقة للداخل الإسرائيلي، وبذلك أصبح العراق رسمياً ضمن نطاق الحرب وبنك الأهداف القادمة في خطط الجيش الاسرائيلي.

لم يعد النقاش في بغداد عن من يمتلك قرار الحرب المنصوص عليه في الدستور العراقي، فالسؤال الأهم الآن كيف يمكن تفادي هذه الحرب وآثارها المدمرة على بلد منهك سياسياً واقتصادياً وأمنياً؛ مما يتطلب خارطة طريق تشمل عدة مستويات وأهمها المسار الدبلوماسي لإخراج العراق من دوامة الحرب التي يمر بها الشرق الأوسط ويكون ذلك بالالتزام بمبدأ التوازن الذي سارت عليه الحكومات العراقية، المبدأ الذي كُسر بسبب الفصائل المسلحة التي شكلت الحكومة الحالية واعتماد خطاب خارجي يتسم بالحياد الشديد، وعدم استفزاز الأطراف العربية والدولية، وكذلك عدم إظهار العراق على أنه دولة جسرية لتهديد الدول الأخرى. إن عدم طرح مبادرة دبلوماسية خاصة أثرت من أن لا يبرز العراق كـ«طرف محايد»، خصوصاً وأن العراق يمتلك علاقات «نادرة» مع القوى الفاعلة بالحرب، ويتطلب ممارسة ضغط دبلوماسي بجولة عربية أو عالمية لغرض تنضيج المبادرة أو حتى قيادة حراك ضاغط على الدول الغربية يمكن أن يُنهي حالة الصراع في المنطقة، ومع مرور الوقت يبدو أنه فقد زمام المبادرة نتيجة إرادة الجماعات المسلحة.

إن مبادرة المملكة العربية السعودية التي شكلت على أساسها التحالف الدولي للاعتراف بدولة فلسطين، تعد أفضل ما قدم لهذه القضية؛ التي يتوجب على الحكومة العراقية الالتحاق بها والإعلان عن تأييدها كحل عربي متقدم، بحكم أن هذا التحالف الذي تقوده الرياض يمثل مساراً ومنهجاً يضمن الاستقرار للمنطقة ولبقية الدول التي يمكن أن تتأثر بتداعيات الحرب، فضلاً عن ذلك يمكن لبغداد؛ كي تتجنب الحرب، العمل على رفع مستوى الحديث مع الولايات المتحدة الأمريكية للتأثير على حليفتها إسرائيل بضرورة إبعاد الجغرافية العراقية عن دائرة القصف، وبذات الوقت من الضروري لحكومة السوداني، والعراق على شفا الحرب، أن يخوض مفاوضات سريعة مع إيران لوقف تحفيز حلفائها العراقيين بدمج بلدهم بوحدة الجبهات، والانتقال تالياً داخلياً بحصر السلاح بيد الدولة وبشكل فعلي وعاجل.

لا شك أن معطيات الإحراج السياسي والدبلوماسي والترقب الصعب للحكومة العراقية يتطلب مقاربات مختلفة، وهي أمام مسؤولية وطنية، رغم أنها في الربع الأخير من عمرها الدستوري، لإنقاذ العراق وعدم الاكتفاء بردات الفعل تجاه بعض المواقف الداخلية وأخذ زمام المبادرة وعدم انتظار التسويات الإيرانية، فكل المؤشرات تؤكد بأن الدولة العراقية قد لا تصمد أمام الضربات، بالتالي سيجعلها غير قادرة على احتوائها ومن ثم سيواجه العراق منعطفات جذرية كبيرة كنتيجة حتمية لهذه الحرب.
00:03 | 13-10-2024