-A +A
محمد الساعد
بعد ثلاثة أعوام من أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتحديدا سنة 2003، كان واضحا أن هزة عنيفة أصابت المجتمع السعودي جراء ما حصل، لكن صدمة أخرى لم تتأخر كثيرا حيرت السعوديين ودفعتهم للدخول في نقاشات اتسم بعضها بالعنف اللفظي والإقصاء بعدما انتقل الإرهاب إلى بيوتهم وشوارعهم بداية من تفجيرات المحيا وما تلاها، كانت الصحافة السعودية ومن خلال مقالات كتابها وردود الأفعال عليها تعبر بصدق عن تلك الحالة الجديدة، فلأول مرة بدأ كتاب الرأي والأعمدة يتحولون لنجوم يقودون الرأي العام ويصنعونه.

في ذلك العام 2003 تحديدا، نشرت ثلاثة من أبرز المقالات في الصحافة السعودية في العقدين الماضيين، ولولا ضيق المساحة المتاحة لأوردت نصوصها كاملة والمأمول من القارئ العزيز مراجعتها إن أراد من أرشيف كتابها.


المقال الأول نشر في صحيفة الاقتصادية للكاتب والإعلامي تركي الدخيل تحت عنوان «مبروك روعتونا»، وجاء ضمن سياق تداعيات تفجيرات المحيا، فقد أصدرت وزارة الداخلية قبيل التفجيرات بأيام بيانا سمت فيه مطلوبين حذرت من التعامل معهم أو مساعدتهم بعد ورود معلومات مؤكدة لها بأنهم منخرطون في التخطيط لعمل إرهابي وشيك.

المفاجئ هو قيام منظري القاعدة ومشايخ الإرهابيين بإصدار بيان مضاد لبيان وزارة الداخلية، حاولوا فيه إعطاء الإرهابيين مساحة من الوقت لتنفيذ أعمالهم وهو ما حصل بالفعل.

تركي الدخيل تناول في مقاله تلك المفارقة قائلا لهم «مبروك يا أسامة بن لادن مبروك يا منظري التكفير لقد (روعتم) الأمهات، وأبناؤنا لم يذهبوا للمدارس، مبروك لقد أتقنتم صناعة الترويع والخوف وبثثتموها قلوب المسلمين».

اللافت والجديد على الجسم الإعلامي في السعودية هو قيام صحيفة منافسة بإعادة نشر مقال تركي الدخيل على صفحاتها، تأكيدا على براعة المقال وتأثيره العميق وملامسته مشاعر الناس، وإن لم تخني الذاكرة فمن أمر بإعادته هو ناشر صحيفة الوطن الأمير خالد الفيصل ونشر على شكل صفحة كاملة.

المقال الثاني كان للصحفي والكاتب عبدالرحمن الراشد، في صحيفة الشرق الأوسط 17 مايو 2003 تحت عنوان «بناء على طلبكم»، وهو يعبر عن طريقة التفكير السائدة حينها ومعالجة تبعات تفجيرات المحيا إعلاميا، بعدما استفاق السعوديون -مواطنين ومؤسسات- على جريمة كبرى ارتكبها بعض أبنائهم بناء على فتاوى وأفكار الغلاة.

يقول الراشد في مقاله ما نصه «كنت قد أنهيت مقالي عن أحداث الإثنين الماضي في الرياض حين رن الهاتف. طلب مني مسفر، وهو صديق وأخ عزيز، ألا نتهم المؤسسات الدينية، أو نشير إلى العاملين في الحقل الإسلامي أو الجمعيات أو المؤسسات، فلا نلقي عليهم اللوم ولا نرميهم بما ليس فيهم. قلت له معاذ الله. إرضاء له حاولت، فكانت مهمة صعبة لكنني فعلتها بناء على طلبه.

فكرت طويلا وأثناء تفكيري المركز اكتشفت الجذور والأسلحة والفاعلين الحقيقيين الذين تسببوا في مأساة الاثنين الدامي. أهم اكتشافاتي أن لا علاقة لهم بالأصوليين، لا من قريب أو من بعيد. أستطيع أن أجزم أنهم طلاب زراعة أو من وزارة الزراعة، فهي مسؤولة عما حدث، وهي التي منحتهم التربة وحفرت لهم الآبار وأمدتهم بالمياه ووزعت عليهم البذور، وكما يقال يا أخ مسفر (من زرع حصد) اكتشفت أنه ليس صحيحا أنهم مدللون ومحميون وتفتح لهم المجالس».

المقال الثالث هو للكاتب حسين شبكشي نشر أيضا في العام 2003 تحت عنوان «إنهم يرونه بعيداً.. ونراه قريباً»، كل ما فعله الشبكشي هو أنه روى للقراء عن حلم راوده أثناء نومه عن قيادة المرأة للسيارة إضافة لبعض الإشكالات الاجتماعية الأخرى، واجه المقال وصاحب المقال عنفا وتنمرا في المنتديات والمواقع المحسوبة على التيارات المتشددة وصلت للاستعداء والتحريض الذي كان أسلوبا دائما يستخدمه الحركيون لإسقاط أي صوت مخالف لهم.

يقول حسين شبكشي في نص مقاله «حطت طائرة الخطوط السعودية القادمة من الرياض في مطار جدة حسب موعد الهبوط المقرر لها تماماً وبدون أي تأخير كعادتها في آخر سنتين وذلك بعد خصخصتها بنجاح. خرجت من المطار بسلاسة لأجد ابنتي تستقبلني قائلة (حمداً لله على السلامة يا أبي) ودخلت إلى السيارة وقلت لها (وصليني للمكتب) وقادت ابنتي السيارة وسألتني (كيف كانت الرحلة)؟ وأجبتها والله رحلة جيدة شغل واجتماعات.. حضرت مؤتمر حقوق الإنسان العالمي بالرياض والذي قدمت فيه جائزة للمملكة عن أنظمتها القضائية وزرت جارنا فؤاد طرطشلو لأهنئه بزواجه من ابنة الشيخ فليحان العتيبي.

وقضيت أعمال الشركة ببريدة بعد أن قابلت أمين البلدية هناك المهندس رضا الباقر؛ وهو إنسان محترم عين حديثاً في هذا المنصب وتم إنجاز المعاملة في يسر وأدب. ثم ذهبت لمقابلة وزيرة الشؤون الاجتماعية الدكتورة سارة الغامدي لمتابعة ترخيص جمعية أختك الخيرية، وتناولت العشاء في مطعم جديد في حي الشميسي وتذكرت كيف تحول هذا الحي إلى مركز تجاري وحضاري متطور».

ما سبق هي لمحات من تاريخ قريب لحمى المواجهات الفكرية والتحولات السريعة والبطيئة التي خاضها مجتمعنا حتى يصل إلى ما وصل إليه اليوم، وهو يدفعنا للتفكير هل أنجزنا كل البنية الحضارية اللازمة لبناء مجتمع متمدن متقدم.