«إذا كنت مصاباً بالزكام الآن وتتناول كميات كبيرة من فيتامين C أو تشرب عصير البرتقال لتراً تلو الآخر ظناً منك أنك ستُشفى أسرع، فأنت لا تزال ضحية أسطورة علمية عمرها أكثر من نصف قرن».. بهذه الكلمة الحاسمة يُنهي رئيس قسم علوم الحياة في إمبريال كوليدج لندن البروفيسور دانيال إم. ديفيس، الجدل الذي طال أمده حول «فيتامين C والبرد».
في كتابه الجديد «الدفاع عن النفس: دليل علمي لتفنيد خرافات المناعة»، يكشف ديفيس أن الاعتقاد الشائع بأن تناول جرعات عالية من فيتامين C يقي من الإصابة بنزلات البرد أو يُسرّع الشفاء منها هو «خرافة» لا أساس علمياً قوياً لها.
ويُرجع استمرار هذه الفكرة إلى شخص واحد هو العالم الأمريكي لينوس باولينغ، الحائز على جائزتي نوبل (الكيمياء 1954 والسلام 1962)، والذي يُعتبر أحد أعظم الكيميائيين في القرن الـ20.
في عام 1970، أصدر باولينغ كتاباً بعنوان «فيتامين C والزكام العادي» أصبح من أكثر الكتب مبيعاً في التاريخ، زاعماً أن تناول جرعات ضخمة (تصل إلى 10 غرامات يومياً، أي 100 ضعف الجرعة الموصى بها) يمنع البرد أو يُنهيه في ساعات.
وأدّى حماس باولينغ إلى طفرة صناعية، إذ بُنيت مصانع جديدة لإنتاج المكملات، وتحوّل فيتامين C إلى رمز عالمي لـ«علاج البرد الطبيعي».
ماذا تقول الأدلة العلمية المتراكمة على مدى 50 عاماً؟
بحسب صحيفة «الغارديان»، لا يقلل تناول فيتامين C (سواء مكملات أو عصير برتقال) من احتمال الإصابة بنزلة برد نسبة لمن لا يتناوله، كما قد يُقلص تناول جرعات عالية بانتظام مدة الأعراض بنسبة 8% فقط لدى البالغين (أي نصف يوم إلى يوم كامل أقل)، و14% لدى الأطفال، وهو تأثير وُصف بأنه «ضئيل جداً».
وأشارت «الغارديان»، في تقريرها، أنه حتى هذا التأثير المتواضع يصعب تفسيره بدقة، لأن الأشخاص الذين يتناولون فيتامين C بانتظام غالباً ما يكونون أكثر اهتماماً بصحتهم عموماً (يمارسون الرياضة، يأكلون جيداً، وينامون بانتظام).
ويقول البروفيسور ديفيس: «فيتامين C مهم جداً للجسم، فهو مضاد أكسدة قوي، يساعد على امتصاص الحديد، ويدخل في تصنيع الكولاجين، لكن دوره في نزلات البرد مُبالغ فيه تماماً بسبب باولينغ».
بماذا ينصح العلماء؟
يقول ديفيس: «إذا أردت فيتاميناً يدعم المناعة حقاً، فركّز على فيتامين D، إذ إن عشرات الدراسات العالمية أثبتت أن نقص فيتامين D يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، وأن تناوله كمكمل في الشتاء يقلل فعلياً من احتمال الإصابة بالبرد والإنفلونزا.
وتنصح هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية كل البالغين بتناول 10 ميكروغرام (400 وحدة دولية) من فيتامين D يومياً من أكتوبر إلى مارس.