تعيش أميمة طالب اليوم أوج مراحلها الفنية، لا لأنها بلغت الذروة بصوتها وحده ودونما دعم حقيقي، بل بفضل الأغنية السعودية التي شكّلت - بكلماتها ولحنها ومواسمها ومبدعيها - هويتها الناجحة، إذ كانت المحرّك الحقيقي في تشكيل نجوميتها التي عرفها بها الجمهور.
فالنجاح الذي تبدو عليه الآن لم يُولد من فراغ، بل من تراكم تجارب ارتبطت مباشرة برموز الفن السعودي الذين منحوا صوتها ملامحه الأكثر رسوخاً.
منذ ألبومها الأول، بدا واضحاً أن أميمة اختارت أن تدخل عبر البوابة الأكثر صناعة للنجوم، وهي المدرسة السعودية في الغناء.
لم تتكئ على تجارب متناثرة أو أغانٍ عابرة، بل سلّمت صوتها للفن السعودي، وصقل الملحن الأمير بندر بن فهد بدايتها الأولى بتلحين كامل العمل الأول، وكتب بنفسه ستّة نصوص أساسية «أختلف، كل عاشق، أما أنا، الظن، من أنا، الطريق»، وكان ذلك القرار بمثابة توجيه دقيق للبوصلة، وتوازى ذلك مع نصوص لشاعرات وشعراء سعوديين شكّل كلٌّ منهم زاوية من المشهد؛ كتبت ملامح «السكوت، كلامك»، والجادل «وبل المحبة»، وكتب خالد المبيرك «ما بقى»، ومحمد القرني «أحبك»، وهاجر عسيري «ما عاد».
بهذه الخلطة، بدأت تتأسس شخصية غنائية لها جذور واضحة في التراث الحديث للأغنية السعودية.
ومع انتقالها لمرحلة أكثر نضجاً، دخلت أميمة إلى فضاء آخر من صناعة الهوية عبر تعاونها مع ملحن مثل «سهم»، الذي أعاد تقديم صوتها من خلال أعمال ذات حسّ موسيقي أكثر عمقاً، انطلقت من «خاطرك»، «تسمح لي».
كما قدّم الموسيقار طلال رؤيته لألبوم «تذكر النسيان» بتجانس لافت، جعل صوتها يتحرك بسلاسة داخل جملة سعودية خالصة، لكن بملامح عصرية.
غير أن الجانب الأكثر تأثيراً في تشكيل حضورها لم يكن في الاستوديو فقط؛ بل في مواسم السعودية الفنية التي أعادت ترتيب الخريطة الغنائية في المنطقة. فمهرجانات جدة والرياض، وحياة الحفلات التي ازدهرت خلال السنوات الأخيرة، صنعت منصة ضخمة أتاحت لجمهور جديد أن يكتشف صوتها، ورسّخت ارتباطها بالمشهد السعودي من خلال أداء أعمالٍ تنتمي لرموز هذا الفن، لا لمجرد حضور عابر على المسرح.
ما حدث في مسيرة أميمة هو انتقال تدريجي من «موهبة تبحث عن فرص» إلى «صوت تشكله منظومة كاملة»؛ شاعر سعودي يمنحها اللغة، وملحن سعودي يمنحها الخط الموسيقي، ومواسم سعودية تمنحها الجمهور والانتشار.
بهذا المعنى، فإن نجاحها اليوم هو انعكاس مباشر لدور الأغنية السعودية ومبدعيها، أكثر من كونه نجاحاً فردياً. لقد وجدت أميمة في هذه البيئة الفنية المتحولة المساحة التي تعيد تشكيل ملامحها، وتمنحها هوية تتجاوز حدود المكان، لكنها لا تنفصل عن جذورها التي صنعتها.