في عالم الاقتصاد، لا شيء يحرّك الأسواق أكثر من المشاعر. فالمؤشرات تصعد بالثقة وتهبط بالخوف، وغالباً ما تسبق الانفعالات القرارات. هذه الحقيقة التي يعرفها المستثمرون جيداً، أصبحت اليوم أحد أسرار الاقتصاد العالمي المتقلّب: فالأزمات لم تعد في الأرقام، بل في الثقة التي تبرّرها أو تنفيها.
خلال السنوات الأخيرة، بدا جلياً أن الاقتصاد العالمي يعيش حالة من «اللايقين المنظّم»؛ فالتضخم يتراجع في بعض الدول ويعود للارتفاع في أخرى، ومعدلات الفائدة تتجه للانخفاض، بينما أسواق الأسهم ما تزال قلقة حائرة. هذه المفارقات تعكس شيئاً واحداً؛ أن الثقة في السياسات الاقتصادية باتت أهم من السياسات نفسها.
المؤكد أن الثقة لا تُقاس بمؤشرات، لكنها تصنع مؤشرات نفسها. فعندما يثق المستثمر في اتجاه الحكومة، تقلّ تكلفة التمويل، ويرتفع الإقبال على المخاطرة، ويتحوّل الاقتصاد من حالة الجمود إلى حالة الحراك. في ذات الوقت، عندما تتراجع الثقة، مهما كانت المؤشرات الكلية إيجابية، تتجمّد قرارات الاستثمار ويهرب رأس المال نحو الملاذات الآمنة.
تاريخياً، لطالما كان الفرق بين الركود والتعافي مرتبطاً بإشارات الثقة لا بالأرقام فقط. فبعد الأزمة المالية العالمية عام 2007-2008، لم تبدأ الأسواق في الانتعاش إلا عندما أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي التزامه الكامل بحماية السيولة، لا عندما تحسّنت المؤشرات. كانت الرسالة أوضح من أي إجراء آخر؛ لسنا خصماً للسوق، بل شريكاً يقف إلى جانبه.
اليوم، في ظل التحوّلات الاقتصادية الكبرى تكمن الثقة في الاستقرار، والشفافية، وأن الإصلاحات لن تتراجع أمام الضغوط. وهذا ما يجعل الاقتصادات الناشئة التي تبني مؤسسات قوية ومؤشرات واضحة قادرة على جذب استثمارات تتجاوز حجمها الجغرافي أو السياسي.
ومن هذا المبدأ، فإن الاقتصاد ليس مجرد معادلات رياضية، بل شبكة من التوقعات المتبادلة. وحين يثق الناس بأن السياسات متماسكة والرؤية مستمرة، يصبح النمو نتيجة طبيعية. أما حين تٌفقد الثقة، فإن كل الأرقام تصبح بلا معنى. وفي ضوء ذلك، فإن المعادلة الحقيقية هي أن الخوف يُحدث ركوداً، والثقة تصنع ازدهاراً، وبينهما، يتحدد مصير الاقتصادات ليس بما تملكه من موارد، بل بما تؤمن به من قدرة على المستقبل.